وفاته كوفاة (خيطان) لم يهْوِ من بئر كما كان (خيطان يخشى) .. لم يسقط من جذع نخلة كما كان (خيطان) يخاف..لم تزل قدمه من قمة جبل، كما كان (خيطان) يحاذر، ولم تعثر به دابة كما كان (خيطان) يتجنب.. مات خيطان على فراشه بعد أن أمن المخاطر وباغتته المنية..
تماماً لخيطان توفي ابن العم (عبدالله بن سعد البواردي، وهو يهبط من سلم داره معافى دون شكوى) قبل اجتيازه لآخر عتبات الدرج، وهو في طريقه إلى المسجد لأداء صلاة الفجر، تملكه دوار مفاجئ، أرخى بجسده مثقلا على العتبات الأخيرة.. كأس اللبن الذي كان بيده استقر إلى جواره دون أن يستكمل جرعاته.. ابنه سعد كان على موعد معه في مثل هذا الوقت من الصباح المبكر في رفقة إيمانية إلى بيت الله.. لحظتها أسند رأس والده إلى صدره.. ولحظتها ارتخى الجسد بعد أن توقف نبض الحياة، وصعدت الروح إلى بارئها.
ابن العم عرك حياته وعركته.. عاش دنياه في صمت.. وودع دنياه في صمت.. كل الذين عرفوه أحبوه.. حياته عفوية.. وسمعته زكية.. ولفتاته ذكية..
حين غادر دنيانا غادرها ككل البسطاء لسبب بسيط هو أنه لا يتقلد منصباً كبيراً.. ولا مالاً كثيراً كل ما يملكه الستر.. والذكر الطيب..
في مقبرة النسيم حيث يرقد الآلاف في مثواهم الأخير رقد ابن العم رقدته الدنيوية الأخيرة.. ومن حول قبره عشرات الأقرباء. والأصدقاء يتقبلون فيه العزاء.
كان أخاً لكبيرهم.. وأبا لصغيرهم.. جميعهم أحسوا بفقده.. الأخيار من البشر هم الذين تحس برحيلهم.. ومرارة وداعهم..
ميتة مفاجئة لها طعم الفاجعة تعطينا درسا لو أننا أحسنا قراءة دلالاتها هو أن الموت أقرب إلينا من حبل الوريد.. كي لا تستبد بنا الغفلة.. ويخادعنا أمل الحياة الكاذب..
ابن العم دون شكوى ولا معاناة مات.. فارق الحياة طاهرا يزمع الصلاة.. وجاءت صلته بربه مباشرة دون خطوات..
نهاية عمر.. وبداية حياة.. كلنا لها يا أبا سعد.. ندعو لك بالرحمة.. ولنا فيك العزاء؟
|