Monday 4th October,200411694العددالأثنين 20 ,شعبان 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "الاولــى"

ملك.. وثوابت.. وسياسات.. ومنهج قويم ملك.. وثوابت.. وسياسات.. ومنهج قويم
بقلم: د. فؤاد بن عبدالسلام الفارسي

  في ذكرى البيعة يتجدد الولاء، وتكبر الفرحة، وذلك ابتهاجاً بالوالد القائد، ملك البلاد الذي لم يأتِ إلى سدة الحكم قفزاً في عتمة الليل، أو اعتباطاً في غفلة من التأريخ، وإنما تسنم القيادة كابراً عن كابر وفق الأصول الشرعية، وعبر دربٍ طويل من الجهد الشاق والمثابرة وقوة المضاء، واعمال الفكر، وحسن التفهم لابعاد ما يتوجب التخطيط له للاضطلاع بالمسؤوليات الجسام التي أنيطت به على امتداد عدة عقودٍ من السنين حيث تدرج في العديد من المهام التي كلف بها والمناصب التي تولاها باقتدار.
ولعل أولى تلك المناصب الحيوية كونه أول وزير للمعارف في تأريخ المملكة التي أعطاها من روحه وفكره، وتطلعه لتهيئة البلاد للانطلاق نحو مستقبل أفضل يسمو في آفاق التقدم والازدهار بجناحي العلم الشرعي، والعلم المعزز في جميع الأمور الأساسية البناءة، وكان من ثمار هذا التوجه الطموح ما أدى إلى تحقيق نقلة حضارية غير مسبوقة كان لها ما بعدها في عملية تكوين المواطن وتأهيله ليسهم وليتفاعل وليتعامل وليستفيد مما تم ويتم إعداده وتنفيذه من خطط تنموية خمسية متلاحقة.
ولذلك لاعجب أن نرى اليوم هذه الأعداد الكبيرة من الطلاب والطالبات يواصلون تعليمهم على مقاعد الدراسة التي توفر لهم، وأن نرى أيضاً الأعداد الهائلة من الخريجين والخريجات من خلال المئات من الكليات النظرية والعلمية المتخصصة الذين يملؤون الوظائف المختلفة بكل مهارةٍ وخبرةٍ وإخلاص بما يعني أن أبناء الوطن هم حماته وعدته ووسيلته، وهم المحافظون على مكتسباته، وهم العاملون على إحراز النجاحات بكل ثقةٍ واقتدار.
(إن إحساس المواطن السعودي بواجباته الوطنية التي تنطلق من عقيدته الإسلامية يدفعه لأن يطور نفسه، لأن الدولة هيأت الظروف المناسبة والملائمة بالنسبة لدراسة جميع حاجات البلاد بمختلف أنواعها.. لقد وجدت شباب المملكة العربية السعودية يندفع ويقطع المسافة بأقل مدة ممكنة حتى يصل إلى المستويات العالية، وحتى يستطيع أن يدير شؤونه بنفسه بطبيعة الحال) فهد بن عبدالعزيز.
وعندما نمعن النظر باستقراء الخطوط العريضة لجملة الإنجازات التنموية التي حرص على تحقيقها الملك فهد بن عبدالعزيز نجد أنها تأتي وفق سلم أولويات وفي إطار مفهوم الأمن الشامل، ويظهر ذلك بوضوح من خلال العديد من المشروعات وبخاصة مشروعات تحلية المياه وحفر الآباء وصيانتها وإنشاء السدود لتغطية الاحتياجات السكانية كافة بما في ذلك زيادة مساحة الأراضي الزراعية التي شكلت التأسيس لقاعدة استراتيجية فيما يتصل بوفرة التمور والحبوب اللذين يصدر منهما الكثير مما يفيض من المنتوجين للعديد من دول العالم.
وفي مجال تنويع موارد الدخل الوطني فإن الخطوط ذات الصلة التي يوجه بها دوماً - وفقه الله - تركّز على استثمار عائدات البترول بعد الوفاء بالالتزامات في إيجاد قاعدة صناعية عريضة يمكن التعرف على طبيعتها وأهميتها وأبعاد إسهاماتها في ميادين الصناعات الأساسية والتحويلية لتلبية الاحتياجات الوطنية ولترجيح ميزان المدفوعات لصالح بلادنا في نطاق التبادل التجاري حيث يبرز اسم مدينتي ينبع.. والجبيل الصناعيتين كرمز لمجمعين ضخمين ينتجان العديد من اللدائن والمواد الأخرى مما تحتاج إليه الأسواق العالمية مع ضمان الجودة، وتوفر الكمية، والأسعار الاقتصادية المنافسة.
كما يولي الملك المفدى اهتماماً خاصاً ومكثّفاً نحو مناطق الحج التي شهدت إقامة العديد من المشروعات بهدف إيجاد المزيد من المرافق والخدمات لتسهيل أداء النسك لحجاج بيت الله الحرام وفي مقدمة تلك الإنجازات توسعة الحرمين الشريفين التي تعد درة الأعمال الجليلة التي بادر بها - وفقه الله - في إطار رسالته السامية في خدمة الإسلام والمسلمين.
فكانت تلك التوسعة هي الأكبر في التاريخ إذ تطلب تحقيقها إنفاق ما يربو على سبعين مليار ريال.
(لقد كنت دوماً أعتقد أن الثروة الوطنية سواء في باطن الأرض أو على ظاهرها لابد أن تسخّر لخدمة الوطن والمواطنين.. إن هي أوفت بالدور الذي أوجده الله سبحانه وتعالى بها.. وكنت أعتقد وما زلت أن الله قد قيض للمملكة العربية السعودية فرصة فريدة في تأريخ الأمم لا يمكن أن يفوتها رجال سخرهم الله لخدمة دينه وخدمة شعب هذا البلد الذي خدم الإسلام والمسلمين منذ فجر تأريخه) فهد بن عبدالعزيز.
وفي شأن المنظور المستقبلي يقول خادم الحرمين الشريفين (سنستمر في البناء بلدنا مثل ما تعرفون بلد شاسع الأطراف ومهما عمل فيه ربما لا يبرز بعض الشيء.. ولكن لا أستطيع أن أقول إن جميع المشاريع المهمة والرئيسية عملت ومع هذا لن نتوقف أبداً بإذن الله سوف سنسير بخطى ثابتة إلى الأمام ونكمل ما بني).
وفيما يتعلق بالسياسة الخارجية التي ينتهجها الملك فهد بن عبدالعزيز فهي تقوم بالدرجة الأولى على الاحترام والتقدير الكاملين المتبادل مع جميع الدول والشعوب الشقيقة والصديقة امتثالاً لقول الله عز وجل {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}.
وانطلاقاً من هذه القاعدة الإيمانية انبثقت السياسة السعودية في شأن التعامل مع الآخر وعلى نحو بناء وإيجابي بمعنى أن المملكة العربية السعودية لا تقف مما يجري حولها موقف المتفرج بل تعمل الجهد لتبادل المصالح وتفعيل التعاون مع جميع الجهود الخيّرة لتحقيق الاستقرار العالمي ومقتضى ذلك التغلب على أسباب التوتر والصراعات بما يتطلب إيجاد الحلول العادلة والشاملة، والإسهام في تذليل الصعاب لتوفر الوفاق والاتفاق ولتقريب وجهات النظر لصياغة تفاهمات مقنعة ومرضية يمكن على أساسها استشراف آفاق المستقبل للنظام العالمي بروح الثقة والأمل الواعد.
وفي هذا السياق يمكن التذكير بدور الملك فهد بن عبدالعزيز الذي استضاف مؤتمر الطائف الذي جمع الإخوة الأشقاء اللبنانيين ليضعوا بأنفسهم صيغة الاتفاق المهم الذي تم بموجبه الخروج من مأزق الحرب الأهلية الطاحنة لبدء مرحلة جديدة مفعمة بالأمل ما تزال تسير من حسنٍ إلى أحسن نحو بلوغ أهدافها لمصلحة الشعب اللبناني ككل.
إضافة إلى الموقف الشجاع والرشيد الذي اعتمده خادم الحرمين الشريفين باتجاه تحرير الكويت من الغزو الصدامي الذي دحر والذي انتهى إلى غير رجعة.
وهناك الدور الآخر الذي بذله - حفظه الله - بهدف تقريب وجهات النظر بين المملكة المغربية والجمهورية الجزائرية لإيجاد مناخات أفضل عبر الحوار الأخوي لمصلحة الشعبين الشقيقين.. وكذلك الدور المساند للبوسنة والهرسك الذي أسهم في التمكين لقيام الدولة، التي تضم النسبة الأكبر من الإخوة المسلمين الذين يتميزون بالاعتدال الذي يشكرون عليه لإعطاء المثل والقدوة للوسط والمحيط الذي يعيشون فيه.
( إذاً المطلوب من جميع المسلمين وبالأخص من الدعاة الذين عندهم مقدرة في الإفصاح وشرح العقيدة الإسلامية في إطارها الحقيقي أن يشرحوا فوائدها ويشرحوا الخيرات التي في العقيدة الإسلامية، وانها عقيدة الرحمة والرأفة والمحبة والصداقة بين الشعوب) فهد بن عبدالعزيز.
وفي الجانب الآخر هناك المساعدات غير المحدودة التي يؤكد عليها - وفقه الله - في مجال الإغاثة والتغلب على الفقر من خلال البنوك المتخصصة التي تمنح الهبات وتقدم القروض الميسرة التي شملت العديد من دول العالم وبخاصة القارة السمراء لما تعانيه من معوقات مختلفة.
ولذلك لابد من الأخذ بيدها لتمضي قدماً لحل المشكلات وقهر الصعاب ليتسنى لها التكامل بقوة مع الاقتصاد العالمي لتحسين ظروفها الاجتماعية والتنموية.
أما القضية الأولى للعرب والمسلمين التي هي في مركز اهتمام الملك فهد بن عبدالعزيز لأنها تندرج في مفهوم الثوابت التي تقوم عليها السياسة السعودية منذ عهد المؤسس الملك عبدالعزيز - طيب الله ثراه - الذي ورثه خلفه من بعده هذا الواجب الذي يمضون فيه بقوة الإيمان وشرعية الحقوق المغتصبة التي لابد أن يزول عنها الاحتلال الغاشم حتى يتسنى للإخوة الفلسطينيين إقامة دولتهم المستقلة وعاصمتها القدس الشريف وان يعود المشردون إلى ديارهم ومدنهم التي أخرجوا منها بفعل إرهاب العصابات الصهيونية.
ولعل مبادرة الملك فهد بن عبدالعزيز (خطة قمة فاس) التي أصبحت مبادرة عربية وما لحقها من مبادرات هدفها إيجاد حلول منطقية وموضوعية يمكن الاعتماد عليها للخروج من الطريق المسدود ما يدل على موقفه المؤيد الداعم للصمود الفلسطيني ليتحقق له الأمن والاستقرار والعيش الكريم مثل بقية شعوب الأرض ووفق القرارات الشرعية الدولية ذات الصلة التي لابد من الانصياع لها مهما طال الزمان أم قصر لأنه لا يضيع حق وراءه مطالب.
وأخلص مما تقدم أن خادم الحرمين الشريفين الذي قام وما يزال يقوم بجهود مستمرة وعضديه ولي عهده الأمين، وسمو النائب الثاني يأخذون بالأسباب نحو التطوير الإداري والتنموي وتفعيل دور المجالس المتخصصة وتحفيز وسائل الإعلام والصحافة الوطنية نحو التحديث ورفع الكفاية للارتقاء بالأداء لمصلحة الوطن والمواطن ما جعل المملكة العربية السعودية ولله الحمد في مركز طليعي بالنسبة للدول النامية الأكثر تقدماً وهو ما تشيد به الهيئات والمنظمات والمحافل الدولية.
كما أن من المعلوم أن المملكة تسهم بنحو 30% من سقف الإنتاج الذي تلتزم به منظمة الأوبك، كذلك تستطيع المملكة زيادة الإنتاج أو خفضه في إطار سياسة رشيدة يوجه بها خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده الأمين ترمي لتحقيق التوازن بين العرض والطلب لمصلحة البائع والمستهلك على حد سواء.. وبما يحقق للاقتصاد العالمي الازدهار والديناميكية للنماء وللوفاء أخذاً وعطاءً.
وأن هذا التوجّه الطيب مبعثه أن من ثوابت المملكة الاعتقاد بأن الاستقرار العالمي له أسسه ومقوماته ومؤدى ذلك تضافر الجهود لترشيد النظام الاقتصادي لمصلحة الأسرة الدولية.. وكذلك معالجة أسباب الصراعات والتوترات بالطرق السلمية لحلول عادلة وشاملة وبذلك تعود الحقوق لأصحابها ويرفع الظلم عن الشعوب المقهورة وفي مقدمتهم الشعب الفلسطيني الشقيق الذي يعيش معظمه في الشتات وتحت الخيام منذ أكثر من خمسين سنة رغم وجود قرارات واضحة وصريحة وصادرة من الأمم المتحدة يُفترض أن تحترم وأن تأخذ طريقها للتطبيق ولكن التعنت الإسرائيلي وبروز ظاهرة ازدواجية المعايير يحولان دون إعادة الحق إلى نصابه.. ولكن هذا الواقع المرير لن يستمر طويلاً لأن الدنيا بناسها الطيبين ما تزال بخير.
وأختمُ بما سبق أن عبّر عنه الملك فهد بن عبدالعزيز في هذا الخصوص (مازلنا نسمع نداء القدس يهز الأرجاء ومازلنا نرى الشعب العربي الأبي المسلم يتشرد كل يوم من وطنٍ إلى وطن ويتشتت بين الشعوب حتى الخيام التي تؤويه ولا تكاد تحميه أعزوها عليه فاحرقوها فوقه ودمروا الأرض تحته لا شيء يريد هذا الشعب أكثر من استرجاع حقه المسلوب والعودة إلى وطنه المغتصب وامتلاك حق تقرير مصيره).
هذا هو القائد الرائد الملك فهد بن عبدالعزيز - حفظه الله - الذي تعلمنا في مدرسته كيف تساس وكيف تقاس الأمور فكانت إضافة جوهرية لأركان حكومته لفهم طبيعة الأشياء ومتطلبات إصابة النجاح في أداء الواجب.
كما نبصر في شخصه الكريم الإنسان الفذ، رجل المواقف الصعبة الذي ما انفك يحمل بين جوانحه بكل ارتياح هموم وطنه.. وأمته بل والمجتمع الدولي بأسره.. آملاً أن تعيش جميع الشعوب في سلامٍ ووئام.


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved