من أنفع سبل الاستشفاء الرقية بالقرآن الكريم التي أرشد إليها النبي- صلى الله عليه وسلم- ورخص بها بقوله (أعرضوا علي رقاكم لا بأس بالرقى ما لم تكن شركاً)، والنبي- صلى الله عليه وسلم- قد رقى ورقى، وقال للذي رقى اللديغ بالفاتحة، وأخذ عليها جعلا (كلوا واضربوا لي معكم فيها بسهم)، والرقية الشرعية لها أهمية بالغة في رفع البلاء ودفعه - بإذن الله - ومن مزاياها أنها تقوي صلة الإنسان بخالقه وتشعره بفقره إليه، وتقوي فيه جانب التوكل، كما أنه لا يوجد فيها أعراض جانبية غير مرغوبة، كما في غيرها من الطرق العلاجية الأخرى.
ولقد انتشرت في الآونة الأخيرة ظاهرة العلاج بالقرآن الكريم انتشاراً متزايداً وهذا أمر محمود في حد ذاته غير أننا صرنا نسمع عن عيادات للعلاج بالقرآن الكريم، يقوم بها كل من هب ودب من الذكور والإناث، من الكبار والصغار، أو من الذين لم يعرف عنهم تحصيل علمي شرعي، أو بلاء حسن في مضمار الدعوة.
نعم مع ضعف الوازع الديني وقلة العلم الشرعي لدى بعض الناس وانتشار بعض الأمراض التي استعصت على الطب ووجود بعض جوانب القصور في الخدمات العلاجية المقدمة للمرضى ازدادت حاجة الناس اليوم إلى الرقية الشرعية من الغير، فارتفع عدد الرقاة، واختلط الحابل بالنابل، وكثر الغث على السمين، حتى أساء البعض للرقاة الموثوق بهم، بل قبل ذلك والأهم للإساءة للدين الإسلامي الحنيف في خصوص هذا الموضوع في التشكيك بالقرآن الكريم - والعياذ بالله - والتشكيك بالثقات من الرقاة.
إن الطامة الكبرى تزايد مدعي الخبرة والعلاج بشتى الأنواع بمختلف السبل والطرائق، بل وانتهاج فنون الحيل والخديعة على العوام والبسطاء من الضعفاء والمساكين، مما جعلهم يحققون مكاسب مالية من تلك التجارة التي أصبحت لدى البعض منهم (حرفة) تفرغ لها، وصاحب ذلك ظهور رقى بدعية وشركية، حتى كتاب الله الكريم صنفوه وجعلوا منه قراءة عادية بسعر كذا!!، وقراءة ممتازة سعرها كذا!!.
وقد استرعى انتباهي ما قرأته في مجلة (اليمامة) مؤخراً لقاء مع الأخ الشيخ تركي الزيد، أحد المعالجين بالرقية، كما تذكر (اليمامة).. وهو لقاء طيب لكن لي بعض الوقفات على بعض ما جاء في هذا الحوار، بعد أن استرشدت ببعض المعلومات من ذوي الاختصاص من أصحاب الفضيلة المشايخ الرقاة، هذا من غير نقصان بالأخ الزيد الذي أكن له كل الاحترام والتقدير، وآمل أن يفتح صدره، وقلبه لتلك الملحوظات، ومن ذلك أنه قال من الشروط الواجب توافرها في الراقي إخلاص النية لله جل وعلا، فلا يريد بذلك شهرة أو مالاً أو مدحاً من الناس.
فإن كان قصد الأخ تركي أنه لا ينبغي للراقي أن يقوم بالرقية بدافع الحصول على المال أو المدح فقط فهذا حق.
لكن ينبغي أن يعلم أنه يمكن للراقي أن يكون مخلصاً النية لله، ويأخذ مقابلاً مادياً عن رقيته، ولا تعارض بين الأمرين، وقد أقر النبي- صلى الله عليه وسلم- من أخذ غنماً مقابل رقية اللديغ، وفي سؤال عما يحدث للمريض عند الرقاة وهل يتعرض لتنويم مغناطيسي، فأجاب قائلاً: لا نقدر أن نقول: إنه تنويم مغناطيسي.
والحقيقة كان عليه أن يقول: إن ما يحصل لهم ليس تنويماً مغناطيسياً وهو بعيد كل البعد عن ذلك، والتنويم المغناطيسي شيء مختلف تماماً له قواعد وأصول وطرائق لا نعلم أن أحداً من الرقاة يعرفها أو تعلمها أو ادعاها.
وعند سؤاله عن شعوره وهو يرى هذا القط أجاب بما فيه تزكية للنفس والأولى أن يبتعد الإنسان عن ذلك، وأن يبين ما يشعر بورعه واعتماده على ربه لا على نفسه الضعيفة.
وحول العلاج بالتين خلال أربعين يوماً.
السؤال: لماذا أربعين يوماً بالذات؟ هل السر في التين أم في الأربعين؟ هل أجريت دراسة علمية تبين له أن طبيعة الأجسام لا تنفع بالتين إلا خلال أربعين يوماً؟! المشكلة أن قصة الأربعين يوماً أصبحت رسماً عند كثير من الراقين والمعالجين بالطب الشعبي.
كما تحدث عن علامات السحر، فذكر منها استفراغ المريض خيوطاً أو شعراً أو دوداً، وصفرة الوجه ونحول الجسم.. وهذا ليس كافياً في أن يحكم عليه بالإصابة بالسحر، فقد يكون لذلك أسباب أخرى تخفى على الراقي مما يوجب عليه التورع عن عزو ذلك إلى السحر أو غيره، والمهم في الرقية أن يشفى المريض لا أن يشخص ويحث على الأسباب التي مبناها على الظن والتخمين.
والاندفاع وراء معرفة الأسباب أوقع كثيراً من الرقاة في خزعبلات وأحكام جائرة على مرضى ليس بهم سحر ولا مس، وهذا الأسلوب في الرقية ينشر في الناس ثقافة غير صحيحة ولا فائدة منها بل أضرارها كثيرة جداً.
كما تكلم عن معرفة الساحر فبين أن من بين ما يثبت به الاتهام بعمل السحر القرائن، وأنها أخبار الجن، وأقول: إن هذا مزلق خطير فكثير مما يحدث عند الرقاة من صياح وكلام على ألسنة المرضى ليس كلام (جن) بشهادة الرقاة الثقات، وإنما هو من الأوهام والأمراض النفسية، وقوة الإيحاء، وأحيانا التمثيل فكيف أجعل مثل هذا الكلام الذي لا تصح نسبته أصلاً إلى الجن قرينة على أن فلانا أو فلانة هو الساحر، كم تقطعت بسبب ذلك صلات، وحدثت مشاكل وتصرمت علاقات؟ نرجو من المتعاطين للرقية أن يكفوا عن التشخيص ويكتفوا بالرقية والدعاء وحسن التوجيه.
كما ذكر أن من الشروط التي يجب توافرها في الراقي ستر أحوال المرضى وعدم إفشاء أسرارهم للغير.. وهذا كلام جميل لكن الشيخ الزيد أول من خرقه بتصويره مريضاً يقوم هو برقيته في وضع غير مقبول، ولا فائدة منه للقراء، ألا يعتبر هذا فضحاً للمريض حتى لو سمح هذا المريض بتصويره ما كان للراقي الزيد أن يقبل بذلك.
وبعد فأتمنى صادقاً أن يحرص الإخوة الرقاة - وفقهم الله - على البعد بالرقية عن كل ما يخل بها أو ينير لبساً أو بلبلة حولها أو حول الراقي نفسه، وأن يتورعوا عن الاندفاع المحموم نحو الإعلام، وأن يستشيروا العلماء الراسخين وطلاب العلم الكبار في كل صغيرة وكبيرة تتعلق بالرقية، وقد أعجبني خبر عن أحد الرقاة قام باستشارة خبير بها وبأحوالها عارضاً عليه بعض ما يمر عليه وما يقوم به، وقد استفاد فائدة عظيمة بهذه الاستشارة حيث تبين له أنه كان يقع في بعض جوانب الخطأ قبل ذلك. وأرجو من الأخ تركي الزيد قبول هذه الملحوظات عسى أن يكون فيها ما يفيد وينفع والله الموفق.
|