Tuesday 5th October,200411695العددالثلاثاء 21 ,شعبان 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "مقـالات"

الأزمنة الأزمنة
نتوءات (في الملتقى الثقافي)
عبدالله بن إدريس

كم هي خصبة وجميلة تلك الأيام الثلاثة التي التأم فيها شمل شريحة كبيرة من الأدباء والمثقفين.. رجالاً ونساءً على صعيد طاهر من المحبة والإخاء والألفة.. بين رؤى وأفكار طيفية.. قد ينظر إليها البعض على أنها غير متجانسة.. ولكنها في الحقيقة تمثل (قوساً قزحياً) مجتمعياً خلاباً.. وهل أجمل من ذلك القوس بألوانه الزاهية غب المطر..؟!
حقا إنها أيام جميلة التقينا فيها بكثير من زملاء القلم، وصناع الكلمة الهادفة، والرؤية البانية.. أجساداً وأرواحاً.. ممن ألفناهم وألفونا على مدى عشرات السنين.. على الطريق المشترك لخير ديننا ووطننا وأمتنا.. أدام الله المحبة بين الجميع.. فهي أهم ما نحتاج إليه في أيامنا الحاضرة.. وما بعدها.
* * *
كان (الملتقى الأول للمثقفين السعوديين) الذي عقد جلساته في مركز الملك فهد خلال الأيام الثلاثة (11-12-13) شعبان 1425هـ هو الأول من نوعه، منذ أضيفت المؤسسات الأدبية والثقافية إلى وزارة الإعلام؛ فأصبح اسمها (وزارة الثقافة والإعلام). قبل هذا الملتقى كان هناك مؤتمران للأدباء السعوديين؛ فقد تبنت جامعة الملك عبد العزيز عقد (مؤتمر الأدباء السعوديين الأول عام 1394هـ) في فرعها بمكة المكرمة.. قبل قيام (جامعة أم القرى).. وكان مؤتمراً حافلاً وغنياً بموضوعاته والأبحاث والدراسات التي طرحت فيه.. كما كرم عدداً من الرواد والرموز الإبداعية في ختام أعماله بالأوسمة الشرفية والميداليات الذهبية.
وبعد عقدين من السنين - تقريباً - عقد المؤتمر للمرة (الثانية) في رحاب جامعة أم القرى بمكة المكرمة تحت عنوان (مؤتمر الأدباء السعوديين الثاني) وكان مماثلاً للمؤتمر الأول؛ في جميع فعالياته ونجاحاته.
أقول هذا الكلام تذكيراً لمن نسي، أوْ لَمْ يشهد ذينك المؤتمرين المؤسّسيْن.. لمثل هذا الملتقى الأخير. ولا تعني إشارتي لمؤتمري الأدباء السعوديين: الأول، والثاني.. التقليل أو التهوين من شأن (الملتقى) الجديد الذي ستكون له آثار ودوافع إيجابية أكثر حراكاً من ذي قبل.. وإنما أردت التذكير بأن هذا اللقاء لم يكن الأول من نوعه لأدباء المملكة ومثقفيها.. فقد تعبَّد هذا الطريق قبل (30) عاماً.. بأبحاث ودراسات أعمق وأغنى.. وإن كانت المشاركة النسائية حينذاك مفقودة في هذا الجانب.
أما في هذا الملتقى الجديد (الثالث من نوعه) فقد حصلت المرأة على نصيب وافر من المشاركة الفعلية.. بأوراقها التي قدمتها، وسكبت فيها مشاعرها لمحو ما يلوب في ذهنها وعقلها.. وكانت موفقة في بعض أطروحاتها.. ومخفقة في بعض.. سواء ما تضمنته الأوراق.. أو ما طرح مداخلة في القاعة.. وقد أعود إلى هذه النقطة في آخر المقال.. لكن قبل الدخول في (نتوءات) من هذا النوع.. أحب التنبيه إلى أمرين شفيفين وفارقين بين الأدب والثقافة:
أحدهما أن مصطلحي (أدب، وثقافة).. مصطلحان حديثان.. لم يعرفا في القرون الماضية إلا بمعناهما اللغوي..
فكلمة (أدب) مأخذوة من المأدبة؛ يقال: أدَبَ فلان لأصدقائه أدْباً؛ أي دعاهم إلى مأدبته. ويقال: أدُبَ فلان؛ راض نفسه على محاسن الأخلاق وحذق فنون الأدب؛ فهو أديب. ومن ذلك الجميل من النظم والنثر. وتطلق الآداب حديثاً على الأدب بالمعنى الخاص، والتاريخ، والجغرافيا، وعلوم اللسان، والفلسفة. (المعجم الوجيز - مادة أدب).
أما كلمة (ثقافة) فهي مأخوذة من تقويم الشيء المعوج حتى يعتدل. ويقال: ثقف العلم والصناعة؛ حذقهما. وثقف الشيء؛ ظفر به، ومنه قوله تعالى: {فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ}؛ أي تظفر بهم.
إذن هناك فرق شفيف بين (الأدب) و(الثقافة)؛ (الأدب) - اصطلاحاً - يعني النتاج الشعري، والقصصي، والروائي وما في حكم ذلك. و(الثقافة) تعني العلوم والمعارف والفنون التي يطلب العلم بها والخدمة فيها. الخلاصة الفارقة أن كل أديب هو مثقف؛ وليس كل مثقف أديباً.
* * *
أعود إلى صلب الموضوع: أعني الملتقى.. وأقول إن إيجابياته أكثر بكثير من سلبياته، وليس كما أوحت بعض الكتابات التي حاولت سلب قيمته بنظرة ساخطة، وكأن الملتقى في أذهانهم يقول للشيء كن فيكون؛ فليست هذه القدرة المنشودة إلا لله - جل وعلا - ليس في قدرة وزارة الثقافة والإعلام، فضلاً عن المشرفين عليه، أن يحققوا لهؤلاء (المتعجلين) ما يحلمون به ويطمحون إليه؛ فكل أمر مرهون بوقته.
ولأن الإيجابيات في هذا الملتقى أكثر من أن أحشرها في حيز ضيق كهذه المساحة.. فإنني لن أغفل بعض السلبيات أو (النتوءات) التي صاحبته.. مثالاً على ذلك:
* * *
* كثرة الأوراق المطروحة للنقاش التي بلغت (50) ورقة.. وكثير منها يحمل سمة التكرار؛ مما يغني بعضها عن بعض.. ولا سيما في المحور الخاص بالمسرح، والفن التشكيلي، والموسيقى.
ولو كثفت هذه الأوراق الكثيرة؛ وركزت في محاور وأطاريح محدودة لكانت أجدى وأحرى بالتصاقها في ذاكرة الأدباء والمثقفين الذين سيحاولون تتبع وسائل تحقيقها.
* كانت مشاركة المرأة في هذا اللقاء جيدة وإن غلبت على بعضها بعض الانفعالات (الصوتية) في المناقشات والمداخلات.. حتى كاد (العِنان) يُفلت من يد فارس الجلسة، لشدة جموح هذه.. وانفعال تلك..
* كان أشد ما آلم أكثر الحاضرين (الادعاء) بظلم الرجل للمرأة.. هكذا جزافاً وبإطلاق.. والجميع يدرك أنه يوجد رجال يضطهدون الزوجة والأخت والبنت.. بل وأحيانا الوالدين - والعياذ بالله - ولكن ما هي نسبة هؤلاء في المجتمع..!؟ لا شك أنها نسبة لا تمثل ظاهرة، وقد عشت أنا وأترابي في القرية ذات (العامية) ثم في المدينة.. وجاورنا وصحبنا عشرات أو مئات الأسر.. ولم نسمع أو نشاهد هذا الظلم المدّعى. إلا قليلاً؛ فالمحبة والانسجام هما ديدن أغلبية المجتمع - بحمد الله -.
* * *
وبعد:
فهذا الملتقى يحسب إنجازاً جيداً لوزارة الثقافة والإعلام بقيادة وزيرها الدكتور فؤاد الفارسي ورجال وزارته.. وقد طرحت عليه ونحن على مائدة الغداء، ضرورة إيجاد (وكيل وزارة للشؤون الثقافية) يستقل بعمله هذا عن تداخلات الأعمال الأخرى.. فكان جوابه أنه ساع في هذا المجال وسيتحقق هذا الغرض، إن شاء الله. وفق الله الجميع.


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved