Saturday 2nd October,200411692العددالسبت 18 ,شعبان 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "الإصدار الدولى"

عالم المصريات .. سيرة باحث مجنون عالم المصريات .. سيرة باحث مجنون

الكتاب : The Egyptologist
المؤلف: Arthur Phillips
الناشر: Random House
تحمل الرواية الجديدة للكاتب الأمريكي أرثر فيليب اسم (عالم المصريات) وهي لا تقل أبدا عن روايته التي صدرت عام 2002 تحت اسم (براغ) واحتلت قائمة أكثر الكتب مبيعا. كما أنها تفيض بكل الموهبة والمهارة التي ظهرت في رواية (براغ) من قبل. والحقيقة أن هذا العمل الجديد ليس رواية بالمعنى المفهوم ولكنه في الوقت نفسه ليس كتاب تاريخ ولكنه مزيج من الاثنين فهو يقدم أحداثا واقعية قي قالب روائي جديد من خلال مجموعة من الرسائل والبرقيات التلغرافية والقصاصات الصحفية واللوحات والتحليلات العلمية والأشعار القديمة. فهذا الكتاب يفتح أمامك ما يشبه القصر المملوء بالغرف الغامضة. ولكن يجب أن تنتبه إلى حقيقة أنه لا يجب أن تثق في أي شخص قرأ هذه الرواية وبخاصة هؤلاء الذين يقدمون عروضاً لها لأنهم ربما يفسدون عليك متعة قراءتها.
ومن بين الأصوات الرئيسية التي ترد في هذه الرواية ببراعة شديدة صوت رالف تريليبوش ذلك الاستاذ الشاب لعلم المصريات في جامعة هارفارد الأمريكية في النصف الأول من القرن العشرين. فهذا الباحث الشاب كان مترجما بارعا ورقيقا في الوقت نفسه لأشعار الفرعون (أتوم) والمشكوك في نسبتها لهذا الفرعون. وكان رالف قد سافر إلى مصر عام 1922 بتمويل من إحدى شركات المتاجر الأمريكية الكبرى في مدينة بوسطن من أجل البحث عن مقبرة الفرعون أتوم. وقد كانت هذه المهمة بالنسبة له مهمة بسيطة حيث أنه كان قد جمع عددا من الأدلة التي ستساعده في مهمته خلال خدمته بالجيش البريطاني في الحرب العالمية الأولى. وفي رواية (عالم المصريات) نقرأ الكثير من الرسائل المتبادلة بين رالف و خطيبته والتي تضمنت وصفا دقيقا لرحلته المثيرة والغامضة بين الأثار المصرية.
والحقيقة أن شهرين من البحث والاستكشاف قدما مثالا بالغ الطرافة لسيطرة الوهم على الباحث فهو يتحدث عن المومياوات الفرعونية ويحصيها قبل أن يكتشفها. والحقيقة أن الحديث عن الاكتشافات التي كان رالف يحلم بتحقيقها في اليوم التالي والمجد الذي ينتظره عندما يعود إلى منزله استغرق الجزء الأكبر من الرسائل التي كتبها رالف بخط يده. وقد فرض ذلك عبئاً كبيراً على المحرر الذي تولى إعادة تحرير هذه الأوراق قبل نشرها ضمن مطبوعات جامعة هارفارد.
يقول رالف في أحد أحلام اليقظة التي سجلها في أوراقه (استطيع سماع أصوات الترحيب بي في وادى الملوك حيث مقابر الفراعنة) .
والحقيقة أن هذا المستكشف كان يعمل في مصر بدون ترخيص وبمساعدة مجموعة صغيرة من المصريين مما دفع المستكشف العظيم هيوارد كارتر مكتشف مقبرة توت عنخ أمون والذي كان يعمل في مصر إلى القول عنه أنه (ضيف بلا هدف).
في المقابل كان رالف مبهورا بآخر ملوك الدولة المصرية الوسطى التي حكمت مصر حتى عام 1650 قبل الميلاد. فعندما هاجم الأعداء مصر من جميع الاتجاهات كان الملك أتوم هود آخر ملوك الدولة الوسطى على قدر من الشجاعة لكي يرسم لنفسه صورة جعلت رالف يعتبره مثله الأعلى.
وبعد رالف ورسائله ننتقل إلى رسائل باحث آخر جاء إلى مصر بعد ذلك بثلاثين عاما وهو هارولد فيريل وهو محقق خاص جرى حجزه دون إرادته في منزل استرالي. في أوائل العشرينيات من القرن العشرين استعانت به شركة استشارات قانونية بريطانيا كانت تتولى دعوى قضائية معقدة وبعثت به إلى مصر. وبعد ذلك أخذت تحقيقاته في هذه القضية اتجاها آخر تماما فيما بعد عندما وقعت جريمة قتل مزدوجة لم يكن متورطا فيها أحد غير رالف تريليبوش.
والحقيقة أن فيريل اعتمد على الكثير من القصاصات الصحفية والملاحظات الثاقبة من أجل تقديم تفنيد دقيق وصادق لرواية رالف المليئة بالأكاذيب والادعاءات. ولكن سرعان ما ظهر أن فيريل نفسه لم يكن أكثر من شخص مريض بجنون العظمة لا يرى في مرآة الدنيا سوى نفسه. فقد تجاهل الكثير من الحقائق التي قابلته أثناء التحقيقات وشهادات العديد من الأشخاص الذين قابلهم. وعلى مدى صفحات كتاب (عالم المصريات) نواجه العديد من الدعاوى والدعاوى المضادة ونبدو وكأننا ننحت في الصخر من أجل رسم ملامح صورة واضحة لحياة هؤلاء الذين جذبهم غموض وكنوز الحضارة المصرية القديمة وبخاصة خلال النصف الأول من القرن العشرين. ولكن هذا الغموض والتناقض يبدو ممتعا في حد ذاته.
ومن بين كل تلك القصص التي يحفل بها الكتاب فإن مؤلفه الذكي يصل إلى حقيقة أخرى بعيدا عن الروايات للفرعون الأخير والمغامرات المثيرة لعلماء المصريات تقول إن الناس يسيئون تقديم أنفسهم ويسيئون تقديم الآخرين بدرجة مؤسفة نتيجة عبور الخط الرفيع بين الثقة وخداع النفس.
وفي لحظة صفاء نادرة يقول رالف تريليبوش (كلنا مازلنا مصريين).
ويبدو أن هؤلاء العلماء تأثروا كثيرا بتراث الفراعنة الذي انبهروا به فهؤلاء
الفراعنة كانوا يحرصون على خلق صورة عظيمة جدا لأنفسهم ليس فقط لكي تبقى على مر السنين ولكن أيضا لكي تخفي من سبقهم من الملوك. وكذلك فعل الجيل القديم من علماء المصريات.


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved