كنت قد كتبت مقالة في العام الفائت عنوانها (الخيام البيض في رمضان) وتحدثت عن الذين يبنون خياماً بيضاء لما يسمونه (إفطار صائم) وهو إرث اجتماعي كان له دور مهم في حياتنا أيام أن كان المسافرون على أقدامهم يمرون بالقرى فكان صاحب النخل يوقف نخلة أو اثنتين، أو يوقف مالاً لإفطار الصوام والقوام في رمضان بالمسجد، وكان لذلك ما يبرره، لأن الحالة المادية أيامها تستوجب ذلك، أما الآن فإن المسافر لا يفطر في المسجد، فأصبحت تلك الخيام لمن هم ليسوا في حاجة لها، أو لنقل غير مستحقين، لأنهم يكسبون أكثر من أهل البلد نفسه، وهنا التناقض في الممارسة والفكر معاً.
ولكننا اليوم نجد كثيراً من البيوتات وقد صارت الخيمة البيضاء تشمخ عند سور البيت، وتجد أن أصحاب الليموزين قد أغلقوا الشوارع وهم يفطرون في تلك الخيمة فيغادر أغلبهم بعد اللقمة التي يأكلها، أو يتناول سيجارته المفضلة بعد الفطور ثم يفرك بقيتها على سماط الفطور ويقوم بلا رجعة!
وفي رمضان نجد متناقضات كثيرة لا نراها إلا عندنا والحمد لله!! فتجد بعض البيوت وقد تجمهر حولها خلق كثير من مختلف الفئات والمستويات، فهذا يرتدي عباءة مزركشة ويركب سيارة قيمتها مائة ألف ريال، وتلك السيدة تسمع للحلي وسواساً في معصمها وقد جاءت، وكل هؤلاء يبحثون عن صدقة يقدمها الموكل بها نيابة عن صاحب البيت الكبير جداً، وهنا أتساءل بحزن وألم وأقول:
هل كل الذين نراهم أمام البيوت في رمضان مستحقون؟
هل هناك من يرضى بمعاملة الموكل إليهم التوزيع بهذا الشكل؟
هل جفت مصارف الزكاة أو الصدقات ولم يعد هناك مستحق لها إلا الباحثون عنها من هؤلاء؟
هل يرضي الذوق والضمير ما يقوم به أولئك الموزعون من معاملتهم للنساء ذوات الخلاخل والذهب والماكياج الجميل من إهانة، أو أيضاً للرجال الذين يدفعونهم كالأغنام عن حوض الماء؟
الأجوبة مزعجة وبها كثير من الفاجعة الفكرية والأخلاقية أيضاً.
فهناك كثيرون من أبناء هذا البلد من المستحقين الذين أعرفهم كثيراً، وهم لا يسألون الناس ويحافظون على دماء وجوههم، ومع ذلك لا نصيب لهم.
وهل أصحاب الزكوات أو الصدقات أو سمها ما شئت لم ينتبهوا للفقر والفقراء إلا في رمضان؟ أم أن فلاناً يرى أن عند باب فلان مئات الواقفين والواقفات بكل ذل، فيريد أن يكون مثله ويقال عنه: عند بيته محتاجون جزاه الله خيراً؟
غريب أمر تجارنا الذين كأنهم ليسوا من المجتمع ولا يعرفون المستحقين حقاً!
وأغرب منهم أولئك الصنف من الممتهنين التسول على سيارات فارهة وعباءات غالية الثمن، وهم يهرقون دماء وجوههم أمام الله والخلق!!
أعرف جيداً أن العادة من الصعب التحول عنها، وحتى لو أراد أصحاب الثراء أن يتحولوا فإن الخناسين لديهم من المستفيدين لن يساعدوهم على التغير والبحث عن المستحقين حقاً.
فاحذروا يا أولي الألباب من هذا التصرف الفج، وهو تصرف له خفايا لا يعرفها إلا من عايشهم، وارتفعوا عن السذاجة في الفكر والممارسة، وابحثوا بصدق عن الفقراء المتعففين الصالحين من أيتام وأرامل وآباء يخنق الحياء تصرفاتهم فيجوعون ولا يقفون أمام الأبواب المذهبة.. يا عون الله.
فاكس 2372911
|