يؤكد صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبد العزيز وزير الداخلية مقولته المشهورة في كثيرٍ من المناسبات التي مفادها أن (رجل الأمن الأول هو المواطن) وذلك إيحاءً من سموه للمواطنين بأن الأمن الذي تحرص عليه الدولة وتحتاجه هو نفس الأمن الذي يحتاجه المواطن ويجب أن يحرص عليه كما تحرص عليه الدولة تماماً لأمر يهم الجميع بدرجة متساوية ولما ننظر إلى هذا الأمر من المنطلق الشرعي نجد أن المواطن ملزم شرعاً بهذا بل إن الشرع الحكيم يحذر الجميع من الإخلال بالأمن أو تضليل العدالة، فقد لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم من آوى محدثاً أي من يخبئ مجرماً أو يساعده على الهروب كما أن الرسول صلى الله عليه وسلم نص على أن من أكبر الكبائر شهادة الزور وذلك لما تحدثه من تضليل عن الحقيقة وظلم للأبرياء، كما لعن النبي صلى الله عليه وسلم الراشي والمرتشي والرائش بينهما لما تحدثه الرشوة من فساد إداري يؤدي إلى القهر والظلم والعداوة والبغضاء بين أفراد المجتمع إذاً الحس الأمني مطلب إسلامي وإنساني واجتماعي يجب ألا تعوقه العصبية القبلية أو القرابة أو الصداقة لأن من نصرة الظالم دفعه عن ظلمه.
إن من لا يكترث لما يحصل في بيت جاره من أمور مخلة بالأمن حري بأن يصيبه لاحقاً ما أصاب جاره من سوء، فالمجتمع ما هو إلا لبنات مرصوصة يشد بعضها بعضاً وإذا هوت لبنة تداعى ما حولها للسقوط، ويخطئ بعض الناس حينما يتخوف من تباعات البلاغ عن جريمة أو عن خطر يهدد الأمن، فالأمر يستحق التضحية والمتابعة وفيه تبرز حقيقة المواطنة والانتماء بل والتدين قبل ذلك كله.
ويعتبر الأمن مطلباً مهماً لجميع الناس كيف لا والإنسان حينما لا يأمن لا يستطيع أن يتمتع بما حباه الله من نعم ولأهمية الأمن القصوى نجد أن الله لما ذم قريش لكفرهم ذكر أنه امتن عليهم بالأمن من الخوف مقروناً بالإطعام من الجوع فكأنه لا حياة سعيدة بلا أمن وهذا شيء لا يختلف عليه عقلاء.
والمحافظة على الأمن مهمة جليلة لا تقتصر على رجال الأمن فقط بل إنها مهمة الجميع، حيث يجب أن يكون الجار لديه حس أمني تجاه منزل جاره في حال غيابه أو سفره، والمواطن يجب أن يكون لديه حس أمني تجاه ممتلكات الآخرين وتجاه أمن بلده فمبدأ الأنانية في هذا الأمر مرفوض تماماً خصوصاً في ظل الظروف الراهنة وما تعايشه الأجهزة الأمنية من مطاردة للفلول المتبقية من أفراد الفئة الضالة التي كدرت على الناس صفو الأمن المتميز لهذه البلاد المباركة واساءت إلى الجهود الدعوية للشباب المتدين المعتدل بأفكار خاطئة لا تتوافق مع نهج السلف الصالح المستمد من كتاب الله وسنة رسوله الأمين وكتب أهل العلم الثقات المبينة للمقصود الصحيح من النصوص الشرعية وقد صدرت أكثر من فتوى من العلماء المعتبرين في كافة أرجاء العالم الإسلامي بهذا الشأن.
ونعلم أن الكثير من الحوادث الجسام كان مفتاح لغزها غالباً شهود العيان، وهذا الأمر يجب أن يؤخذ تدينا فإن العابثين بأمن البلد مفسدون يجب أن يؤخذ على أيديهم وأن يجتثوا من المجتمع، وهؤلاء المفسدون على ضربين.
الضرب الأول مغرر بهم من البسطاء الذين لم ينالوا من العلوم الشرعية الكم والكيف الذي به يفرقون بين الحق والباطل من وجهة صحيحة تتسم بالواقعية والبعد عن التطرف والحماس الزائد حيث يستغلهم المفسدون كأدوات لتنفيذ الدمار مقابل السراب.
والضرب الثاني: من اغتر بهم بعض المجتمع وظنوا انهم من أهل الرأي والمشورة لشهادات علمية حصلوا عليها أو لموهبة خطابية يتصفون بها لكنهم يخالط تفكيرهم شبهة أو شهوة، وهؤلاء من يجب الحذر منهم أشد الحذر لكونهم دعاة فتنة وضلال فلا محاباة ولا مجاملة ولا تساهل مع هؤلاء حيث الفتنة نائمة لعن الله من ايقظها.
والحل عند الاختلاف هو الرجوع إلى كتاب الله وإلى سنة رسوله صلى الله عليه وسلم فإن النبي صلى الله عليه وسلم تركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهار لا يزيغ عنها إلا هالك وان العلماء الثقات هم ورثة الأنبياء في هذا النور الساطع، وقد ارتضاهم المجتمع مفسرين ومبلغين ومفتين لكل ما هو من شأن الدين، وهذا الموضوع المهم يتعلق بالأمن الفكري حيث يتوجه السلوك سلباً أو إيجاباً حسب الانضباط الفكري، أو وجود لوث فيه، لذا كان لزاماً على المعنيين بتربية النشء الاهتمام بغرس القيم والمبادئ الإسلامية الصحيحة في نفوس المتلقين بعيداً عن التطرف والغلو والأسلوب العدائي غير المنضبط بمقاصد الشريعة السمحة والرسالة المحمدية المتسمة بالرحمة للعالمين.
|