Saturday 2nd October,200411692العددالسبت 18 ,شعبان 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "محليــات"

دفق قلم دفق قلم
الغِيلَة والغالية
عبد الرحمن صالح العشماوي

تواترت الأخبار، وتواصلت إلى (واصل بن عطاء) الأديب المعتزلي ذي المقدرة البلاغية والبيان، عن الشاعر بشار بن برد الذي كان يُكثر من التجاوز في كلامه المنثور وفي شعره، ولا يتورَّع عن الإلحاد في قوله دون رادعٍ من دين، أو خوفٍ من الله، كقوله حينما سمع جارية تغنِّي ببعض أبياتٍ من قصيدته: (هذه الأبيات أحسن من سورة الحشر) - نستغفر الله من هذا القول -، وكقوله في شعره:


الأرض مظلمةٌ، والنَّار مشرقة
والنار معبودةٌ مُذْ كانت النَّار

وكأحاديثه في مجالسه عن (دين الرَّجْعَة) الذي يدَّعي أصحابه أن الإنسان يرجع إلى الدنيا بعد موته منكرين بذلك الآخرة، وقوله إن الأمَّة كلها كافرة، وقوله بصواب عصيان إبليس - نعوذ بالله منه - وادّعائه أن النار أفضل من الطين، وقوله لمروان بن أبي حفصة الشاعر في حديثٍ جرى بينهما: يا بنيَّ أما ترى أنَّه لم يبق أحدٌ أعلم بالغيب من عمك، وغير ذلك من الأقوال التي تدلُّ على فساد الاعتقاد.
لما تواترت الأخبار بذلك غضب واصل بن عطاء فقال:
(أما لهذا الأعمى المشنَّف المكتني بأبي معاذٍ من يقتله؟ أما والله لولا أن الغِيلةَ سجيَّة من سجايا الغالية لبعثت إليه من يبعج بطنه في فناءِ بيته في يومِ حَفْله).
ولما سمع بشار برأي عطاءٍ فيه، قال يهجوه:


ما لي أشايع غزَّالاً له عُنُقٌ
كنِقْنِق الدَّوِّ إنْ ولَّى وإنْ مثَلا
عُنْقَ الزّرافةِ ما بالي وبالكمو
تكفِّرون رجالاً كفَّروا رَجُلا

وتشير كتب البلاغة العربية والأدب إلى مقدرة واصل بن عطاء التي ندر أن تتوافر لغيره من البلغاء، فقد كان يعاني من لَثْغةٍ قبيحةٍ في حرف الرَّاء، ولذلك كان يحاول أن يتجنَّب حرف الراء في معظم كلامه، وكان ينجح في ذلك غالباً، ومن بين كلماته الخالية من حرف الراء الكلمة السابقة التي وجهها إلى بشار بن برد، حيث خلت من حرف الراء بالرغم من أنه يتحدَّث عن شاعر تتكرر الراء في شعره، فهو بشَّار بن برد، وكان يلقَّب بالمرعَّث، وكان يتهم بالكفر، وكان يحضر مهرجان النّيروز النصراني، ومع ذلك فقد تجنَّب واصل هذه الرَّاءات وأتى بكلمات خاليةٍ من الرَّاء تؤدي المعنى.
أمَّا سبب إيرادي لهذا القول هنا فهو الإشارة إلى الأذى الذي يحدثه من يتحدثون بكلام سيئ عن الدين من الأدباء والمفكرين في نفوس المسلمين الغيورين على دينهم، والإثارة التي يسببها ذلك الكلام الصارخ ويشعل بها نيران الغيرة التي قد تُفقد بعض الناس قدرتَهم على التحمُّل فيحدث العنف الذي تعاني منه بعض المجتمعات البشرية، ويعجز عن التحكُّم فيه العقلاء والعلماء.
هذا واصل بن عطاء وهو رجل ذو علم وعقل - مع اختلافنا معه في مذهبه الاعتزالي - يقول مهدِّداً لبشار: (أما والله لولا أن الغِيلةَ سجيَّة من سجايا الغالية لبعثت إليه من يبعج بطنه)، ومعنى قوله: أنه لولا أنَّ قَتْلَ الناس غِيلةً أي (الاغتيال) لا يجوز، وأنه من صفات الفرقة الغالية، يقصد بذلك الخوارج، لأرسلت إلى بشَّار من يبعج بطنه على إلحاده وكفره - وكان بشَّار كبير البطن -، هذا يضع أمام أَعيننا صورةً سيئة ذات أثر سيئ لهؤلاء الذين يتجرأون على دين الإسلام، وعلى ربِّ الأنام، وعلى الأنبياء والمرسلين عليهم السلام، لأنهم يثيرون بذلك بعض الذين يغلب انفعالُهم على اتزانهم، وتطغى مشاعر غضبهم على عقولهم، ويثيرون البلبلة والاضطراب في نفوس الناس.
إشارة:


شتان بين الناس في أهدافهم
شتان بين عصاً وبين حسام


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved