السلام عليك يا من وقفت على حافة (السفينة المخروقة - المقبلة على الغرق) تستعيد - في لمحة - خطوات الرحلة العربية وما اكتنفها من متناقضات وما أصابها من عثرات جعلت أمة العرب أضحوكة الدنيا في هذا العصر، وعرتهم من تاريخهم الذي طالما تغنوا به، تلك العثرات التي أصابتهم في الصميم، ونشرت (ضباباً) كثيفاً على مستقبلهم فلم يعد كثير منهم يرى إلا تلك المتاهات التي سلكها (الهندي الأحمر) في الدنيا الجديدة.
أكتب اليك أيها الأخ بعد أن تسلّمت رسالتك (الغارقون في اليأس) وعلى الرغم من أنني - ولا فخر - لست من الغارقين في اليأس) فقد قرأت رسالتك فوجدت أنها منطقية وصادقة على قصرها، وأقول على قصرها لأن الموضوع الذي طرقته - كما تعلم - يحتاج إلى صفحات عديدة لكي يوفيه قلمك حقه، ولكنك مع ذلك لمست الجوانب المهمة في الأمر، ورفضت بشدة العبارة القائلة (مفيش فايدة) وإنك لعلى حق في هذا الرفض لأنها لو أصبحت هذه العبارة مقبولة لدى أمة العرب جميعهم لكان معنى ذلك انتحار أمة بأكملها دونما داع لهذا الانتحار، ويا ليته انتحار (على الطريقة اليابانية) ولكنه انتحار على طريقة (رواد الروشة).
وإنه لشيء يسر النفس ويبقي الأمل قوياً أن نسمع بين فينة وأخرى أصواتاً ترتفع لتقول: (لا) لأولئك الذين يقولون: (مفيش فايدة).
والعجيب في الأمر - أيها الأخ - أننا نقرأ التاريخ الإسلامي ونمر بسيرة محمد صلى الله عليه وسلم (مر الكرام)، لا ننتفع من هذه السييرة، ولا نأخذ من دلالاتها إلا ما يساعد على قتل الوقت والتسلية ثم بعد ذلك نهز رؤوسنا متعجبين من جرأة الرسول وأصحابه القلة في بداية أمرهم ثم ننسى أو نتناسى أن الرسول خرج من مكة هو وصاحبه أبو بكر وجحافل المشركين بحقدهم وتعطشهم إلى الدماء تتبعهما في كل مكان مما جعل الخوف يتسلَّل إلى قلب أبي بكر فيلتفت إليه الرسول ليقول له: (لا تخف إن الله معنا).
هذا مثال أيها الأخ وأنت تعرفه وتعرف الكثير من الأمثلة المشابهة ولا أخال أنك (من الغارقين) وإن كنت ما زلت على حافة (السفينة المخروقة) فقد تصلك النجدة، وقد تهدأ العاصفة فتتمكن من الوصول إلى (شاطئ الأمان) سباحةً لتستعد لرحلة جديدة بسفينة أقوى وأكثر قدرة من سابقتها.
ذكَّرتني رسالتك بما ذكره الشيخ حسن بن عبد الله آل الشيخ في كتابه (دورنا في الكفاح) وفي نفس الموضوع، قال:
(.. وقضية فلسطين لم تعد بحاجة إلى هتافات وأقوال.. وليست - في اعتقادي - ورقة رابحة يتداولها الزعماء لكسب شعوبهم إنها أكبر من ذلك وأعظم، إنها بداية النذير لكل بلاد العروبة، ولم يعد سراً ما يطمح إليه قادة اليهود من بسط نفوذهم في كل بلاد العرب وهذا ما كتبه الزعيم اليهودي (بن هيخت) في جريدة (نيو يورك تايمز في شهر أبريل عام 1948م يقول ما معناه: (إنه لا سبيل إلى التفاهم مع العرب إلا بإعداد حملة يهودية تحتل (المدينة) ونفعل كذا وكذا بالضريح النبوي وحينئذ يبادر إلينا العرب أذلاء يرجون التفاهم معنا).
إلى أن يقول المؤلف (فليكن واضحاً أن جولة الإسلام مع أعدائه لا بد واقعة ومن الحمق أن ننتظر من أعدائنا تفهماً واقعياً ودفاعاً عن قضايانا) لذا فإن الذين قالوا: (مفيش فايدة) يقابلهم آخرون يقولون (فيه فوائد).
إذاً فأنت وأنا وكثير من المؤمنين متفقون على أنه يجب (الكف عن التفكير بالأقدام والحناجر..) أو بتعبير آخر (التفكير بأجهزة التفكير التي أودعها الله جماجم، وتأجيل استعمال الأقدام والحناجر إلى يوم الاحتفال بالنصر النهائي.
وأنا لا أعتب عليك في قولك: (نحن محتاجون إلى ميرابو جديد وبلزاك جديد) فأنا لا أعرف شيئاً عن الرجلين - ولكننا أيضا محتاجون إلى خالد بن الوليد (جديد) وعمرو بن العاص (جديد) أو على الأقل نحن محتاجون إلى ذلك الذي اشتهر بهذا البيت:
أنا ابن جلا وطلاَّع الثنايا
متى أضع العمامة تعرفوني.. |
|