لايخفى على أحد أهمية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في حفظ الأعراض والأموال ودورها الكبير في إقامة الحق والعدل، وما نالت أمة النبي صلى الله عليه وسلم الخيرية إلا بهذه الشعيرة، يقول تعالى: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ} (110) سورة آل عمران، وقد ربط الله الفلاح في الدنيا بهذا الواجب يقول تعالى: {وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (104) سورة آل عمران.
ولما كان هذا الأمر بهذه الأهمية أولت الحكومة السعودية عناية خاصة بهذا الركن وأنشأت هيئة أسمتها (هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) وكان لهذه الهيئة القدح المعلي في الحفاظ على القيم الأخلاقية والدينية في المجتمع وأصبحت حركة المجتمع مرتبطة بقيم الإسلام. فالمرأة لا تخرج من بيتها إلا وهي محتشمة صوناً للعفة ومنعاً للفتنة، وعند إقامة الصلوات تقفل أبواب الأسواق والشركات إكراماً لهذه الشعيرة، وللهيئة دور كبير في القضاء على أوكار الجريمة المنظمة لا سيما مكافحة المخدرات والمسكرات مما يساهم على الحفاظ على أمن الوطن وهذا الأمن تفتقده الشعوب الأخرى.
وفي الآونة الأخيرة ظهرت بعض الأصوات النشاز التي تهاجم الهيئة وتختلق حولها القصص والحكايات المنفرة بقصد الإساءة إليها، وهذه الإساءة القصد منها تحجيم دورها حتى يجد المفسدون متنفساً لتفريخ أفكارهم المضللة لإشاعة الفساد ولكن نحمد الله أن ولاة الأمر في هذه البلاد انتبهوا لتلك المخططات فجاء خطاب الأمير نايف قوياً في مؤتمره الصحفي في 18 مايو 2003 عندما صرح بأن الهيئة باقية ما بقي هذا الوطن وأنها ركن أساسي في حكم الدولة الإسلامية، وحقيقة لا ينكر فضل الهيئة إلا إنسان في نفسه شيء من الإسلام وأخشى أن تكون هذه الهجمة وراءها أيدٍ خبيثة تريد النيل من المجتمع السعودي المحافظ وإلا بماذا نفسر هذا الهجوم غير المبرر على رجال الهيئة؟ ألا يخاف أولئك أن يصيبنا ما أصاب الأمم السابقة بتركهم لهذا الواجب؟ يقول تعالى: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ (78) كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ} (79) سورة المائدة.إن ما قدمته الهيئة من الخير لهذا المجتمع لا تخطئه عين ولا ينكره إلا جاحد. فكم من غافل أيقظوه، وكم من عابث لاهٍ أرشدوه، وكم من فتاة أنقذوها، وكم من غارق في مستنقع المعاصي انتشلوه.
فهم بلا شك يمثلون خط الدفاع الأول في حماية الإسلام مجتمعاته من الضياع والانحدار نحو الهاوية، فهم الذين تقع عليهم مسؤولية إصلاح ذات البين بين الأسر وحمايتهم من المخدرات والخمور من خلال التوعية وتتبع المروجين والإبلاغ عنهم، فقد وجدنا المجتمعات التي لا تتمتع بمثل هذه الهيئات عرضة للجريمة والخلل الأمني، ونحن لا ندعي لهم العصمة فهم بشر قد يخطئون كما يخطئ البشر وهذه الأخطاء ينبغي ألا تنسينا المحاسن الكثيرة والقيم العظيمة التي أشاعوها في المجتمعات، فسيئة في بحر من الحسنات لا تضر. والذين يحاولون النيل منهم إنما يصطدمون بصخرة قوية يشع منها الخير وتنكسر عندها بؤر الفساد، فهي شامخة شموخ الراسيات لا يضرها من خالفها أو خذلها. والذين يختلقون القصص التي تسيء لسمعتهم والتندر من مظهرهم والتفكه بهم في المجالس قد يوقع صاحبه في المهالك، كما قال تعالى في أولئك النفر الذين قالوا عن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم على سبيل التندر: ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء أرغب بطونا ولا أكذب ألسنا ولا أجبن عند اللقاء، فنزل في شأنهم: {قُلْ أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِؤُونَ (65) لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} (66) سورة التوبة، ولهذا فلنكن مفاتيح للخير مغاليق للشر ولا نتقول على الأخيار من عباد الله فنقع تحت قول الله تعالى: {وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً} (36) سورة الإسراء.
( * ) كاتب سوداني مقيم بالسعودية
|