Tuesday 5th October,200411695العددالثلاثاء 21 ,شعبان 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "محليــات"

مستعجل مستعجل
قضية (شايب المسجد) هل تُظهر لنا قلباً؟!
عبد الرحمن بن سعد السماري

قبل أيام.. نشرت إحدى الصحف المحلية خبراً مرَّ مروراً عادياً.. وكأنه خبر بسيط.. بل تافه..
*** الخبر يقول: إن (شْوَيِّب راعي طاعة) تعوّد الجلوس في المسجد بين العشاءين.. أي أنه يذهب لصلاة المغرب، ولا يعود إلا بعد صلاة العشاء.. بمعنى.. أنه يعتكف.. بين الصلاتين (العشاءين) في المسجد.. يُسبِّح ويذكر الله ويقرأ القرآن.. أو كما يقول العوام (يْدَوِّر ما عند الله).
*** هذا الشايب المسكين.. الذي اعتكف في أكثر الأماكن أماناً.. إنه حرم الله.. وأفضل البيوت على الإطلاق.. وأكثرها هدوءاً وأمناً.. لم يسلم من الأشرار الخبثاء المجرمين.. إذ دخل عليه اثنان من اللصوص.. الذين نُزعت الرحمة من قلوبهم.. فمسكا هذا المسكين، وأوسعاه ضرباً حتى سالت الدماء منه وسط المسجد.. فسلبا ما معه.. ولولا أنه كان معه جوال لم يفطنا له.. لهلك وسط المسجد بفعل الضرب الشرس.. ونتيجة النزيف الذي خرج من جسده.
*** المسألة كما تظهر لك.. قد تبدو بسيطة.. والقصة كلها (شويِّب طِقْ وَوِخْذَتْ دراهمه)، وعليه أن ينتبه مستقبلاً.. إما أنه يترك حمل الفلوس على الإطلاق.. وما عاد يمشي وفي جيبه قرش.. وإما أن يترك الذهاب إلى المسجد حتى يكتمل الصفان الأول والثاني.
*** هذا.. هو الحل الظاهر البسيط.. أو هو الجاهز في نظر بعض الناس، ولكن المسألة.. أخطر من ذلك بكثير.. وأبعد ممّا نتصوّر.
*** لقد وصلت البلطجة والإجرام والقرصنة إلى بيوت الله..
*** هؤلاء المجرمون الإرهابيون.. أرادوا تحويل بيوت الله.. من أمكنة آمنة.. إلى أماكن رعب وإرهاب وإفساد ومسرح للجرائم..
*** سمعنا عن سرقة مكيفات المساجد.. وسمعنا عن سرقة المايكروفون وسماعاته.
*** وسمعنا عن سرقة فرشة المسجد.. وسمعنا عن سرقة غرفة فراش المسجد.. وسمعنا عن سرقة الأحذية عند باب المسجد..
*** وسمعنا عن سرقة أفياش وطفايات المسجد.. وسمعنا عن سرقة (مكنسة) المسجد..
*** وسمعنا عن سرقة كرسيّ الخطيب.. وسمعنا عن سرقة (درايش) المسجد.. وسمعنا.. وسمعنا.. واسمحوا لي بعدم ذكر البقية؛ لأن (جبهتي.. صبَّت عرق من الفشيلة).
*** أقول: سمعنا وسمعنا.. ولكن أن يدخل اثنان من (الحَوَنْش)، ويمسكا (شويِّب) يقرأ القرآن، ثم يجلداه، ويَسدِّدا له أكثر من (بُنية).. ويركلاه، ويطرحاه أرضاً مضرجاً بدمائه، ويسرقا كل فلوسه، ويتركاه يتخبَّط في دمائه في محراب المسجد.. فهذا ما لا يمكن احتماله.. ولا يمكن السكوت عليه.
*** يقولون: إن أحدث موضات السرقات اليوم.. أنه يمشي بجوارك واحد.. ثم تحسّ بحركة خفيفة جنبك.. أي أنه ربما لامس جسمك.. والحقيقة.. أنه شفط كلّ ما في جيبك.. من محفظة ونقود ومفاتيح السيارة، و(الله يعوّض عليك).. وجميل.. أنه ما (فِصَخ) ثوبك وخلاَّك بسروال السنة تمشي وأنت ما تدري.. وبالتالي.. لو انتبهت وقلت: محفظتي أو فلوسي يا ناس.. لأوسعك ضرباً حتى تلحق بِشْويِّب المسجد.. وعساها في الحلال ولا في الحال..
*** ويقال أيضا: إن بعضهم.. يتبعك حتى تُخرج مفاتيح السيارة وتهمّ بركوبها.. ثم يدفعك حتى تسقط أرضاً.. وينهب المفاتيح منك، ويودِّعك بعد أن اصطحب سيارتك..
*** ويقال: (وش تِعِدْ وش تخلِّي؟!).. إن بعضهم يوقفك بعد تشغيل سيارتك.. أو.. وأنت تسير ويقول: لو سمحت.. أين المكان الفلاني.. أو الشركة الفلانية.. ثم يدفعك بقوة حتى تتدحرج مسافة عشرة أمتار، ويأخذ سيارتك (عينك عينك).
*** يقولون إن بعض الصيدليات.. وبعض المحلات.. صارت تبيع بعد الساعة الثانية عشرة ليلاً.. من خلف الشباك فقط.
*** وفي محطات البنزين (يعبُّون) البنزين ثم يدوس على السيارة ولا يُحاسب أو (يخطف) الفلوس التي مع العامل و(يفرك).. ثم (دَوْرَهْ) ولدى محطات البنزين عشرات بل مئات من غطاءات البنزين (غطاء التَّانكي) لسائقين فركوا وما حاسبوا..
*** وهناك فئة من اللصوص.. متخصصون في (الشِّيَّاب) يسبون ما معهم. ويستغلون ضعفهم و(صِحِّهم).
* هل المطلوب.. أن نضع سحّاباً بقفل.. على جيوبنا.. أو نضع المخباة بالداخل كما هي مخباة الأولين في الثياب المرودنة؟!
*** أم أن الحلّ.. إلغاء الجيوب نهائياً؟
*** نعود إلى مشكلتنا الأولى.. وهي سلب (شويِّب المسجد) وضربه، والاعتداء على حرمة المسجد وامتهانه.. والاعتداء على المصلين الركّع السجود.. مما يعكس إجراماً متأصلاً، وسوء مخبر وخبث.. وانعدام الخوف من الله.
*** أين تلك الندوات والمهرجانات والمؤتمرات واللقاءات والحوارات التي أشغلتنا بالحكي والهذر و(الخرط) من دراسة هذه الظاهرة المزعجة المؤلمة.. التي تهدّد أمننا بشكل مخيف؟
*** ندوات.. ومؤتمرات.. ومحاضرات ومهرجانات.. في قضايا هامشية.. ومع ذلك يتركون قضية ذات حساسية وخطورة عالية جداً؟
*** نخشى أن تتطور الأمور بشكل أكبر.. نخشى أن تتطور سرقة شباشب الحمامات وأسطوانات الغاز إلى جرائم أكثر خطورة يصعب تطويقها.
*** علينا.. ألا نستهين بهذه الأمور.. وعلينا السعي لحل المشكلة من جذورها.. بعد البحث عن أسبابها ومسبباتها ودوافعها.
*** المسألة.. ليست حلولاً أمنية فقط.. وليست رقابة صارمة وملاحقة للمجرمين.
*** المسألة.. أن عشر وظائف.. يتقدم لشغلها خمسون ألفاً.. فيُعين عشرة بالواسطة.. ويُطرد الباقي.. ونحوِّل الأمر.. إلى نكتة.
*** المسألة.. أن عشرات الآلاف.. يتخرجون من (الثانوية)، ويقبل القليل في الجامعات.. والباقون.. أين يذهبون؟
*** هل هناك أسوأ من حال شخص يرى زميله يركب سيارة بنصف مليون أو مليون أو أكثر.. وهو يستلف أو يشحذ قيمة السندويتش من أخته أو أمه أو زميله؟
*** لا تستهينوا بالأمر.. ولا تقولوا: البطالة في العالم كله.. ولا تقولوا: القطاع الخاص لم يقم بدوره.. ولا ترموا المشكلة على أكثر من جهة؛ فالمسألة.. أخطر من ذلك..
*** المشكلة.. أن الذي يحلِّل الأمور ويدرسها ويقدّم فيها رأياً أو آراء.. (أموره ممتازة للغاية) وأولاده (عال العال).. ما عنده أي مشكلة.. فهو لا يحسّ أصلاً بالمشكلة.. وهل (الشبعان) يحسّ بالجوع؟
*** كم كنا نتمنى.. لو تُضخ مبالغ هذا الفائض المبارك في الميزانية.. لحل هذه المشكلة التي أرقتنا، وأزعجتنا كثيراً؛ لأننا.. لدينا استعداد لأن نستغني عن جسر ونفق وشارع عشرة مسارات..
ولدينا استعداد.. لأن نقف في زحمة أو اختناق مروري ساعة أو ساعتين.. ولكن ليس عندنا استعداد (نْطَقْ) في المساجد.. وتؤخذ فلوسنا.. أو تُسبى الجوالات من نسائنا وأولادنا بالقوة في الشوارع.. أو تؤخذ محافظ النساء نهباً في الأسواق.. أو أن تتطور أساليب النهب والسرقة والخطف إلى جرائم أكثر تعقيداً وأكثر خطورة وأكثر تخطيطاً.. وعندها.. ندخل في دوامة عنف يسهم بعض الأجانب في تأجيجها.. وتقديم (خبرتهم) في السطو والنهب المخطط له.
*** حادثة (شويِّب المسجد) يجب أن تُظهر لنا (قْلُوب) ونفكر صح.. قبل فوات الأوان.. وما دام الحلّ في أيدينا.. وما دام لدينا فائض ميزانية.. قيل إنه مائتا مليار.. وقيل أكثر.. الله يطرح فيه البركة.


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved