* توصلت قبل عدة أشهر مضت، بكثير من الملاحظات المهمة، التي أفضى بها طلاب كثر من المعاهد العلمية، التابعة لجامعة الإمام (محمد بن سعود الإسلامية) ، ثم توصلت مؤخراً، برسالة موقعة من عدد من معلمي هذه المعاهد، ونظرا لأهمية هذه الرسالة، ولكونها تعكس وجهة نظر عدد كبير من القائمين على (المعاهد العلمية) ، ثم انها تتفق في كثير مما تتطرق اليه، مع ما يطرحه كثير من طلاب هذه المعاهد، فإني أعرض الرسالة هنا كما وردت، دون تدخل يذكر، إلا فيما يتعلق بتصحيح، أو تصويب إملائي أو لغوي رأيت ضرورة له.
* تقول الرسالة.. بل يقول معظم منسوبي المعاهد العلمية، من معلمين وطلاب:
* نسوق اليكم فيما يلي، بعضاً مما نعانيه، نحن معلمو المعاهد العلمية المنتشرة في انحاء المملكة، فنأمل اثارة هذا الموضوع اعلامياً، عبر مقالكم الاسبوعي، وايصال صوتنا، الى كافة المسؤولين، الذين يعنيهم امرنا في هذه المعاهد، فقضيتنا تتلخص في تعاظم شعورنا بالعزلة عن المجتمع، حيث إننا بالفعل معزولون عن جميع القطاعات التعليمية، كوزارة التربية والتعليم، والمؤسسة العامة للتعليم الفني، فلا نشعر بالانتماء لأي من هؤلاء.. فلا مشاركات معهم، ولا تعاون أو انشطة او دورات.. ونحن نعيش بمعزل عنهم، وهم ايضا، (لا يعترفون) بالمعهد العلمي الوحيد في كل محافظة، ولا يأبهون به حتى طلابنا يعانون من هذه المشكلة، فهم يشعرون بالغربة تجاه المدارس الاخرى.. وكأنهم من دولة غير دولتهم التي يعيشون فيها.
* أصبحت المعاهد العلمية للأسف، ك (الضمان الاجتماعي) ، فلا يأتي اليها في الغالب- نقول في الغالب- إلا أبناء الاسر المحتاجة والفقيرة.. وبذلك يأتي الينا طلاب، اكثرهم من الضعاف، حيث تعلم- حفظك الله- كيف يكون محيط وبيئة هذه الأسر، التي تفتقر عادة، الى التوعية في مجال العلم، والاهتمام بالدراسة، لأن همهم ينصب بالدرجة الاولى، على المكافأة الشهرية، التي تعطى للطالب.. وأما الدراسة، فلا تدخل ضمن اهتماماتهم غالباً.. وبذلك اصبحت المعاهد العلمية للأسف، تستقطب طلاباً لا يمتون للعلم بصلة، هذا في الغالب، كي لا نظلم بقية الطلاب المميزين.. حتى صار هذا النوع الغالب والسائد من الطلاب الضعاف، علامة وميزة للمعاهد العلمية.
* نحن بصراحة ووضوح، تعبنا كثيراً معهم.. ومن التعامل مع مثل هؤلاء الطلبة، خصوصاً اذا كانوا بهذه الكثرة، فيصبح علاج هذه المشكلة عند ذاك، صعباً للغاية.
* ان عدم قدرة معلمي المعاهد العلمية على التنقل- كما هو حاصل في مدارس وزارة التربية والتعليم، حيث تعلم يا سيدي، بأن كل محافظة في المملكة، يوجد فيها معهد علمي واحد فقط، وبالتالي، ليس امامك كمعلم في معهد علمي، إلا ان تنقل نقلا خارجياً من هذه المحافظة، الى محافظة اخرى.. هذا اذا استطعت ان تجد لك مكاناً في المعاهد الاخرى.
* لا تتصور يا أستاذ حمّاد، كم قد تسرب الينا الممل، وبدأنا نشعر بالضيق والضجر، حيث الروتين الممل.. نفس المدرسة.. نفس المدرسين.. نفس الإدارة.. نفس الفصول.. بل ونفس الطلاب..! لأنهم يبدءون من السنة الاولى المتوسطة، حتى الثالثة الثانوية، أي يقضون في المعهد ست سنوات، فضلا عمن يعيدون السنوات.
* نحن لا نشعر بأي تجديد.. حتى حماسنا ذبل.. وعزيمتنا انطفأت.. وقوانا خارت.. من عدم التجديد، ومن الملل الذي نكابده، وخصوصاً ونحن نرى زملاءنا في وزارة التربية والتعليم، يتنقلون كيف شاءوا، ويغيرون بين مدرسة واخرى.. مرة تجدهم في المدارس الابتدائية، ومرة في المدارس المتوسطة، ومرة أخرى في المدارس الثانوية هذا فضلا عمن لديهم طموحات، فهم يصلون الى مناصب قيادية، فيصبح منهم وكلاء مدارس، ومديري مدارس، ثم يتطور ببعضهم الحال- خاصة المميزين منهم- فيصبحوا مشرفين، وبعضهم يحصل على دورات علمية داخلية او خارجية، وهلم جرا، من فرص كثيرة، لا تعد ولا تحصى، هي فقط من نصيب زملاء لنا في التعليم العام، ونحن محرومون منها.
* أما نحن المساكين فللأسف، مكانك سر.. لا تغيير يذكر، ولا طموحات تشكر، ولا وكالة أو إدارة، أو حتى إشرافا تربويا، ولا دورات علمية أو تربوية، ولا شيء من هذا كله، وكأننا من عالم آخر..!!
* تصور.. ان المعلم في هذه المعاهد العلمية، يظل على ما هو عليه، حتى يتقاعد أو يموت، من دون أي تجديد أو حوافز مادية او معنوية..؟!
* فهل تعتقد يا استاذنا الفاضل، ان هذا في مصلحة المعلم..؟ كيف يطلب مني أن أبدع في مجالي، وأنا أردد كالببغاء، مقرراً في الرياضيات، منذ أكثر من عشرة أعوام..؟! وكيف يطلب مني أن أبدع، وأنا أرى في نفسي بعض المواهب والقدرات الكامنة.. ولكن للأسف لا استطيع ان اعبر عنها، او حتى اتفوه بها، لان المحيط الذي اعيشه، لا يسمح حتى بمجرد الافصاح عن مواهبك وقدراتك وطموحاتك..؟!
* صدقنا يا استاذنا، ان هذا الجو الكئيب، يعيشه اغلب من يعملون في المعاهد العلمية، ونحن وهم زملاء، ونلتقي ببعضنا كثيرا، ويعرف كل منا شعور الآخر.
* أما بالنسبة لتطوير المعلمين، فهذه للأسف، آخر اهتمامات (جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية) ، هذا اذا كانت من ضمن اهتماماتها اصلا.. حيث يقضي المعلم ردحاً من الزمن، لا يعرف عنه شيئاً، ولا يلاحظ ولا يقيم حتى المشرف او الموجِّه كما يسمى سابقاً، والله.. وهذا هو الواقع، لا يأتي إلا مرة كل ثلاث أو خمس سنوات..!
* بالله عليك، كيف تتصور معلماً يتطور ويتحسن وينتج، وهو ليس له من يتابعه أو يوجهه؟؟.. هل هذا تعليم؟؟
* كذلك.. فإن من معاناتنا داخل هذه المعاهد، الأنشطة الطلابية، التي اصبحت كالذكريات عند طلابنا.. حيث لا تعير (جامعة الإمام) هذا الموضوع، إلا اهتماماً بسيطاً لا يكاد يذكر، فطلابنا يصابون بالغيرة والغبن، وهم يرون طلاب وزارة التربية والتعليم، وما يوفر لهم من أنشطة ومسابقات وحفلات ورحلات، ثم يسائلوننا دائماً: لماذا لا تضعون لنا انشطة مثلهم..؟ أو على الأقل، تدمجوننا في انشطتهم؟ فنصاب بخيبة أمل مريرة، ونطرق رؤوسنا خجلاً وحياء، لا ندري ما نقول لهم، أو بماذا نرد عليهم..؟
* أخيراً.. يا أستاذنا الفاضل، وبعد كل هذه المعاناة، ما نرجوه منك، هو ان توصل صوتنا هذا، وتعرض مطالبتنا هذه، بدمج المعاهد العلمية، مع وزارة التربية والتعليم، وان نكون تحت اشرافها، كما حصل في مدارس تحفيظ القرآن الكريم، ومدارس الحرس الوطني، ومدارس وزارة الدفاع، ومعاهد التربية الفكرية، حيث تستقل هذه المدارس والمعاهد، بمناهجها ومقرراتها، وهي تحت اشراف وزارة التربية والتعليم فنحن لا نمانع- بل نسر- حين ننضم لوزارة التربية والتعليم، وتبقى المقررات كما هي، دون تغيير، وذلك لكي تكون لنا فرصة، لنتطور ونتنقل في مدارس الوزارة، ونحصل على فرصنا في التغيير والوصول الى مناصب وكيل ومدير ومشرف، خاصة وان معهداً علمياً واحداً في كل محافظة لا غير، أي مدرسة واحدة فقط، سوف تضم وتلحق بإدارة تعليمها.. وبهذا تكون الدولة حفظها الله، قد حركت هذه المياه الراكدة، نعني بها هذه المعاهد العلمية، دون أن تفقد هذه المعاهد هيبتها وشخصيتها.
* ووالله يا أستاذنا، إننا تأخرنا بهذا الخطاب، لأننا كنا نسمع كل عام، أن هناك محاولات تجري، لدمج المعاهد العلمية بوزارة التربية والتعليم، فنسر ونؤمل خيراً، إلا أننا نصاب بخيبة أمل، كلما طال الزمن، ولم يتحقق شيء من ذلك.
* فهل تطالب لنا أستاذنا، بقرار تاريخي ومصيري، بدمجنا- كما حصل في القرار التاريخي، الذي دمج رئاسة تعليم البنات، مع وزارة التربية والتعليم، رغم التعقيدات الشديدة، بين مسؤوليات الجهتين، إلا أنه الان اصبح شيئاً عادياً، وتعود عليه المجتمع، والقرار التاريخي الآخر، الذي دمج جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، مع جامعة الملك سعود في القصيم، فما بالك بنا نحن في المعاهد العلمية، التي لن يشكل دمجها أي مشكلة تذكر بين الجهتين، فقط تعديلات إدارية بسيطة، لن تتجاوز عدة أيام، ثم يكون كل شيء على ما يرام.
* انتهت الرسالة، التي تحمل صوتاً واعياً يرتفع من داخل المعاهد العلمية في عموم المملكة، والتي تتوافق في طرحها مع شكاوي الطلاب كذلك، فهناك شعور بالعزلة والملل والجمود، وهناك - كما هو واضح- رغبة في التغيير والتجديد والتطوير.. وعلى العموم، هناك من وجهة نظري، حالة تمس الاف الطلاب والمعلمين، الذين يعانون من نمطية تعليمية احادية، تمس الاف الطلاب والمعلمين، الذين يعانون من نمطية تعليمية احادية، في حين ان مظلتهم (الطبيعية) جميعاً، هي وزارة التربية والتعليم، فهم ضمن قطاع التعليم العام، إلا أن سيرهم لا يتوافق مع هذا الواقع، ويتضاد مع رغباتهم، فما المانع من دمج هذه المعاهد مع وزارة التربية والتعليم..؟؟
* لماذا لا نعيد النظر في المعاهد العلمية، ونتفهم الصعوبات التي تواجه طلابها، سواء على مقاعد الدراسة، أو حتى بعد تخرجهم، حيث تضيق في وجوههم سبل التحصيل العلمي والوظيفي..؟!
* ولماذا لا نستفتي منسوبي هذه المعاهد، من طلاب ومعلمين، لنعرف عن قرب وبكل شفافية، مدى معاناتهم، ومبلغ رغباتهم، وما قد ينتج عن عزلتهم هذه في المستقبل، من آثار نفسية وفكرية واجتماعية..؟!
* أرجو أن تكون الرسالة وصلت، الى كافة المعنيين بالأمر، سواء في اللجنة العليا لسياسة التعليم، أو مجلس الشورى، أو جامعة الإمام، أو وزارة التربية والتعليم.
* وتحية لكافة إخواننا وأبنائنا في كافة المعاهد العلمية.
fax: 027361552
|