* لقاء -صالح عبدالله الخزمري
الحب في الله هو الحب الحقيقي والحق الصادق وذلك ديدن الأنبياء والمرسلين، وسيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - ضرب لنا مثلاً رائعاً في ذلك، وكذا صحابته رضوان الله عليهم.
أما حب أهل الهوى فإنه زائل وسراب، ولا يمنع أن في دنيانا حباً مباحاً كحب الرجل لزوجته، ورسولنا - صلى الله عليه وسلم - خير قدوة فمع كونه قائداً للأمة إلا أنه كان ليناً مع أسرته محبّاً لزوجاته.
فضيلة الشيخ الدكتور عائض القرني - الداعية المعروف أكد على المفاهيم السابقة وعلى صناعة الحب الحقيقي من خلال الحوار التالي الذي أجريناه مع فضيلته:
* فضيلة الدكتور عائض القرني مفهوم الحب مفهوم واسع - هلاّ فصلتم الحديث حوله؟.
- أعظم الحب هو الحب في الله على ألا نعطل الحب المباح، فلقد كان سيدنا محمد- صلى الله عليه وسلم - يحب عائشة، وقال لها (بُشرتُ أنك زوجتي في الجنة) أما أهل الهوى فإن حبهم زائل.
* وهل من قصة تاريخية في هذا المجال ليتعظ الناس بها؟
- هل تعلم أحب إلى الإنسان من ابنه؟!! ولذلك أراد الله من أوليائه أن يحبوه أكثر من فلذات أكبادهم، وسأورد قصة إبراهيم الخليل عليه السلام الذي آتاه ابنه إسماعيل على كبر وبلغ معه السعي فأحبه.
ابن واحد، أتى على كبر السن، ثم هو مطيع، وفيه كل الصفات الطيبة والله أراد أن يكون قلب الخليل له وحده فأتته الرؤيا المعروفة وأتى بابنه وقال {إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى} يقول بعض المفسرين كل بلاء يهون إلا بلاء إبراهيم في ابنه، وإبراهيم وصفه الله بصفات عظيمة فهو مكسّر للأوثان، ومطيع للرحمن، ومكرم للضيفان، وأواب حليم، أمة، لم يكن من المشركين.
فقد مدح الله هذا الرجل مدحةً في القرآن الكريم ما مدح أحداً مثله.
ابتلاه الله في ابنه، وكانت البلوى أنه يباشر الذبح بنفسه، وكان أعظم جواب في التاريخ من ابنه لأبيه هو جواب إسماعيل {يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ} جهز إبراهيم ابنه لتنفيذ هذا الأمر الرباني {فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ} تله للجبين حتى لا تنظر العين في العين وأتى بالسكين ووضعها على العنق، وكررها ثلاث مرات. فنزل قوله تعالى {وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ {104} قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ {105} إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاء الْمُبِينُ {106} وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ} فقاما وتعانقا وهما يبكيان وإذ بالله يسجل له شهادة أنه صادق في هذا الامتحان.
- وفي عهد الصحابة رضوان الله عليهم:
- من الأمثلة على ذلك في عهد الصحابة:
ابن رواحة: عندما خرج إلى مؤتة، وكان يتمنى طعنة في سبيل الله.
- عبدالله بن جحش: الذي كان يدعو الله أن يموت شهيداً.
- طلحة بن عبيدالله: يوم أحد جرحت معظم أجزاء جسمه.
وجاء الناس إليه يداوونه ودمه ينزف فيقول:
(اللهم خذ من دمي اليوم حتى ترضى).
- الشاب الذي وقف أمام الرسول - صلى الله عليه وسلم - يوم أحد فقال: (لا تمنعني دخول الجنة) وعندما قتل الشاب في المعركة أتاه الرسول - صلى الله عليه وسلم - فقال:( صدقتَ الله فصدقك).
- خبيب بن عدي: الذي عذب وأؤذي، وكان في اللحظات الأخيرة يطلب أن يعطوه فرصة ليصلي، وقال لولا خشية أن يقال جبان لأطلت في الصلاة.
- ومن قبل الصحابة: آسية امرأة فرعون حيث معاناتها مع زوجها ودعاؤها المشهور {رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ} على الرغم من القصور التي كانت تسكنها.
* وماذا عن الحب الأعظم - حب الرسول - صلى الله عليه وسلم- لربه ؟
- محمد - صلى الله عليه وسلم - هو أكثر من أحب الله فهو الذي تعرّض للأذى في سبيله حتى قالوا إنه ابتلي بجميع أنواع البلاء والأنبياء قبله يبتلون في شيء واحد كابتلاء أيوب بالمرض، وإبراهيم بذبح ابنه وهكذا..
فلا أعظم من حبه صلى الله عليه وسلم لربه، فلقد كان نومه دعوة وكلامه دعوة وتوجيهاته دعوة وسيرته كلها دعوة.
فلم يصل إلى هذه المرتبة أحد.
* وماذا عن الحب المنحرف وكيف الخلاص منه؟
- خالد بن يزيد له مقطوعات من أرقى ما قيل في الحب، وقد حجّ ورأى محبوبته فأنشد فيها وقد لامه أهل العلم لأنه لا يذكر في بيته العتيق إلا هو سبحانه.
* وكذلك مجنون ليلى عندما رأى محبوبته وهو يطوف حول الكعبة فأنشد فيها:
ولقد تعوذ ابن عباس من العشق لما له من سلبيات
اما المخرج من هذا الداء ففي كتاب (طوق الحمامة) لابن حزم، وفي كتاب (الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي) لابن القيم ففيهما إيضاح والوسائل للحب الحقيقي تكمن في:
1- الاستجابة لله تبدأ بالصلاة فهي قرة عين النبي - صلى الله عليه وسلم - قال تعالى: {وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ } قدّم الصبر لأنه ينتهي واخر الصلاة لانها تبقى، وكان - صلى الله عليه وسلم - يقول:( ارحنا بها يا بلال).
والصلاة عمود الدين.
2- ومن الحب الصادق الخشوع والتدبر عند قراءة القرآن الكريم وسماعه فلقد كان الرسول - صلى الله عليه وسلم - يستمع لأبي موسى الأشعري وهو يقرأ فقال له: (لقد اوتيت مزماراً من مزامير آل داود) ونحن اليوم نشكو من هجر التلاوة وهجر العمل وهجر الاستشفاء بالقرآن الكريم، يقول صلى الله عليه وسلم:( اقرؤوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لصاحبه).
3- ومن الحب الصادق أن تتبتل إلى الله بالدعاء والاستغفار.
4- ان تتزوج الزواج الشرعي الذي سنه الرسول - صلى الله عليه وسلم - فإنه عبادة.
5- ان تحب لقاء الله تعالى ولا يعني أنك تحب الموت قبل الموت ولكن تشتاق إلى لقاء الله إذا نزلت بك سكرات الموت وفي الصحيحين (من أحب لقاء الله احب الله لقاءه).
6- بذل المال في سبيل الله صدقة وانفاقاً، وأكثر الناس عملاً صالحاً بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - هو أبو بكر رضي الله عنه.
* كيف نجمع بين حب الله ورسوله وحب الدنيا؟
- حب الله ورسوله هو المقدّم، والإنسان مفطور على حب الدنيا وما فيها ولكن لا تقدم على حب الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم -.
|