اختتمت الثلاثاء الماضي 7-8-1425هـ أعمال المؤتمر الوطني الثاني للسلامة المرورية الذي شاركت فيه إضافة إلى الإدارة العامة للمرور جهات حكومية ذات علاقة بالشأن المروري كمدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية إضافة إلى عدد من المختصين والمهتمين بقضية السلامة المرورية.
لقد تمخض عن المؤتمر العديد من التوصيات المهمة بداية من فرض النظام المروري بحزم، والبدء في اتخاذ الإجراءات الإدارية والمالية لرصد وتسجيل المخالفات المرورية، وضرورة تحسين بيئة التأمين، وإلزام مرتكبي المخالفات المرورية والخطرة ببرنامج تدريبي إجباري لدى مدارس القيادة، كما أوصى المؤتمر بإدخال التقنيات الحديثة لضبط المخالفات المرورية، كما تضمنت التوصيات أيضاً ضرورة تبني دليل موحد للوحات الإرشادية بالطرق وتشديد الفحص الطبي على طالبي الرخص، فضلاً عن التوصية بإصدار دراسة علمية لمعرفة آثار الحملات المرورية.
لقد تناول مؤتمر السلامة المرورية الكثير من الجوانب وطرح فيه العديد من أوراق العمل بدءاً من الخصائص النفسية لمرتكبي المخالفات المرورية، والحالة الصحية لقائد المركبة، وعلاقة المخالفات المرورية بإصابات الحوادث، وقيادة صغار السن وتأثيرها على المخالفات المرورية، وانتهاء بالحملة الوطنية الشاملة للتوعية المرورية في الحد من المخالفات المرورية.
وبعد اطلاعي على نتائج هذا المؤتمر المهم برزت لدي العديد من التساؤلات..
أين أساتذة الجامعات المتخصصين في الهندسة في هذا المؤتمر المهم.. أين توصياتهم ودراساتهم من خلال التوصيات التي ظهر بها المؤتمر لم تخرج توصية واحدة تتحدث عن التخطيط والتنظيم للشوارع بما يتناسب مع المواصفات العالمية والدولية.
لا أدري لماذا ما زال المسؤولون في الإدارة العامة للمرور يقفون دور المتفرج أمام الكثير من المخالفات الهندسية لشوارعنا؟
أي مواطن أو قائد سيارة - ولنأخذ على سبيل المثال مدينة الرياض - يضع السائق يده على قلبه، وهو يقود سيارته بسبب عدم تنظيم الطرق والشوارع التنظيم المطلوب، فمسارات الخدمة يسير فيها قائد السيارة بسرعة فائقة بسبب مساحتها الواسعة ويتفاجأ بخروج قائد سيارة أخرى من داخل الحي فيحدث الاصطدام!
طرق الخدمة لدينا لم يتم تصميمها بالطريقة العلمية السليمة في مراعاة القواعد الهندسية، ومن يسير في بعض الطرق مثل طريق الأمير عبدالله بن عبدالعزيز في شمال الرياض يرى الإشارات الدائرية الزرقاء التي وضعها المرور للدخول والخروج من وإلى طريق الخدمة، بطريقة لا تتفق مع القواعد المرورية فمثلاً الإشارة تشير بسهمين إلى الأسفل أحدهما بإمكانية الدخول من الطريق الرئيس إلى الخدمة والآخر يشير إلى إمكانية الخروج من طريق الخدمة إلى الطريق الرئيس رغم أن خروج السائق من طريق الخدمة قد يسبب حادثاً مرورياً، لأن مساحة الرصيف لا تسمح له بالخروج بشكل سهل نظراً لتصميم الرصيف للدخول فقط!
كنت أتمنى من المسؤولين في الإدارة العامة للمرور زيارة مدينة دبي - ولا أقول إحدى الدول البعيدة - وأن يقوم كل شخص باستئجار سيارة والسير بها في شوارع المدينة، وسيرى الفرق بين شوارع الرياض وشوارع دبي في التنظيم المروري.
فقائد السيارة عندما يخالف قواعد المرور هناك لا يستطيع الخروج من دولة الإمارات إذا لم يسدد المخالفة التي التقطتها كاميرات المرور، أو حتى رجل المرور في المطار!!
وشوارع الخدمة هناك للمحلات التجارية فقط، ولا يدخل أي شخص لطريق الخدمة إلا بحاجة إلى محل أو مقر سكن، أما لدينا فإن طريق الخدمة مساحة مناسبة لبعض قائدي السيارات في تجاوز السرعة المقررة والدخول والخروج من طريق الخدمة بشكل يعرض حياة الآخرين للخطر.. لن أكون مبالغاً إذا قلت إن غالبية شوارعنا لا يوجد بها فكرة أو تصميم مروري يجعلك تسير في الطريق، وأنت مرتاح بل تدخل الشارع أو الطريق، وأنت في عراك مع السيارات.. هذا إضافة إلى أن رجل المرور كثيراً ما نشاهده يغلق بسيارته طريق الخدمة لمنع السيارات من الدخول من وإلى طريق الخدمة معللا ذلك بازدحام الطريق!
في مدينة دبي التي ليست بعيدة عنا هناك طرق واشارات مرورية للمشاة وهناك تنظيم دقيق في الاستدارة إلى الخلف حيث تفاجأ بأن بإمكانك الاستدارة إلى الخلف مع فتحة الرصيف، وعندما تتعدى هذه الفتحة للفتحة الأخرى التي تليها لا تستطيع الاستدارة إلى الخلف، حيث يمنع ذلك، ويعطى الأحقية لقائد السيارة المقابل، كما أن فتحات الرصيف للاستدارة للخلف جاءت مصممة بشكل علمي مدروس تحمي قائد السيارة من السيارات التي تسير خلفه!
في دول عديدة ولا أقول بعيدة عنا وإنما دول الخليج المجاورة لنا ترى أن السائق عندما يرغب الدخول إلى حي معين أو منطقة معينة لا يستطيع إلا من مدخل واحد أو اثنين فقط، أما لدينا فللحي عشرات المداخل والمخارج، وهذا لا يسهم في النواحي الأمنية لكون الأحياء والمناطق المغلقة أكثر مناسبة لرجال الأمن، فلماذا لا يتم إعادة تخطيط الشوارع ومداخل الأحياء بشكل علمي مدروس.
أتمنى من أحد المسؤولين في المرور أن يسير بسرعة تتجاوز 120 كم في الساعة في طريق الأميرعبدالله بن عبدالعزيز ويدخل مباشرة إلى طريق الخدمة سيتفاجأ بأن الأمر في غاية السهولة.. إن شوارعنا للأسف تساعد على الحوادث المرورية بسبب عدم مناسبة تصميمها، ولا أدري أين أساتذة كلية الهندسة والمختصين في هذا المجال، أين توصياتهم في المؤتمر الوطني الثاني للسلامة المرورية؟
اتخاذ القرارات في الإدارة العامة للمرور يتم وفق خطوات بيروقراطية طويلة ترتبط بالضبط والربط والاهتمام بجوانب شكلية ترتبط بتشديد المخالفات دون التركيز على تطوير وسائل السلامة الذي أهم شيء منها (الطريق).
أنا لا أتحدث عن خيالات أو طلاسم، ولا أبالغ إذا قلت: إن شوارعنا بلا (هوية) فليس لها تصاميم تستطيع أن تتعامل معها ومن خلالها تستمتع بالقيادة، فهي شوارع واسعة وجميلة، ولكنها خالية وفارغة من أي فكرة مرورية!!
بمعنى أنك تسير في الشارع وتقود سيارتك، ولا تشعر بأنك تمارس عملية تنظيمية دقيقة تسير فيها أرتال السيارات بشكل متناغم، ولو خالف أي قائد سيارة هذا التناغم لافتضح أمره بين جميع من يسيرون في الشارع، وبقي نشازاً مما يجعله يشعر بالحرج هذا إذا لم يحصل على مخالفة مرورية من الكاميرا المثبتة في الشارع أو من رجل المرور!!
لا أبالغ إذا قلت: إن شوارعنا تساهم في تفاقم مشكلة المرور وتساعد في زيادة الحوادث المرورية وتضيف أعباء إضافية على رجال المرور الذين نراهم في أغلب الشوارع ولكنهم - أعانهم الله - يعانون من المخالفات المرورية والحوادث والاختناقات المرورية بسبب تصميم الشوارع والطرق التي لم تصمم هندسياً بالشكل العلمي المطلوب!!
لقد أظهرت لنا توصيات أعمال المؤتمر الوطني الثاني للسلامة المرورية، وسيعقد المؤتمر الثالث بعد ثلاث سنوات، وسنرى - إن أعطانا الله عمرا - أنا وأنتم ماذا نفذ من التوصيات المطروحة!
|