بهذه الكلمات المؤثرة امتزجت تعابير صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز في رعايته لملتقى المثقفين السعوديين الأول.
لم يكن يعوز الأمير أن يبدع في كتابة كلمة رسمية ذات ديباجة ثقافية خاصة مجللة بأفصح العبارات مطرزة بجميل الألفاظ وبليغها.
وإذا كان الجميع قد استمع إلى كلمة المثقفين وقد تحلَّت بما أسعفت قواميس اللغة المتحدث د. محمد الربيع من أساطين ودهانقة ونحو ذلك.
فإن المفاجأة أن الأمير اختار أن تكون الكلمة حتى وإن كان الحضور نخبوياً مختاراً من أرباب الكلمة ورواد البيان أن تكون ارتجالية عفوية متحللة من العبارات المدبجة والألفاظ المنتقاة بها فكان حديثاً بالفعل (من القلب إلى القلب) والذي أقف معه عدة وقفات.
أولها: أن الثقافة في بلادنا ليست بدعاً أو مولوداً جديداً بل هي تضرب بجذورها إلى إرث قيمي حضاري عريق يمتد إلى آلاف السنين.
وليس هناك مستطاع للفصل بين الموروث الحاضر والإرث الماضي.
إن محضن العربية ومأزر الإيمان ومتنزل القرآن هي بلادنا التي نقسو عليها أحياناً ونعنف عليها ونسلبها أدنى مقومات حقوقها في ثقافتها الأصلية.
ثانيها: لقد كشف الأمير سلمان عن رأيه الثاقب في تلك الجدلية القائمة في المشهد الثقافي حول الخصوصية التي يجب أن نرعاها ونحافظ عليها ومقدار ذلك وإطاره.
في ظل محاولات البعض تمييع تلك الخصوصية وإذابتها.
إنه لا يمكن بحال الانفكاك أو الانعتاق من هذه الخصوصية المشرقة التي تضخ قيماً وموروثاً حضارياً فذاً. ونستمد منه حظوه لدى الآخر وليست يوماً ما تقع إشكالية عيب أو نقص.
ثالثها: الإشارة الواضحة إلى المتكأ الرئيس لقيام هذه الدولة القائم على الدولة والدعوة والرد على بعض النفس المأفون الذي يسعى للتشكيك بمقومات هذه الدولة ودعوتها السلفية وما خصت به من دعوة الإمام المجد الشيخ محمد بن عبدالوهاب
وأجزم أن البحث في الرواية والدلالة والنسق والبيان التاريخي لا يسمح من خلاله في دق تصدعات ومحاولة إحداث شروخ في بنيان الدعوة الشامخ وإذا كان هناك ثمة متسع للحوار في بعض تلك المرويات فلا نسمح من خلالها إلى أن نتهم أو نلمز من بذلوا مهجهم وأرواحهم وأوقاتهم لوحدة هذه البلاد ولحمتها.
لقد كانت في كلمة الأمير (القلبية) إشارات ودلالات تضع النقط على الحروف حول الجدلية المثارة حول نشأة وقيام الدولة السعودية الذي تم تناوله عبر إحدى الفضائيات مؤكداً في استشهادات حاسمة للعالم منذ الأزل يقوم على القوة الذي يستمد منها الثبات لكيانه ودولته.
والفرق بين تلك الثورات التي قامت والدولة السعودية التي جمعت الشتات ووحدت القلوب وأقامت مشروعاً وحدوياً عربياً إسلامياً فريداً على مساحة شاسعة وثقافات متعددة وكيانات سياسية صغيرة متناحرة لتنصهر في كيان بث فيه روحاً جديدة وقيمة حاضرة حققت ما نتطلع إليه عبر تماسكه وسرعة بنائه ونمو حضارته.
لقد أشار ذلكم البيان القلبي الواضح تجليات عديدة حول البنية الاجتماعية السعودية المتمثلة في القبيلة وعلاقتها بالدولة والمجتمع المدني.
وأنه ليس ثمة تعارض بين المحافظة على القيم العربية والعادات وبين ارتفاع قيمة الوطن فوق أي اعتبار عرقي أو قبلي أو ثقافي.
أما المكاشفة الكبرى فقد برزت في عدم جواز المساومة على الدين الحنيف بقيمه ومبادئه وتشريعاته السمحة وأن على المثقفين أن يعوا هذه القيم الشرعية والمبادئ الكبرى ليقطع سموه الطريق على بعض المشككين في الملتقى واجتماع أطيافه وتنوع مشاربه وتوجهاته.
مشيراً إلى أن خطر التطرف والغلو لا يقل عنه خطراً الانفلات والتفريط والقفز على المسلمات والثوابت الدينية والقيم الوطنية المحترمة.
ليقرأ الكل صدق حديث الأمير بحق وأنه من القلب إلى القلب.
لم يملك الحضور أمام تلك الكلمات العفوية الصادقة إلا أن يعبروا عبر صفقة طويلة واحدة. أن الأمير سلمان وإن تجاذبته الهموم والأطياف فهو أقرب الناس وأقدرهم على فهم هموم المثقفين وآمالهم وتطلعاتهم ووعده أن تتحقق تلك الآمال التي يدندنون بها في ملتقاهم ليكتب الجميع رسالة حب إلى قيادتهم العليا الراعية وإلى صديق المثقفين الصبور سلمان بن عبدالعزيز.
|