تشكِّل الطرق العديدة الخاصة بترشيد استهلاك المياه وتدويرها وإعادة استخدامها تشكِّل مجتمعة صناعة ثورة في كفاءة استخدام المياه، ومن الممكن الحصول على وفورات مائية هائلة في الزراعة والصناعة والمدن نتيجة توافر الأدوات والتقنيات المتقدِّمة، ومع ذلك فإننا نقف حائرون بسبب السياسات والقوانين التي تشجِّع الهدر وسوء الاستخدام بأكثر مما تفعل بالنسبة لكفاءة الاستخدام وترشيد استهلاك المياه.
والكثير من الأزمات المائية التي تظهر على نحو غير متوقَّّع تنبع من الفشل في إعطاء قيمة للمياه تضاهي الحد الأدنى من قيمتها الحقيقية، فتسعير المياه بصورة صحيحة أمر مهم وخاصة في الزراعة لأن مياه الري المهدورة يمكن أن تكون أكبر احتياطي من المياه لم يجر الكشف عنه بعد.
تقول ساندرا بوستيل: إن الدعم المالي في مجال الزراعة هو أكبر حجماً وأكثر انتشاراً في مختلف أنحاء العالم من أي مجال آخر من مجالات استخدام المياه.
وغالباً ما تقوم الحكومات ببناء أنظمة الري وتسهر على صيانتها وتشغيلها، وتنفق على ذلك من الأموال العامة، وبعد ذلك لا يتقاضى شيئاً تقريباً من المزارعين مقابل هذه الخدمات المكلِّفة.
إن الاقتراح القائل بقيام المزارعين في الدول النامية بدفع تكاليف تشغيل عمليات وصيانة مشروعات الري التي تخدمهم في الأقل غالباً ما يواجه اقتراحاً مضاداً يقول إنهم لا يستطيعون تحمل ثمن أعلى، ومع ذلك فإن الذين ينتفعون بالري عادة ما يكسبون أكثر بكثير ممن يزرعون أراضيهم بمياه الأمطار، ولذلك فإن تخفيض الدعم المقدَّم للري من شأنه توفير المال اللازم للاستثمار في إنتاجية الزراعة التي تعتمد على الأمطار والتي تمثِّل الجزء الأكبر من أراضي المحاصيل في العالم وتهيئ العيش لمعظم الفقراء في الريف.
ومع تباطؤ خطوات تطوير المياه ومع عدم التوسع في إيجاد أماكن جديدة للحصول على الموارد المائية منها، فإن الإبقاء بالطلب على المياه لا بد أن يتم عن طريق إعادة توزيع المياه بين المنتفعين الذين يقومون بري أراضيهم أو الصناعات أو المدن والبيئة الطبيعية.
أما إلى أي حد ستصل تجارة المياه في مجال إعادة توزيع إمدادات المياه، فإن هذا سيظل غير واضح. ووفقاً لبعض التقديرات فإن إعادة تخصيص 7% من مياه الزراعة إلى المدن سيكون كافياً لتلبية متطلبات النمو في احتياجات المدن من المياه المتوقعة حتى نهاية العقد الحالي.
وحيثما تفشل الأسعار والتسويق في الأخذ بعين الاعتبار تكاليف استخدام المياه اجتماعياً وبيئياً ومصالح الأجيال القادمة، يصبح إجراء تصحيح إضافي للأوضاع أمراً ضرورياً.
وتعتمد حماية الأنظمة المائية على تنظيم استخدام مساحات الأراضي الحساسة التي تساعد في تنظيم الدورة المائية في البيئة.
إن الكثير من الإجراءات التي تستطيع المساعدة في حماية إمدادات المياه تستطيع كذلك تحسين إنتاج المحاصيل في الأراضي المرتفعة.
إن التخطيط لاستخدام الأراضي داخل المدن يمكن أن يكون على نفس القدر من الأهمية في حماية إمدادات المياه المحلية، والتطوير الذي لا يقوم على التخطيط يمكن أن ينتهي بإغلاق منطقة عبور مياه أمطار رئيسية إلى مصدر مياه شرب رئيس.
وهنا وهناك يجري استخدام التسعير والتسويق والعمل التنظيمي بصروة فعَّالة لتشجيع ترشيد استهلاك المياه ورفع الكفاءة وديمومة الاستخدام إلا أنه لم يحدث في أي مكان أن حشدت كل هذه العناصر مجتمعة لقيام إستراتيجية واحدة تضمن أن يظل استخدام الإنسان للماء ضمن الحدود البيئية وتضمن أن تظل وحدة الأنظمة المائية معلنة بصورة شاملة. والتحدي الذي نواجهه الآن هو أن نكرس أكبر قدر ممكن مما لدينا من إبداع في تعلم العيش في توازن مع الماء.
إذ يستطيع ترشيد استهلاك المياه واستخدامها بكفاءة وتدويرها وإعادة استخدامها إيجاد إمدادات مائية جديدة كبيرة إلى الحد الذي يكفينا في التغلب على الأزمات، ويكفينا لنشتري الوقت اللازم للحد من الاستهلاك والنمو السكاني إلى المستويات المناسبة، وتجنب الدمار البيئي والتدهور الاقتصادي وأزمات الغذاء والصراعات الدولية.
إن الوقت المتاح لإجراء هذه التعديلات قد يثبت أنه ثمين، تماماً كالماء نفسه.
(*) عضو اللجنة الاستشارية للحملة الوطنية لترشيد استهلاك المياه |