هل ستبدأ الحرب الأهلية في العراق كما يبشر بها الإعلام الأمريكي والبريطاني والإسرائيلي الآن؟ الأمريكيون استوعبوا في النهاية، بعد كل هذا الدمار الشامل الحاصل في العراق، استوعبوا أن الاحتلال لن يصنع أبدا سعادة البشر، وأن التغيير بلغة السلاح والصواريخ جو- أرض لن تقيم الديمقراطية على اعتبار أن الديمقراطية تعني خيار الشعب، ولن يظن أي إنسان في العالم مهما كان ساذجا ان الشعب العراقي سعيد بالديمقراطية التي أحضرتها له القوى العظمى على شكل احتلال وتدخل سافر في مصيره، على شكل الطائرات والدبابات الحربية وفي أقدام المارينز الثقيلة.
اليوم، قرر الرئيس الأمريكي أن الوضع في العراق صار خطيرا، وأن انسحاب القوات الأمريكية من هذا البلد سيكون تفاديا للبقاء وسط الحرب الأهلية المحتملة. وكأن الخطة الغربية قد اكتملت في العراق ولم يبق سوى إدراج عبارة (الحرب الأهلية المحتملة) لصياغة جديدة للوضع القادم والذي ينذر فعلا بالتصعيد الأخطر والأقوى.
هل الشعب العراقي اختار ما يحدث له؟ لو جزمنا أن الديمقراطية هي خيار شعبي في الأول والأخير، فهل اختار الشعب العراقي ديمقراطيته الراهنة؟ لقد عاش العراقيون جحيم صدام حسين لأكثر من خمسة وثلاثين سنة. عاشوا رعبه وإرهابه ودكتاتوريته تماما كما عاشها جيران العراق الذين كانوا بدورهم يتلقون الضربات في الظهر من النظام العراقي المخلوع، لكن الأمر لم يكن تغييرا لأجل الأفضل، والذين أرادوا فرض (ثقافة العنف المطلق) على العراق هم أنفسهم الذين جاءوا لينهبوا خيراته باسم (التمدن) وباسم (التحضر) وهم أنفسهم الذين يراهنون على (حمل العنف العراقي) الى مناطق أخرى في الجوار، لأن الحرب الأهلية ستكون السقف لعنف أقوى وشامل سيطول المناطق الأخرى التي تطلق عليها الإدارة الأمريكية بالدول المارقة. ومهما كانت الاسماء الحقيقية لتك الدول، فالنفط العراقي دخل في الحسابات الكبيرة والماء الذي تحتاجه إسرائيل دخل في الحسابات أيضا، والمساومة التي يفرضها الغرب على تركيا اليوم قبل (إدماجها) في الاتحاد الأوروبي هي نوع من أنواع المتاجرة العلنية كي تكون تركيا حليفة حقيقية بحدودها على الأقل، كحل خططت له إسرائيل جيدا منذ أكثر من أربعين عاما، منذ قال الجنرال (موشيه ديان) أن الموارد العربية هي في الأساس تابعة الى إسرائيل أصلا!.. ما يبدو أمامنا كأوضاع خارجة عن المعقول هي في الحقيقة استراتيجية قديمة، لو عدنا الى التاريخ فسوف نفهم أن كل ما يجري كان مخططا له كي يحدث في ظروف استثنائية، ربما لأن الضحية اليوم اسمها: العراق، ولأن الضحية الأكبر اسمه الضمير الإنساني الذي يبدو في اجازة طويلة جدا، فلم يعد الكبار يهتمون بأرواح الصغار، كل ما يهم الدول القوية هو كم ستربح من هذه الحرب، وكم ستنهب من الحرب القادمة التي تخطط لها بعد عشرين سنة، لأجل إخضاع العالم الى سياسة (القرية الصغيرة) التي بدأ اسمها (عولمة) والتي على أساسها بالضبط صار الناس يدفعون ثمن اختلافهم عن الإنسان الأبيض!
(لوباريزيان) الفرنسية |