من غازي بن عبد الرحمن القصيبي
قرأتُ يا أخي في الحرفة الكئيبة مقالتك
التي عقَّبْتَ فيها على محاضرتي..
بأسلوب باطنه الإعجاب..
وظاهره العتاب..
وأنا أعرف الحِيَل الأسلوبية كما تعرفها..
وأودُّ أن أقول لك..
وأرجو أني صادق فيما أقول..
إني في كل هجوم شَنَنْتُهُ على الرقابة في الماضي..
أو أشنُّهُ عليها في الحاضر..
أو يمكن أن أشنَّهُ عليها في المستقبل..
في كلِّ هجوم بلا استثناء..
كان همِّي ينصرف إلى (الظاهرة)..
إلى (الفكرة)..
ولا ينصرف إلى رقابةٍ بذاتها..
أو رقباءَ بأعينهم..
وعندما قلتُ: إني لا أعني رقباء
صديقنا العزيز الدكتور فؤاد الفارسي..
لم أكن ألجأ إلى التّقيَّة
أو إلى مجاملة الزميل..
كنتُ أتحدَّث عن حقيقة موقفي..
وأنت تعرف، كما أعرف،
كما يعرف وزير الثقافة والإعلام..
أن رقابته الرسمية تُهوِّن عنه..
الرقابات الأخرى..
التطوُّعية.. أحياناً..
والمُسيَّسة.. أحياناً أخرى..
والغوغائية.. تارة..
والمرتَّبة بعناية.. تارة أخرى..
وبعد:
أنت تعرف يا محمد..
أننا جميعاً رقباء..
منهم، ربما في مقدِّمتهم،
كاتب هذه السطور..
هل لدينا أبٌ يحترم حقَّ ابنه
في غرفة لا يجوز للأب دخولها
إلا بإذن؟!
وفي رسائل لا يجوز فتحها؟!
وفي حقائب لا ينبغي تفتيشها؟!
هل هناك أبٌ كهذا؟!
ربَّما..
ولكنَّ الغالبية الساحقة من الآباء
رقباء..
والغالبية الساحقة من الأمهات..
رقيبات..
ورئيسك في العمل يودُّ أن
يعرف مع مَنْ تتحدَّث..
وزميلك في العمل يتوق إلى
كشف السبب الذي يجعلك
تبدو سعيداً..
والذي يزور بيتك يودُّ أن يعرف
هل هو ملك أو إيجار..
وإذا كان ملكاً فكم كلَّفك؟
وإن كان بالإيجار فما مقدار الإيجار؟
هذا وأنت لا تكاد تعرفه.
كلُّ مَنْ يزور بيتك يريد
أن يُعيد ترتيبه على مزاجه..
يُضيف هنا.. ويُلغي هنا..
حتى لباسك.. يا أخي العزيز..
هذا لا يريد أن ترتدي الشماغ..
وهذا لا يريد أن تعتمر الغترة..
وهذا يُصلح لك البشت
(إذا كنتَ من أصحاب البشوت).
وحتى طعامك.. يا أخي العزيز..
هذا يمنعك من أكل الطماطم؛ لأنه
قرأ في جريدة تصدر في الإسكيمو
أن الطماطم تؤدِّي إلى فقر الدم..
وهذا ينهاك عن (السبانخ)؛ لأنها
تسبَّبت في تسمُّم خالته..
وهذا ينصحك بأكل الثوم المركَّز
مع كل وجبة.. لتتعطَّر أنفاسك..
هل أُضيف؟!
أعتقد أننا جميعاً رقباء..
نسمح لأنفسنا بالتفكير نيابة عن الآخرين..
ونبيِّن لهم ما يجوز ولا يجوز
أن يفعلوه..
أو يفكِّروا فيه..
أو يأكلوه..
أو يشربوه..
والله وحدَهُ المستعان.
|