(تأبط شراً) شاعر جاهلي من الشعراء الصعاليك اسمه ثابت بن جابر الفهمي كان من العدَّائين حتى قيل فيه إنه: أعدى ذي رجلين وذي ساقين وذي يدين، وإنه كان يطرد الظِّباء في الفيافي فيصطاد منها ما يشاء.
وقد أطلق عليه هذا الاسم حسب الروايات لأسباب منها: أنه ذهب إلى الفَلاةِ فأدركه الليل فيها، فرأى كبشاً صغيراً فأخذه وحمله معه، فأخذ يبول عليه وهو لا يلقيه فلما وصل إلى بيته رآه خَلْقاً عجيباً فرمى به خارج البيت، وفزعت أمُّه، وقالت لمن سألها من جاراتها: ويحه تأبَّط شرَّاً، فأُطلق عليه الاسم، وما كان ذلك الكبش حسب قولهم إلا الغول تمثلت في هيئة كبش، ومن أسباب تسميته كما قيل، أن أمَّه قالت له: هؤلاء الفتيان يعودون إلى أمَّهاتهم بالكَمْأَةِ وغيرها وأنت لا تأتي بشيء، فذهب إلى البريَّة واصطاد عدداً من الأفاعي وضعها في كيس، ودخل بها على أمِّه وألقاها من الكيس ففزعت وصاحت، وسألتها جاراتها: ما بك؟ فقالت: ولدي ثابت تأبَّط شراً، فأطلق عليه الاسم.
إن أخبار هذا الشاعر الصعلوك كثيرة في بعض كتب التاريخ الأدبي، تتحدث عن سرعته في العَدْو وشجاعته، وكرمه، وجرأته على القتل والسَّلْب والنَّهب ولكن ذلك لا يعني أبداً، أن قومه قد أصبحوا كلَّهم متأبّطين الشر مثله ففيهم من الكرماء والنجباء والمصلحين المتأبطين للخير الكثير، بل إنَّ أهل الخير هم الأكثر، وإنَّ غلبتْ أخبار صعلوكهم (تأبَّط شرَّاً).
حينما تأمَّلتُ سيرة هذا الشاعر الصعلوك وتخيَّلته حاملاً الغولَ معه إلى بيت أمِّه في صورة كبش، أو حاملاً الأفاعي إلى أمِّه في كيس، خطرت ببالي صورٌ كثيرة لأناس يتأبطون شَرَّاً إلى نفوسهم، ومنازلهم، وأوطانهم، ولاحت أمامي صورة الصعلوك الجاهلي وهو يركض متخفَياً من جبل إلى جبل، ومن وادٍ إلى وادٍ، ومن صحراءٍ إلى صحراء، يتلقَّى كلَّ ما تحمله فصول السنة من الحَرِّ والقُرِّ، ومن المطر والبرد، ومن الأعاصير والغبار والأتربة، محمِّلاً نفسه ما لا تحتمل من ادّعائه السعي إلى مساعدة المحتاجين، ومناصرة المظلومين، مع أنه يسرق مال غيره حتى يمنحه المحتاج، ويقتل الأبرياء بحجة نصر المظلومين.
ثم لاحت أمامي صورة بعض صعاليك العرب في هذا العصر، وهم يركضون من مذهبٍ إلى مذهب، ومن نظرية إلى نظرية، ومن شيوعية إلى علمانية، إلى ليبرالية، إلى حداثة، إلى تفكيكيَّة إلى سريالية، إلى عقلانية وغيرها من صحارى المذاهب، ومجاهل الثقافات والأفكار، ثم تخيَّلتهم وهم يتأبطون شراً إلى منازلهم وأوطانهم، فهذا يتأبَّط نظريةً غربية أكل عليها دهر الأوهام وشرب، وذاك يتأبط فكراً منحرفاً، والآخر يتأبَّط طبقاً هوائياً يشبه كيس الشاعر (تأبَّط شراً) الذي خرجت منه الأفاعي وروَّعتْ أمَّه في منزلها، وغيرهم يتأبَّط آلاف المواقع على شبكة الإنترنت بما فيها من صالح وطالح، وهناك من يتأبَّط مجلاتٍ هابطةً، وأشرطةً ساقطةً، وقصصاً ورواياتٍ لا يحسن كاتبوها إلا وصف ما ينبو عنه الذوق السليم من العادات والأخلاق السيئة.
وقلت في نفسي: ما الفرق بين (تأبَّط شراًُ)، وبين متأبَّطي الشر في هذا العصر؟
وحمدت الله عز وجل أن هؤلاء المتأبطين للشر ليسوا إلاَّ قِلَّةً في الأمة العربية المسلمة، مهما علا ضجيجهم، وإنَّما الكثرة الكاثرة للذين تأبَّطوا الخير وحملوه إلى الناس من قرآن وسنة وفكر نظيف وأدب أصيل سليم، ورؤية إسلامية صافية، وصدور سليمة، وقلوب مليئة بحب الخير للعالمين.
إشارة:
يقول تأبَّط شراً:
لكنَّما عَوَلي إنْ كنتُ ذا عَوَلٍ
على بصيرٍ بكسْبِ الحمد سبَّاقِ |
|