كان حرياً بي أن أشيد بالملتقى الأول للمثقفين السعوديين، جرياً على العادة الموقرة لتبادل الامتنان المألوف، كوني كنت إحدى المدعوات، وكونها أيضاً كانت أول دعوة رسمية تلقيتها بفرح شديد مكنني من الانتماء فعلياً إلى هذه القامة ودفعني إلى الحضور. وبما أن كل التفاصيل كانت تبدو لي بداية في بداية، إلا أنني فوجئت بواقع الشق الثاني من الملتقى، وهو الهامش منه (دائرة الحريم)!
فالجو العام لم يكن موحيا أبداً بالاندماج في الخط الساخن الذي كان الرجال مستحوذين عليه بكل تمكن وأريحية، حين بدت لي بعض النساء وهن يتقافزن من مكان لآخر يتخاطفن الفرص، يتبادلن السلام والإشارات الاجتماعية المحضة، ربما لأن الفراق في المفهوم الثقافي واضح وجلي بين ما تطمح إليه المثقفة وما يتوافر لها، ولأن تجمعات كهذه يفترض أن تعنى بالشأن المؤرق في التفكير وتبادل الرؤى بما لايمس مهمة التبادل الثقافي واحترام الآراء والتوجهات. وهنا لن أخوض في تفاصيل التنظيم داخل قاعة النساء المثقفات والمفكرات ومن كن غير ذلك على اعتبار أنهن قد أتين بدواعي هذا الهاجس، فقد كانت الأمور في ظاهرها لا تتعدى تجمعاً لنساء حشرن في قاعة يمارسن قوة الصوت بجدارة وقمعه في جهة أخرى، كما لن أتجاهل مظاهر الفوضى بدءاً بتلك العبايات التي رصفت على الأرض في مكان يفترض أن يكون فيه شيء من التقدير المعد للحاضرات.
لكنني لا أنكر قيمة بعض المحاضرات التي ألقيت، ولا أستطيع إنكار ما كان يمثله حضور النساء اللاتي عزف شق كبير منهن عن الحضور، إلا أنهن آثرن وجودهن وطرح رؤاهن المختلفة والقيّمة، بينما كان الاستحواذ على المداخلات وإيقاف صوت بعض المشاهد لمجرد أن تقتحم إحداهن المشهد وتلقي محاضرة تنم عن عدم رضاها على ما كان يرسل لنا من قاعة الرجال.
كل ذلك بدا مظهراً عاقاً لعنوان يوحي بأن الثقافة للجميع، وأن مجتمعاً بحجم هذا المجتمع يحمل كثيراً من التناقضات بدأ يحبو صوب تقنين هذه المشاكل والوصول إلى منفذ صريح للتقارب وإقصاء منابذ الاختلاف والنفي والعزلة على الصعد كافة.
كل ما التقطته حواسي حينها لم يكن يوحي بشيء سوى أن المرأة ما زالت فائضاً يقحم في مثل هذه المشاهد، ولو أن المنتدى كان مسجلاً وليس شبه حي لربما كان أفضل، حتى لو كان ضبط إيقاع الاختلافات بشكل حضاري يتماهى مع دعوة ورسالة المنتدى البكر هو أحد أهم دوافعه، وأن شيئاً منافياً للفكرة الأساس كان يمكن حدوثه عطفاً على طريقة وأسلوب مثل تلك الاقتحامات.
قد تكون نظرتي مقننة، وقد تكون الفائدة المرجوة في طريقها الصحيح، لكن الذي لم يحدث هو الأفضل، وهو أن حضور المرأة لم يكن بشكله الموازي للهدف الأساس، وأن وقتاً سيكون مجهداً بالفعل سيتحمل نتائج هذا التصدع في النظرة الواحدة لفكرة واحدة تتسيد معظم الأفكار ولا تحتمل النظر إلى أطياف أخرى لا تتماهى معها.
ما لم يجب أن أنساه فعلاً أن التوصيات التي سكبت على مسامع الرجال والنساء قد صيغت بمنأى عن هذا الحضور النسائي الذي حمل على عاتقه محتوى المثقفين رجالاً ونساءً على السواء بينما كان الانفراد بالتوصيات الذكورية الخالصة صدمة أخرى جعلتني أتساءل: كم من الوقت سنحتاج كي نعتق المبرر من مشاركة المرأة من ازدواجه وتناقضه؟
|