إذا أخذنا بالأرقام الرسمية التي تعلنها الحكومة العراقية المؤقتة عن عدد الضحايا الذين يسقطون قتلى بنيران أسلحة القوات الحكومية العراقية وحلفائها من القوات الأمريكية في حملتها لإعادة (المدن المتمرِّدة) إلى حظيرة سلطة الحكومة، فإن حصيلة الأيام الخمسة الماضية فقط مئتا قتيل عراقي في مدينتي سامراء والفلوجة، جلُّهم من النساء والأطفال.
لا أحد ينكر على الحكومة العراقية، مؤقتةً أو غير مؤقتةً، معينةً من قوات الاحتلال أو منتخبةً من الشعب، أن تعيد الأمن إلى كل أرجاء العراق، وأن تعيد المدن التي تسمِّيها الحكومة المؤقتة بالمتمردة، خاصة أن (حكومة الأمر الواقع العراقية) لا بديل لها في الوقت الحاضر، وأنها خطوة مطلوبة لإنهاء الاحتلال للعراق، كما أن هذه الحكومة تحظى بتأييد واعتراف المجتمع الدولي والدول المجاورة وأغلبية العراقيين.
شرعية الأمر الواقع التي تتسلَّح بها الحكومة العراقية المؤقتة، والمعلومات التي تمتلكها بوجود أشخاص غير عراقيين مسلحين يقودون ويشاركون في الأعمال الموجهة ضد قوات الحكومة العراقية والقوات الأمريكية، وسيطرة هؤلاء الأجانب من جنسيات عربية وإسلامية على عدد من المدن العراقية، حوَّل تلك المدن إلى مراكز تنطلق وتُشَنُّ منها العمليات الإرهابية التي تشمل عمليات التفجير وتفخيخ السيارات وعمليات الخطف، وأن هذه المدن التي خرجت عن سيطرة الحكومة تحوَّلت إلى مراكز ومقرَّات للمسلحين الأجانب.
هكذا تجزم الحكومة العراقية المؤقتة، ولذلك سَمَّتْ تلك المدن بالمدن المتمرِّدة. ويروِّج لأقوال الحكومة المؤقتة وسائل الإعلام العاملة في العراق، وبالذات الغربية التي صنعت أسطورة (أبو مصعب الزرقاوي) والمقاتلين الأجانب.
فالزرقاوي الذي تؤكِّد صحيفة الديلي تليجراف البريطانية نقلاً عن مصادر استخبارية أمريكية أنه مجرَّد أكذوبة؛ حيث تعترف الاستخبارات الأمريكية أن تسويق شخصية الزرقاوي يهدف إلى إيجاد شخصية شريرة للاستهلاك المحلي في أمريكا والعراق، ولأسباب انتخابية، ولتأكيد صحة ما ذهبت إليه الإدارة الأمريكية من غزوٍ واحتلالٍ للعراق، وتبرير ما تقوم به قوَّاتها وقوات الحكومة العراقية المؤقتة وأجهزة الاستخبارات الأمريكية من محاولات للترقيع والتزويق؛ لكي يسمع الأمريكيون ما يحبُّون سماعه، وإقناع العراقيين بفائدة وجود الاحتلال الأمريكي.
يقول أحد العملاء الأمريكيين كما نقلت صحيفة الديلي تليجراف: كنا ندفع تقريباً 10 آلاف دولار في كل مرة لقنَّاصي الفرص والمجرمين الذين يمرِّرون القصص الخيالية والافتراضات حول الزرقاوي، لتحويله إلى حقيقة واقعة، وجعلِهِ على علاقة بكل هجوم يحدث في العراق.
وأضاف: واشنطن استقبلت هذه المواد استقبالاً حافلاً، وشكَّلت قاعدة لاتخاذ القرارات السياسية، فالإدارة الأمريكية تحتاج إلى شرِّير، شخص مجهول لإلقاء اللوم عليه، وقد حصلت على واحد.
تكشف الصحيفة أن الدلائل المستقاة من الفلوجة تفيد بأن المحرِّك الأول للمقاومة في هذه المدينة هم من العراقيين، وليسوا من المقاتلين الأجانب. وعلى الرغم من أن تقديرات البنتاجون تذكر أن عدد المقاتلين الأجانب في الفلوجة يزيد على ألفي مقاتل، إلا أن الصحيفة تنقل تأكيد العملاء الأمريكيين بأن عددهم لا يتجاوز المئتين أو أقل.
هذه المعلومات التي نشرتها صحيفة مؤيِّدة للحرب الأمريكية الإنجليزية في العراق تُظهر أن الحرب التي تشنُّها القوات الأمريكية والعراقية على مدن سامراء والفلوجة وقبلها تلعفر مُبالَغ فيها لجهة استعمال القوة العسكرية الطاغية غير المبرَّرة. فحتى لو سايرنا تقارير الحكومة المؤقتة، والتضخيم الذي تروِّج له المصادر الأمريكية لإنجاز أهدافها بالعراق بوجود مقاتلين أجانب، فإن الحلَّ لا يتم عبر تنفيذ سلسلة من المجازر تُنفَّذ بحق العراقيين في الفلوجة وسامراء وتلعفر، وقبلها في النجف ومدينة الصدر، فهناك وسائل عديدة، منها التفاوض والإقناع، خاصة إذا كانت الحكومة المؤقتة تعمل كما يقول أعضاؤها من أجل العراقيين، وليس إبادتهم، حتى وإن كانوا يسكنون في مدن متمرِّدة.
|