يجدر بنا أن نتأمل ما تتيحه لنا الظروف، أو ما يحل بنا من أزمات مفاجئة، وأن نقيس هذا البعد أو الجفاء على قدر تفهمنا لمثل هذه الطوارئ.
والحقيقة أننا جميعا قد استوعبنا الدرس الذي كان الإرهاب أحد أبطلاله، وما خلفه لنا من جراح وصدمة عميقة لكونها إرهاباً داخلياً، وقبل ذلك ممارسات أخرى لتبعات الإرهاب المختلفة كالإرهاب الفكري والذاتي وجميعها ترتدي ثوبا زائفا أظن أن الجميع قد اكتشف حقيقته على هامش هذه الأزمة، انشغلنا برتق الجراح، وكل يحاول الاجتهاد لاكتشاف الخطأ، ومن أين بدأت الشرارة التي أججت هذا البركان، غير أن الواضح للجميع مما حدث، هو تلك المفردات أو المصطلحات التي قدمت بنفسها إلى مجتمعنا بكافة أطيافه، كأسلوب للتناول والطرح، وظهور تعبيرات انفردت بمفهومها وبات تكرارها هو المفتاح للدخول الى النقاش أو التناول، وهي ما لم نألفه أو نعتده، كما لو أننا كنا بمنأى عن احتمال وجود الاختلاف كواقع، وليس ظاهرة، أو حلول مثل هذه الأزمة أو تلك كاحتمال وقوعها وليس انعدامها.
الليبرالي، العلماني، الحداثي، الإرهابي، الظلامي، الوهابي، الأحادي، الطالباني، الرافضي.. القائمة طويلة، كلها مفردات تتسيد كافة النعوت التي تقسم المجتمع إلى فئات من حيث لا نعلم ولا ندرك، رغم أن الكثير منا مجتهد وصادق في تحليل الأزمة أو معالجة الأسباب، في حين نرى في الدول المتقدمة، أن تصنيف مثل هذه الفئات المعنية يكون على حسب التوجه السياسي أو الأحزاب أو الرسائل الواضحة التي يحملونها بشكل عام.
ورغم أن الأغلبية المناصحة أو التي تحاول جاهدة دراسة الحالة كواقع يجب أن نكاشفه ونتفق على نتواءات خلله كحالة صريحة لا تقبل المواربة، إلا أن البعض يكاد ينزلق في نفس التيار المحتقن بأفكاره وآرائه، قد لا نستطيع الحكم على فئة معينة مثابرة وواعية، وهي تمارس صوتاً واضحاً وجهوراً بأن ما حدث ويحدث إنما هو تجاهل منا، أو أننا غفلنا حينها، على أن مثل هذا التورم وقتي وعابر ويعبّر عن نفسه فقط، بل إن الحكم المسبق على من يحاولون إيضاح وجهات نظرهم باتت مسألة في غاية التعقيد، وقد أصبح من الواضح جداً أن انقساماً حاداً قد حصل، فإما أقصى اليمين أو أقصى اليسار، وبين هذين الاتجاهين يصعب خلق الموازنة، لأن ما من هدنة بينهما إلا فئة ثالثة غير مبالية أو مدركة لما يحدث على سطح مجتمعها، وهذه كارثة أخرى.
صحيح أننا مبتلون بمثل هذه الطوارئ حالنا حال كثير من الأمم التي تعتريها طوارق الأيام ونوائب السنين، وهو ما لا نشك في قدرة القيادة بإذن الله على معالجتها، إلا أن المتبقي هو دور الفكر والمجتمع والثقافة الإيجابية من مثل ما يحدث، حتى للبسطاء منا الذين يجب أن يدخلوا تحت هذه المظلة بحلول واستفادة فعلية من هذه الظروف، حتى لا تكون النتائج على طرف هذه الأزمة فقط ظهورمصطلحات كالتي سبق ذكرها، تذهب مع الأزمة مثل أي فترة زمنية بدورانها، وألا تكون حصيلتنا من هذا الألم مجرد استباحة مثل هذه الألقاب التي باتت متداولة وعلامة فارقة على وجه المجتمع على حساب الأهم، وهو وحدة الوطن والتحامه.
|