يرى المتابع للمسلسلات المحلية كمية هائلة من ثقل الدم والمواقف الباردة والانفعالات المزيفة والأحاسيس المعطلة والعواطف الثلجية، وميكانيكية في الأداء تحيل الشخوص إلى أنماط آلية مسيرة خارجة عن نسق الحياة وتقلباتها، كما أن هناك مثالية مصطنعة لدى أغلب شخوص هذه الأعمال حيث الرجال يحيلون محيطهم العائلي والعملي إلى مناخ من الصراخ المزعج المنرفز الذي يترك المشاهد أمام حيرة ما إذا كان يشاهد عملاً درامياً أو شيئاً يشبه ضجيج الأطفال في الصالات الرخامية الضخمة، كما أن الشخصيات النسائية مجرد (مانيكانات) لعرض أفخم وأفضل الجلابيات والاكسسوارات والأثاث الفخم والبيوت الأنيقة والسيارات الفارهة من مختلف العلامات التجارية هذا الوضع يثبت أن هناك خللاً في مفهوم الدراما وعجزاً عن ابتكار موضوعات حية وساخنة تعالج المحيط الاجتماعي وتعكس إفرازاته واختلافاته، النساء مجرد أدوات في مجمل هذه الأعمال أو بالأصح ديكور يحرك من مكان لآخر أو مسلسل لآخر، أدوارهن تنطلق من مواقف سلبية في الأغلب أو شريرة في بعض الأحيان شر مصطنع تافه، يحيك مؤامرات سخيفة، انظروا مثلاً في مسلسل (دمعة عمر)، انظروا إلى الأدوار، انظروا إلى الأداء.. كميات هائلة من الفراغ في تتابع الأحداث، الموسيقى التصويرية أخذت مساحة لم يأخذها الحوار، أشياء كثيرة غير مقنعة تمرر وتمط على أكثر من حلقة انظروا إلى مساحات الصمت في مثل هذا المسلسل انظروا إلى حجم الدموع المزروفة والتي كادت أن تغرق حتى المشاهد خلف الشاشة، انظروا إلى العلاقات المبتورة، انظروا إلى تفاهة المواقف وردود الأفعال، وهذا ليس حكراً على (دمعة عمر) فقط، بل تعالوا واستعرضوا أعمالنا الدرامية والتي هي مجرد مساحة للعب على العقول والمشاعر والقصص المختلفة، شخصيات مهزوزة مفرغة الأحاسيس ناقصة التعابير، أطفال ثلجيون ومثاليون، نظيفون أكثر من اللازم، هادئون أكثر من الموت طيعون إلى درجة لا تصدق، جامدون في ملامحهم، انظروا إلى هذه المثالية السخيفة والتي لم ينجُ منها حتى الأطفال، أما الممثلون فهم أشبه بالخيام البيضاء، أناقة مرسومة بذقون صقيلة طوال الوقت، طوال الأحداث، حواراتهم تمتلئ بغضب حزين مصطنع، يبثون قواميس من ضيقة الصدر وسواقي من مفردات (الزف) وادعاءات مثيرة عن قوة الشخصية أشياء لا تصدق في أي مجتمع في الدنيا، أخطاؤهم سخيفة يعتنون بثيابهم أكثر من اعتنائهم بالنص والأداء والإقناع أثناء تصاعد الخط الدرامي، مجرد أرباع مواهب، همهم الحقيقي مشاهد الغداء والعشاء وركوب السيارات، انظروا إلى كتبة السيناريو انظروا إلى المواقع المختارة، انظروا إلى دخول الكاميرا في المشاهد انظروا كمية الصمت والتفكير، لاحظوا الوقت المستغرق لحظة النزول من السيارة في أي مسلسل محلي، لماذا فرض علينا أن نعرض موديلات سياراتهم، نوعيات جوالاتهم، بالله عليكم ألا تستحق تلك المسلسلات والتي تدعي كذباً الحديث عن واقعنا الاجتماعي أن تضغط جميعها في حلقة واحدة، ولن أكون متجنياً في ذلك، فحلقة واحدة يتيمة هي ما تستحقه كل تلك القصص مكشوفة النهاية، مجهولة البداية، أبطال هامشيون، انظروا أداء ممثلات المسلسلات المحلية وشخصياتهن المحصورة في السلبية القاتلة أو الشر المتفاقم، جميع تلك الشخصيات بين هذين الاختيارين، استعراض للحواجب والاهتمامات الفارغة ودعوات الشاي وزيارات الطبيب، فجميعهن مصابات بأمراض مختلفة، منتهى الضعف والوهن في كل شيء، مخرجون لا يعرفون عن الإخراج إلا ما يعرف عامل في الصناعية عن شروط الانضمام لمنظمة التجارة العالمية، هذا هو واقعنا الدرامي للأسف، انظروا إلى الدراما المصرية وتعلموا كيف يصنع كل شيء، لن أقول الدراما السورية فهي مصابة بأمراض مستعصية لا يمكن الشفاء منها، انظروا في الدراما المصرية، أولويات الحرفة وأبجديات العمل، المسألة ليست صعبة، انظروا كيفية الأداء وملء المشاهد بالحوار والحدث والانفعال.
هذا هو واقع الدراما المحلية المليء بكل هذه الكمية من السذاجة والالتفاف على عقل المشاهد، إنها مسألة تدعو للضجر، وتدعو لكل شيء إلا الدراما وإبداعاتها، إن المسؤولين عن إنتاج مثل هذه البرامج لا يعرفون عن شيء في الدنيا اسمه البساطة والتلقائية، البساطة سر كثير من الأشياء الناجحة، دع عنك التعقيد والدخول إلى مصافات مجهولة في مغامرات الأعمال الدرامية، فهؤلاء القوم وهم أصحاب هذه المسلسلات ومخرجوها وممثلوها ومنتجوها قد يعرفون عن أي شيء في هذا الكون إلا الدراما.. وإلى مذبحة من الأحداث تدعى زوراً مسلسلاً أو عملاً درامياً..!! كل عام وأنتم بخير.
|