* نيوزيلندا - خاص بـ(الجزيرة):
أكد الشيخ محمد عامر فيض الرحمن رئيس مجلس العلماء المسلمين النيوزيلندي، أن المسلمين في نيوزيلندا، والذين يتجاوز عددهم 30 ألفاً منتشرين في جميع مدن البلاد، لا يعانون من أي معوقات تحول دون حريتهم في ممارسة شعائر الإسلام، بما في ذلك حرية ارتداء المرأة والفتاة المسلمة للحجاب، ولبس العباءة في الأسواق والأماكن العامة.
وطالب الشيخ فيض الرحمن - في هذا الحوار الشامل- بعدم تعميم الأحكام عند الحديث عن المسلمين في الغرب.. مؤكداً أن حال المسلمين هناك يختلف من مجتمع لآخر، ومن وقت لآخر، ومحذراً في ذات الوقت من خطر فقدان الهوية الإسلامية على النشء من أبناء الأقليات الإسلامية، لا بفعل ضغوط أو ممارسات عدائية، لكن نتيجة للحياة والدراسة في المجتمعات الغربية، وفيما يلي تفاصيل الحوار:
* بداية نود التعرف على أوضاع المسلمين في نيوزيلندا؟
- تعتبر نيوزيلندا من أجمل بلاد المعمورة، حيث تقع في أقصى جنوب الكرة الأرضية، وتعتبر أكبر جزر المحيط الباسيفيكي. وتتكون نيوزيلندا من جزيرتين رئيسيتين (الجزيرة الشمالية والجزيرة الجنوبية) بالإضافة إلى بعض الجزر الصغيرة.
ويبلغ تعداد سكان نيوزيلندا حوالي ثلاثة ملايين وثمانمائة ألف نسمة تقريباً، وهي تابعة للتاج البريطاني ضمن اتحاد الكومنولث.
وتعيش الغالبية العظمى في الجزيرة الشمالية نظراً لوجود المدن التجارية فيها. ويبلغ تعداد المسلمين في هذا البلد النائي حوالي ثلاثين ألف مسلم ولله الحمد، ويمثلون أكثر من خمسة وثلاثين جنسية من مختلف بلاد العالم.
وتعتبر اللغة الإنجليزية اللغة الرسمية لنيوزيلندا وتعتبر المسيحية (النصرانية) الديانة الرئيسية للسكان، والمذهب الأكثر انتشاراً هو المذهب الانجليكاني أو ما يسمى أحياناً بكنيسة إنجلترا، والثقافة الغالبة بين السكان هي الثقافة الغربية بقيمتها وتراثها، وإلى جانب الديانة النصرانية هناك عدد من الديانات الأخرى هي البوذية واليهودية والهندوسية إلى جانب الإسلام.
وتعتبر مدينة ولنجتون العاصمة السياسية لنيوزيلندا ومدينة أوكلاند العاصمة التجارية، وتعتبر أكبر المدن النيوزيلندية بالجزيرة الشمالية ويسكنها مليون ومائتا ألف (1200000) نسمة، كما يوجد أكبر عدد من المسلمين في هذه المدينة، حيث يبلغ عددهم حوالي خمسة عشر ألف مسلم من جنسيات مختلفة، ويوجد هنا عدة جوامع ومراكز ومدارس إسلامية.
ويتمتع المقيمون بنيوزيلندا بحرية دينية مطلقة لأنه بلد متعدد الأديان والمذاهب وذلك بموجب القانون الرسمي لنيوزيلندا حيث إن المسلم لا يجد حرجاً أو مضايقة أثناء أداء العبادات في أي مكان عام حتى في صالة المطار، ويلاحظ الزائر لهذا البلد هذه الحقيقة، ولكن يشترط عدم مضايقة الآخرين مثل رفع الأذان من خلال مكبرات الصوت في مآذن المساجد.. وتتمتع الأسرة المسلمة بحرية الحجاب الشرعي ولبس العباءة في الشوارع والأسواق العامة. وتجدر الإشارة إلى أنه خلال الانتخابات التشريعية للبرلمان النيوزيلندي الأخير فاز أحد الأخوة المسلمين بمقعد في البرلمان ويعتبر أول برلماني مسلماً بتاريخ نيوزيلندا.
* هل يمكن أن تقدموا لنا نبذة عن تاريخ الإسلام في نيوزيلندا وأبرز المؤسسات الإسلامية هناك؟
- يعود تاريخ الإسلام في نيوزيلندا لعام 1874م عن طريق مجموعة من المسلمين قدموا من الصين للعمل في التنقيب عن الذهب والمعادن، وعند اندثار هذه الصناعة لم يبق لهؤلاء المسلمين أي أثر تاريخي لهم.. وفي عام 1908م، قدم أول فوج من المسلمين إلى مدينة أوكلاند، ولكن منذ عام 1950م بدأت أعداد المسلمين تتزايد وتتوافد على نيوزيلندا، وبدأ المسلمون بتنظيم أنفسهم بإقامة الصلوات وحلقات مدارس القرآن الكريم والشؤون الإسلامية المختلفة، وذلك في بيوتهم الخاصة، ومع تزايد عددهم شرع المسلمون في شراء بعض البيوت وتحويلها إلى مراكز إسلامية، وذلك في المدن الرئيسية.
وتم تأسيس أول جمعية إقليمية إسلامية في نيوزيلندا عام 1950م وهي الجمعية الإسلامية النيوزيلندية في مدينة أوكلاند. ومن ثمّ تتابع إنشاء الجمعيات الإسلامية وذلك عام 1962م في مدينة ولنجتون عاصمة نيوزيلندا، وسميت الجمعية الإسلامية العالمية لمسلمي نيوزيلندا، وفي عام 1980م في مدينة كرايستشيرس، وفي 1981م في مدينة هملتون وفي عام 1982 في مدينة بالمرستون نارث، وفي 1985م في جنوب أوكلاند، وأحدث تلك الجمعيات أنشئت في عام 1994م في مدينة دنيدن، والآن يوجد سبع جمعيات إقليمية معترفة لدى الحكومة النيوزيلندية، خمس منها بالجزيرة الشمالية وجمعيتان بالجزيرة الجنوبية، وتوجد لهذه الجمعيات فروع في مناطق مختلفة، وهذه الجمعيات السبع الإقليمية أعضاء في اتحاد الجمعيات النيوزيلندية (فيانز).. بالإضافة إلى بعض الأوقاف مثل الوقف الإسلامي للدعوة والتعليم ووقف ماؤنت روسكل في أوكلاند وغيرها، حيث قامت هذه التجمعات بإنشاء مساجد ومراكز ومدارس إسلامية تلبية لحاجة المسلمين في مختلف مناطق نيوزيلندا، وفي الواقع لا توجد هناك مدينة إلا وفيها جمعية إسلامية، أو جالية إسلامية ترتب أمورها لأداء شعائرها الدينية.
كما توجد هناك مدرستان إسلاميتان في مدينة أوكلاند.. الأولى: (مدرسة المدينة الإسلامية)، وهي أول مدرسة إسلامية في نيوزيلندا تم إنشاؤها، وقد سجلتها وزارة التعليم النيوزيلندية كمدرسة رسمية نظامية عام 1992م. ويدرس فيها أكثر من ثلاثمائة طالب وطالبة.
وثانيهما: مدرسة زايد الثانوية الإسلامية، وأنشئت هذه المدرسة لتعليم البنات، وقد تم افتتاحها في نهاية كانون الأول 2000م، ويدرس فيهما مع مقررات وزارة التعليم مواد أخرى إسلامية مثل: القرآن الكريم وتجويده، العقيدة، الحديث، الفقه، التاريخ الإسلامي، اللغة العريبة ونحوها، كما هو الغرض من إنشاء هاتين المدرستين. وهما تابعتان للوقف الإسلامي للدعوة والتعليم.
ومما يجدر ذكره أن أول مسجد بني على صعيد نيوزيلندا كان سنة 1971م بمدينة أوكلاند بواسطة الهنود المسلمين يليه مسجد النور الذي أنشئ بمدينة كرستشيرش بالجزيرة الجنوبية، ويعتبر مسجد الهدى في دنيدان أول مسجد تسطع عليه الشمس في العالم الجنوبي، وقد قامت تلك الجمعيات الإسلامية وما زالت بالاهتمام بأحوال المسلمين في المناطق المختلفة وخاصة بإقامة الصلوات والأنشطة الإسلامية المختلفة، وأيضاً فيما يتعلق بإقامة فصول تعليم القرآن وتحفيظه للأطفال، وحلقات العلم للمسلمين والمسلمات.
* وهل ثمة اتحاد يجمع الجمعيات الإسلامية النيوزيلندية؟
- لقد برزت الحاجة لتنسيق وتجميع وتوحيد جهود تلك الجمعيات الإسلامية في مختلف المناطق وذلك في أواخر السبعينيات، ولذلك تم إنشاء اتحاد الجمعيات الإسلامية في نيوزيلندا (فيانز) وذلك في سبتمبر من عام 1979م، حيث أصبح هذا الاتحاد يمثل المسلمين في نيوزيلندا ويتحدث باسمهم، ومن أهم أهدافه، العمل على إقامة أنشطة دعوية والحفاظ على الهوية الإسلامية والمساعدة في تطوير المجتمع المسلم، وتوضيح ونشر رسالة الإسلام للمجتمع النيوزيلندي، وإحياء الدعوة الإسلامية في نيوزيلندا، والعمل على حل مشكلات المسلمين ومساعدتهم، والدعوة إلى الله بين المسلمين وغيرهم، وتوثيق العلاقة بين مسلمي نيوزيلندا ومسلمي العالم، وخاصة مسلمي باسافيك وأستراليا، والاتحاد معترف به لدى الحكومة النيوزيلندية حيث إنها تراجعه في الأمور الدينية والشؤون الاجتماعية وغيرها، وهو الناطق الرسمي لمسلمي نيوزيلندا.
* وما هي أنشطة الاتحاد لتحقيق الأهداف التي أشرتم إليها؟
- من أنشطة الاتحاد إقامة مخيمات تدريبية للشباب وللنساء، وتعليم البنين والبنات، وطلب الدعاة من الخارج لإلقاء المحاضرات في مناطق مختلفة من نيوزيلندا، وتنظيم مسابقات حفظ القرآن الكريم، ومساعدة اللاجئين والمسلمين الجدد، وتوفير الكتب الإسلامية وتوزيعها على الجمعيات المحلية، ووضع تقويم إسلامي لنيوزيلندا، وتنظيم حملات جمع التبرعات للبلاد التي توجد فيها مشاكل وتحتاج إلى إغاثة عاجلة، إلى غير ذلك من الأنشطة الدينية والتربوية، ومنذ تأسيس فيانز وهي تعمل جاهدة على القيام بشؤون الإسلام والمسلمين في نيوزيلندا، والحمد لله استطاعت فيانز تحقيق معظم أهدافها خلال الخمسة وعشرين عاماً الماضية وخاصة فيما يتعلق بتوحيد المجتمع المسلم في نيوزيلندا.
ومن أعمال الاتحاد أيضاً أنه يصادق على اللحوم الحلال، ويصدر لحومه إلى المملكة العربية السعودية، الإمارات العربية المتحدة، الكويت، ماليزيا، إندونيسيا، سنغافورة، الصين، أوروبا وغير ذلك من دول العالم.
والربح الذي يحصل عليه الاتحاد من ذبح الحلال يعتبر حقاً خالصاً لمسلمي نيوزيلندا، ويصرف على إقامة الأنشطة الدعوية والبرامج الثقافية المذكورة سابقاً.
وأيضاً من أهم إنجازاته تشكيل مجلس لعلماء نيوزيلندا عن طريق الاتحاد والذي يتولى مسؤولية الأمور الدينية والشؤون الإسلامية في نيوزيلندا، كما يتعامل مع أي قضايا أخرى إسلامية تطرأ في هذه البلاد من حين إلى حين.
كما تم تشكيل لجنة للإشراف على أمور الهلال والتوقيتات في نيوزيلندا، ومن مسؤولية هذه اللجنة أنها تقوم بإقرار تقويم إسلامي لنيوزيلندا، وإخراج جدول مواقيت الصلاة وإمساكية رمضان لمدن مختلفة في نيوزيلندا.
* ما مدى استعداد المجتمع النيوزيلندي لتقبل انضمام المسلمين في مجالسه البلدية كمواطنين يسهمون في حل المشكلات الاجتماعية التي يتعرض لها أبناء جلدتهم من المقيمين والمهاجرين؟
- أعتقد أن ذلك يعتمد بالدرجة الأساسية على جهود الجالية المسلمة نفسها ومدى قدرتها للوصول إلى المسؤولين في الحكومة لإيصال صوت الجالية المسلمة ويوجد هناك الآن ممثل عن الجالية المسلمة في البرلمان النيوزيلندي.
* هل يشكل الحفاظ على هوية أبناء المسلمين هاجساً وتحدياً للمسلمين هناك؟
- حقيقة إن هذه المهمة صعبة وشديدة الحساسية، وهي حقاً تمثل تحدياً للمسلمين في البلدان الغربية التي يعيشون فيها.. ولا أعتقد أن هناك خطراً كبيراً على المسلمين البالغين من الرجال والنساء فيما يتعلق بالتمسك بهويتهم، ولكن المشكلة الكبيرة هي الناشئة الذين هم في سن الخامسة وحتى سن الشباب والمراهقة، حيث تواجه هذه الشريحة المسلمة خطر التذويب في المجتمع الغربي واكتساب عاداتهم وسلوكهم، فهؤلاء يقضون معظم وقتهم في المدارس الحكومية ويحتكون مع زملائهم من أبناء الغرب ويتلقون التعليم الغربي المبني على العادات والتقاليد الغربية البعيدة عن المجتمع المسلم.
وهذا يؤثر تأثيراً مباشراً وخطراً على هويتهم الإسلامية، فاللغة الأم لهؤلاء الشباب تبدأ بالذوبان والاختفاء وتحل محلها لغة البلد الذي يعيشون فيه، ثم تبدأ باقي التقاليد والعادات تأخذ طريقها إلى هؤلاء الناشئة، وهنا لا بد أن نقول إن تأثير دور الأسرة ضعيف في الحفاظ على الهوية الإسلامية لهؤلاء الأطفال.
* ماذا ينقص الجالية المسلمة والجيل المسلم الذي ولد وترعرع في نيوزيلندا؟
- رغم أن المجتمع أو الجالية المسلمة في نيوزيلندا صغير مقارنة بباقي الدول الغربية إلا أنه لا بد من الاهتمام بهذه الجالية والعمل على الحفاظ على الجيل الفتي فيها من الانحراف والذوبان في المجتمع الغربي، وذلك عن طريق خطة أو دراسة متكاملة يقوم بها المشرفون على شؤون المسلمين في هذا البلد، وذلك بإقامة المدارس ورياض الأطفال المتخصصة والتي تكون مخولة من قبل وزارة التربية النيوزيلندية، بإضافة بعض المواد التي تخص التربية الإسلامية، بالإضافة إلى باقي المناهج التي تدرس في المدارس العادية، فهذه المدارس ورياض الأطفال تعتبر حجر الزاوية للحفاظ على الهوية الإسلامية لهؤلاء الأطفال، ولاشك أن المجتمع المسلم في نيوزيلندا هو صورة مصغرة للمجتمع المسلم الكبير بما فيه من إيجابيات وسلبيات، وكأي أقلية اجتماعية يحتاج المجتمع المسلم في نيوزيلندا إلى ما يعينه في الحفاظ على هويته الإسلامية الصحيحة ولكن بالشكل الذي لا يفصله عن المجتمع المحلي مما قد يلغي تأثيره الإيجابي ولا يمكنه من التعايش معه، وربما تحدث العزلة والانكماش والإحساس بالغربة الأزلية والتي قد تؤثر سلباً على مستقبلهم ومستقبل أبنائهم من الجيل القادم.
هذه الحقائق تعكس أهمية وحساسية الدور المطلوب من الجمعيات المحلية والتي تحاول ولاشك القيام بما هو متوقع منها مع قلة الإمكانيات المادية وقلة المصادر الفكرية والثقافية.
* إلى أي مدى تأثر المسلمون في نيوزيلندا بتداعيات أحداث 11 سبتمبر الماضي وما بعدها، وهل تضررت علاقة المسلمين بغيرهم بعد هذه الأحداث؟
- نعم، وبكل تأكيد، حيث إن ما يسمع ويشاهد ويقرأ يومياً له تأثير ليس فقط على الكبار وإنما حتى على الأطفال أيضاً.
وهذا يؤثر تأثيراً سلبياً على الأطفال بشكل خاص ويجعلهم ينفروا من دينهم ومعتقداتهم.
أما عن العلاقة بين المسلمين وغيرهم من غير المسلمين، فلم نشاهد تأثيراً أو تغييراً في هذه العلاقة إلا بعض الحوادث البسيطة وهي غير مؤثرة، والتي رافقت وقوع أحداث 11 سبتمبر، ومعظم تلك الحوادث ناتجة بالأساس عن الفهم المغلوط عن الإسلام والمسلمين.
ومع أن الإنسان النيوزيلندي يرتبط ثقافياً ونفسياً مع الثقافة الغربية وبشكل كبير إلاّ أنه أوجد أيضاً مفهوماً خاصاً به للكثير من الأمور، خاصة في مسائل العنف والاعتداء على الغير، وقد عكست مواقفهم الأخيرة هذه المفاهيم بشكل واضح.. ولعله من المفيد للإنسانية جميعاً وللإنسان المسلم خاصة أن يستفيد من هذا الجو الإيجابي في نيوزيلندا، وذلك بعرض المفاهيم الإسلامية الإنسانية والشارحة لعلاقة المجتمعات شرحاً وافياً وإنسانياً فالأصل في هذه العلاقة قوله تعالى: {وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا}، وأن العنف لا مكان له في الثقافة الإسلامية حيث (لا إكراه في الدين).
* هناك نظرة تشاؤمية ترى ضرورة المواجهة بين الإسلام والغرب وفق ما يعرف بصراع الحضارات، بينما تظهر رؤية فكرية أخرى متفائلة تؤمن بإمكانية الحوار والتعاون على القواسم المشتركة، فأي الفكرتين تؤيد، وعلى أي أساس؟
- إنني أعتقد بأنه لا بد أن يكون هناك حوار بين الإسلام والغرب في القواسم المشتركة التي لا تتعارض مع ديننا الحنيف، فالقرآن العظيم يقول: {ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} وهذا خير وسيلة لتبادل الآراء واحترام الرأي الآخر خصوصاً نحن نعيش في هذه المجتمعات التي تؤمن بالحريات وخصوصاً حرية الدين والمعتقد. ولكنه لا بد أن تكون هناك رؤية للحد الفاصل للحوار حيث قال تعالى: {فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ وَقُلْ آمَنتُ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِن كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لَا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ} فليس معنى عدم قبول طرف معين لنتيجة الحوار هو الاعتداء عليه فالله تعالى هو من يملك الهداية وهي ليست معطاة للإنسان إنما دوره: {فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاَغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ}، والله هو الهادي: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاء}، وأخيراً فالفصل أمام الله: {اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ}، وهذه هي سنن الله في الكون ومن الضروري أن يتمكن من فهمها الإنسان المسلم عموماً والمقيم في الغرب خصوصاً وأن يلتزم بها، فهي إرشادات ربانية من الله سبحانه وتعالى للإنسان، والمسلم أولى بالالتزام من غيره.
* كيف ترون استفادة المؤسسات الإسلامية في الغرب من وسائل الإعلام في تصحيح الصور المغلوطة عن الإسلام والمسلمين في بلدان الأقليات خصوصاً؟
- حسب اطلاعي أرى أن دور المؤسسات الإسلامية وما تقوم به عبر وسائل الإعلام الحديثة ضعيف ولا يوازي دور الإعلام الغربي.
ولعل الدليل على ذلك هو سيطرة الإعلام الغربي على توجيه الأحداث واستخدام أي حدث بسيط لتشويه صورة الإسلام والمسلمين، بالوقت الذي لا يوجد ما يقابل ذلك من دور المؤسسات الإسلامية في الرد على تلك الادعاءات عبر وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة.
وبالرغم مما ذكر فإن هناك بعض المواقع على الإنترنت مخصصة في نشر الإسلام وشرحه بعدة لغات وهي تلعب دوراً جيداً في إبراز صورة الإسلام الحقيقي الحنيف، وفي نفس الوقت توجد هناك مواقع محسوبة على الإسلام وتبث سمومها ضد الدين الحنيف وباسم الإسلام، فيجب توعية الجاليات المسلمة من هذه المواقع الهدامة.
* يحلو للبعض وصف الحوار مع الغرب بأنه مجابهة بين خصمين، فهل ثمة خطوط حمراء يجب أن يلتزم بها المحاور المسلم ولا يتخطاها في هذا الحوار؟
- لا أعتقد أن الحوار مجابهة بين خصمين، إذ إن ديننا الحنيف دين تسامح ودين علم، ويؤمن بحق الطرف الآخر بالرأي والنقاش البناء.
وتكمن المشكلة في أن ما يعرض من أفكار وآراء من الطرف الآخر ليست لها أدلة تسندها وبالتالي يحصل الخلاف. ولكن لا بد من القول إن الحوار يجب أن ينصب على الجوانب التي يلتقي فيها الإسلام مع الغرب لخدمة المجتمعين الإسلامي والغربي، ولذلك فإن القادة الحقيقيين للأمم هم العلماء والمفكرون وهم الذين يصيغون الفكر الذي يشكل العمل المشاهد في أرض الواقع، وهذه الحقيقة قد تغيب عن البعض من الذين تخدعهم ظواهر الأمور، لذلك كان وما زال دور العلماء هو الأهم في تحديد مصير الشعوب وتفاعلها مع بعضها البعض، وحين تزيد الضغوط وتنتشر الفتن وتكثر الحملات العدائية ضد الإنسانية نرى الأعناق تمتد لتبحث عن المرشد والدليل من أهل العلم والفكر، وما ذلك إلا لأننا معشر البشر نعرف بأن لدى هؤلاء المفكرين مناعة ذاتية، في شكل علم ومعرفة، تحميهم من التخبط والضياع، الأمر الذي قد يتعرض له الإنسان البسيط، وتزيد الحاجة للفكر المتزن في عواطفه حين تزيد الضغوط والحملات مثل ما هو واقع هذه الأيام على الإنسان المسلم.
ومن ذلك وجوب التخصيص (وتجنب التعميم) عند الحديث عن حال الإنسان المسلم في الغرب، لأن الأحوال حوله تتغير بتغير المكان والزمان والمجتمع الذي يحيط به.
|