لم يشعر صديقي حتى هذه اللحظة بأي ندم على تصريف غنمة أبيه (سلوى)، وتوظيف العائد منها في السياحة الداخلية، كنا وما زلنا نستخدم مصطلح (تصريف) ليشمل كل الإجراءات التي تمت منذ لحظة تهريب الغنمة من الحوش في تلك الليلة الليلاء حتى لحظة استلام الفلوس من سعود الشاوي، هي مجموعة من الإجراءات تتخللها بعض المسائل المتعلقة بالأخلاق، لكن الإنسان الفطن سوف يجد فيها كثيراً من القرارات الصائبة التي يمكن ببعض التعديلات الطفيفة التعامل معها كمواقف أخلاقية، فالغنمة عاقر، ووالد صديقي مُصر على استيلادها، لا يمكن إقناعه بالحقيقة الماثلة، وحتى إذا اقتنع فستكون القضية أصعب وأمض، لأن والد صديقي راعي طاعة لا يمكن أن يبيع الغنمة دون أن يخبر بعيبها الأساسي.. عندها ستهبط قيمتها إلى مجرد لحم.
لم نستلم من الفلوس إلا خمسة وسبعين ريالاً، والباقي حسب شرط سعود سيتم تسليمه مع إطلالة أول متشمِّسة أمريكية، بحثنا هذه النقطة حتى هلكنا، فهذا شرط لا يمكن الالتزام به، فنحن كما حاولنا إفهام سعود يمكن أن نضمن له الوصول إلى الهاف مون، ولكننا لا نضمن وجود متشمِّسات على ضفافه، صحيح أننا سننحاز عاطفياً مع فكرة وجودهن على الشاطئ، إلا أننا رفضنا أن تكون نصف ميزانية السفرة ضمانة لهذا الوجود، خصوصاً أننا سوف نسافر دون علم أهالينا، سنغيب ثلاثة أيام على أساس أننا متسفرين في قميلان في البر، إذاً يجب أن تكون الفلوس في جيوبنا لا جيب الشاوي تحسباً لاي طارئ.
اتفقنا أخيراً على أن يسلم سعود نصف الباقي في القطار أو (البلية) على حد تعبيره، ويبقى معه حوالي ثلاثين ريالاً على أن يبدأ هو بدفع المصاريف، وقد حلفنا له أن أول شيء سوف نفعله بعد نزولنا من القطار وتناول أقرب وجبة، هو التوجه دون أبطاء إلى شاطئ نصف القمر على أن يلتزم تمام الالتزام بأحكام الصدفة، سنأخذه على جناح السرعة إلى الهاف مون، ولكن دون إعطائه أي ضمانة على وجود أي متشمِّسة هناك، كان هذا الاتفاق مجرد اتفاق (تكسير إرادات) لا أكثر ولا أقل، لأن أي طرف لا يمكن أن ينسحب من السفرة، فنداء المتشمِّسات لا يمكن عصيانه.
تواعدنا أن نلتقي في صباح يوم الثلاثاء في الثلاثين من الشهر الفضيل في نفس حيالة الاجتماعات حتى نصبِّح المتشمِّسات يوم العيد، ويصير عيدنا عيدين، كان على سعود أن يتصرَّف في اليومين المتبقيين لتأمين بقية الكاش، وعلينا في الوقت نفسه تحمُّل نفسية والد صديقنا المحطَّمة بعد أن اقتنع بحقيقة غياب سلوى الأبدي، كان مرتبطاً بها عاطفياً بصورة لا يمكن تصورها.
حسب رواية ابنه ما إن يدخل البيت، ويفسخ بشته، يتجه على الفور إلى القوع يتأمل في سلوى وكأنها واحدة من بناته، لم نسمها سلوى من باب التندر، وإنما كانت سيقانها مبرومة تتواصل مع الفخذ بشكل ناعم دون أن تحس بانعطافة الركبة كما تلاحظ على سيقان عارضات الأزياء، طبعاً لا نعرف أي شيء اسمه عارضات أزياء، وإنما نعرف بيالات جديدة ناعمة ملساء دخلت السوق حديثاً سميت ب(ساق سلوى) على مطربة أردنية تُنادى بهذا الاسم اشتهرت بأغنية وحيدة أسوة بكل المطربين الأردنيين.. تقول بعض كلماتها (وين عا رام الله ما تخاف من الله، هزيت قليبي، وين عا رام الله). خلال أقل من ساعة كنا جميعاً قد وصلنا إلى الحيالة حسب الاتفاق وبعد دقائق وصل سعود، لم يكن يحمل معه شنطة تدل على أنه مسافر، وعرفنا بعد فترة أنه كان يلبس ثوباً متعدد الاستعمالات، يستعمل للاجتماعات الرسمية، وللنوم كبجامة وبعد الغداء كفوطة، ركبنا التاكسي الذي سوف يأخذنا إلى القطار، وفي الطريق شاهدنا الأطفال في ملابسهم الجديدة، وفي أيديهم الخيازرين والعروق، وعلى رؤوسهم طاقيات الزري، فتذكرنا أن اليوم هو يوم الحوامة عيد الأطفال الذي يجوبون فيه البيوت في طلب العيدية (أبي عيدي عادت عليكم في حال زينة)، شعرنا بالزهو، لم نعد جزءاً منهم، كان آخر علمنا بهم العام الفائت، تفتَّحت في أجسادنا نداءات جديدة تحملنا إلى عالم اسمه الرجولة، إلى عالم الأمريكانيات المتشمِّسات على شاطئ الهاف مون. (نكمل بعد غدٍ الأربعاء).
فاكس 4702164
|