تتيح أوضاع رخوة في بعض الدول الإسلامية الفرصة لمن يخطط لضرب الحالة الإسلامية بصفة عامة، فالصراعات بين المذاهب تُحدِث هزة في المجمتع، وتجعل المواطنين في الدولة الواحدة مثل الأعداء الذين يتحيّنون الفرصة للانقضاض على بعضهم البعض، والأسوأ عندما تمتد هذه الصراعات لتأخذ شكل التناحر العرقي الذي يغذي عوامل العداء ويكون أدعى لرغبات متطرفة في استئصال الآخر.
وتستأثر الاعتداءات بين الشيعة والسنّة في باكستان باهتمام وقلق المسملين في جميع أنحاء العالم بسبب المنحى البعيد من العنف الذي تأخذه، ففي الانفجار الذي وقع أمس في تجمُّع للسنّة لقي أكثر من 40 شخصاً، بينهم أطفال، مصرعهم وأُصيب العشرات بجراح، وقد جاء الحادث بعد أقل من أسبوع من هجوم مماثل على مسجد للشيعة قضى فيه أيضاً العشرات نحبهم.
ويتَّسم الوضع الباكستاني بصفة عامة بحساسية شديدة وبتاريخ من هذه النزاعات التي باتت شأناً تقليدياً في باكستان على الرغم من الحالة المأساوية التي تتسبب فيها في كل الأوقات، فضلاً عن أن باكستان تقع في منطقة أزمات حقيقية بمجاورتها لكشمير وأفغانستان، الساحة التي يدور فيها صراع عسكري بين طالبان والقاعدة من جهة، والقوات الدولية بقيادة الولايات المتحدة من الجانب الآخر، غير أن تداعيات هذا النزاع تمتد إلى الأراضي الباكستانية التي يقول بعض المراقبين إنها قد تكون المأوى الذي اختاره زعماء تنظيم القاعدة، خصوصا في المناطق القبلية المغلقة التي تتلاشى فيها سلطة الدولة.
وفي مثل هذه الأوضاع شديدة التعقيد يمكن لأصحاب المخططات الشريرة النفاذ بمخططاتهم إلى المجتمع الباكستاني، ليس استهدافاً له فقط، بل من أجل استهداف كافة العالم الإسلامي، فسقوط عشرات القتلى من السنّة لا بد أن يثير اهتمام المسلمين السنّة في جميع أنحاء العالم، والعكس صحيح فيما يتصل بالشيعة.
ولو لم تكن هناك مثل هذه الخلافات والصراعات بين السنّة والشيعة في بلد ما، لظهر هناك من يسعى لتحريكها وتأجيجها إلا في ظل وعي شديد بالمآلات الوخيمة التي يمكن أن تتردى إليها الأوضاع.
ففي العراق ورغم وجود أوضاع مواتية لفتنة لا تبقي ولا تذر بين أي جماعات ذات رؤى مختلفة، ومع ذلك فقد نجح المجتمع العراقي في إحباط كل تحرك يرمي إلى إشعال الفتنة بين الشيعة والسنّة على الرغم من رهان البعض على إمكانية تحقيق ذلك، ويعود ذلك إلى وعي كامن في الشخصية العراقية بأنّ العراق ككل هو المستهدف مما يجري من حروب، ومن هنا بات الحرص شديداً على إفشال أيّ مسعى بهذا الصدد.
|