Saturday 2nd October,200411692العددالسبت 18 ,شعبان 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "محليــات"

يارا يارا
سياحة داخلية
عبدالله بن بخيت

جاء سعود الشاوي إلى حيالة الاجتماعات وهو واثق من كسب القضية، فقد أبدينا في المفاوضات السابقة كثيراً من الضعف حتى دفعناه إلى التصلب،
لا يمكن أن نتخلى عن مشروع السفر إلى الشرقية مهما كان السبب، سعود يعرض مائة وعشرين ونحن نحتاج إلى مائة وخمسين كحد أدنى، حتى لو لطشت رادونا وبعته فلن يضيف أكثر من اثني عشر ريالا، سوف يسبب مشكلة كبيرة من جهة ويقدم حلا صغيرا من الجهة الأخرى، المغامرات يجب أن تكون على مستوى النتائج المتوخاة منها، تخلينا عن فكرة لطش بعض الأدوات من منازلنا وتصريفها وركزنا جهودنا على الغنمة فالغنمة هي الحل المثالي إذا دفعنا سعود إلى الشراء بالسعر الذي حددناه طرحت فكرة البيع بضمان وهي ان نسلم سعود الغنمة ويسلمنا المبلغ المطلوب وإذا لم يستطع ان يبيعها بسعر أعلى من السعر المتفق عليه يستطيع اعادتها إلينا أو يبيعها وندفع له الفرق مستقبلا، هذه فكرة تبدو جيدة ولكنها خطيرة سنرهن أرقابنا في يد سعود الشاوي، سنكون موضع تهديد مستمر منه حتى يبيع الغنمة بالسعر الذي يريده. أقلعنا عن الفكرة وقررنا ان تكون البيعة نهائية لا ثغرات فيها، يعني خذ الغنمة وعطنا الفلوس ولا تعرفنا ولا نعرفك.
كان سعود في عجلة من أمره وهو كذلك دائما. كنا نريده ان يجلس ويتباسط حتى يكون مستعدا نفسيا للتنازل. لكنه أصر على الوقوف فتركناه واقفا. افهمناه عدة مرات ان اصراره على مائة وعشرين يعرض الصفقة كلها للخطر. نحن لا نفاوض لتحسين الصفقة نحن أمامنا هدف لا يحققه سوى مبلغ مائة وخمسين فما فوق. لم يستطع سعود ان يستوعب الأمر، ولكننا بدأنا نثير فضوله ليعرف لماذا نصر على هذا المبلغ. قررنا اخيرا اخباره بالأجزاء السياحية من المشروع دون اخباره بالتفصيل الدقيق المؤدي إلى شاطئ نصف القمر. فقلنا له: هدفنا هو السفر للشرقية، فقال: (تسرقون الغنمة وتبيعونها عشان تسافرون وش عندكم في ذاك)، لم ننازعه على تحسين ألفاظه، لا نريد أن نجر إلى قضايا جانبية، أصبحنا الآن في العشرين من الشهر الفضيل ولم يبق على عطلة العيد سوى أيام معدودة، أصبح الوضع في غاية الحساسية، لن نترك سعود يعبث بتطلعاتنا، فقلنا له: نريد ان نركب القطار وشرحنا له ما هو القطار. لم يقتنع بأن ركوب القطار سبب كاف لمغامرة بهذا الحجم، صحيح انه شاوي ولكنه كان ذكيا، فتقدمنا خطوة واخبرناه عن التلفزيون، صندوق تشوف في داخله صورا أو أناس يتحركون وبنات يغنون ورجال يطامرون، نقلنا له كل ما قاله الرجل الذي التقيناه عند دكان هاشم، لم يستطع خياله تركيب صورة مثيرة للتلفزيون، لم يفهم فكرة التلفزيون من اساسها.. فبقي رد فعله على حاله، فقررنا اضافة البحر لتعزيز قوة اقناعنا، ولكن عن أي البحار نخبره؟ البحر المتلاطم بالمياه المالحة الذي اخبرونا عنه في المدرسة أم البحر الذي يدبغ الجلود البيضاء ويحولها إلى برونز وكاكاو؟
وقبل ان نقرر قال سعود بعد ان تحرك مؤذنا بالرحيل: انتو ما عندكم سالفة تبون المية وعشرين اهلا وسهلا ما تبون بكيفكم. كانت لحظة حاسمة لا تحتمل التفكير المتأني. لحظة يجب ان تتلاقح فيها الحكمة والشجاعة وسرعة البديهة. كنا متفقين وعلى قلب واحد لكن الفروق الفردية بين البشر تلعب دورا كبيرا في خلخلة الاجماع وبعثرة الآراء. قبل أن نفكر بطريقة جماعية لكي نحتفظ بسعود مدة اطول، نط احدنا وهو بطبعه مرجوج وقال: بصراحة يا سعود حنا بنروح للشرقية عشان نشوف الامريكانيات.
حتى الآن استطيع أن أتخيل التحولات الكيمائية التي جرت في دماغ سعود الشاوي عندما سمع كلمات امريكانيات وخاصة عندما صرخ قائلاً:
الكافرات الحمر، كان واقفا طوال ساعتي المفاوضات السابقة، في كل لحظة يهدد بالرحيل، فجأة تغير كل شيء داخله، سحب اقرب لبنة من بقايا بناء مجاور ووضعها بطريقة من سيجلس إلى الأبد ثم قال:
(اعقبوا يا بزران الشياطين وش دراكم).. بدا صوته يتهدج كمن خنقته العبرة من فرح لم يتخيل حدوثه: (منيب معطيكم مائة وعشرين في الغنمة ابعطيكم مائتين وان بغيتوا اكثر)، وقبل ان نعبر عن ابتهاجنا بالتحول الدراماتيكي في دماغ سعود الشاوي عاد وقال: (بشرط). صرخنا كلنا بصوت واحد: (اشرط يا طويل العمر). يمكن ان نتخيل كل الشروط الا ان يقول: (شرطي تاخذوني معكم). بدا واضحا اننا خدشنا جرحا مزمنا في قلبه. أخذ يحدثنا عنهن بتفاصيل غريبة تختلط فيها الحقائق بالاساطير. تؤكد ان خلايا دماغه التهبت حد الاحتراق بأخبار المتشمسات، اكيد انه سمع الاخبار متواترة، لكن كل شيء يمكن تخيله إلا ان يكون سعود الشاوي رفيقنا على شاطئ نصف القمر.. نكمل في يوم الاثنين القادم


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved