(مي زيادة)..!!
الأديبة الشابة.. والفيلسوفة المرهفة.. التي ما فتئت وهي - بعد - لم تتفتح أكمامها.. هذه المرأة كلما أقرؤها أحس بانجذاب داخلي إلى كلماتها.. إنها تعرف كيف تصيد الحرف.. حتى يكون ابناً شرعياً لها..!!
أكثر من مرة وقفت أمام كلماتها معجباً.. وحائراً.. إنها - في إبداع غريب - تصوّر لك الأشياء الخيالية - كأنها حقيقة ماثلة.. وإن لروحها التشاؤمية.. ونفسها المتألمة الأثر الكبير على ذلك..!! مرة قرأت لها هذه العبارة التي حلقت فيها على أبراج من الخيال وصهوات ألم.. (قد تكون هذه الأمطار التي هطل علينا مجموعة عبرات يسكبها سكان الكواكب المتلألئة في الرقيع.. ومن يدري لعل الدموع التي نذرفها نحن البشر على أرضنا تمطر على كوكب آخر).
إنها حيرة رائعة منها.. لكنها حتماً لن تؤدي إلى معرفة..!! كم هو عظيم الأدب.. عندما يستطيع صاحبه.. أن يسمو بك لحظات.. إلى عالم غير عالمك.. مهما كان هذا العالم.. حزيناً أم باسماً.. مقتراً أم صحواً..!
** يا أصدقاء الحرف:
لقد هزمتم يأسي بشوقكم.. لقد نفيتموني بعيداً إلى مناطق خصبة.. أمرغ فيها إحساسي فترة من الزمن.. ولكنها تلاشت كما يتلاشى كل شيء في الوجود.. لا تقولوا إن هذا تراجع وتخاذل.. ولكنها حتمية الحياة تفرض فلا ترفض.
عالم الكلمة.. عالم رائع ومشوق.. ولكنه.. ويلى عليه.. عالم فقد كل كينونته.. لدى إنسان هذا العصر.. فلم يعد لصوت الكلمة صدى مهما كان صدقها.. وصفاؤها.. واحتراقها..!
صعب جداً أن نظل نغازل أشباح أحزاننا.. ونمارس إلحاحات وجداننا.. وأصعب منه أن نبقى نسفح عبراتنا.. ثم - في النهاية - نجد.. ماذا نجد؟ لا شيء سوى الأفئدة الصلبة.. التي تعمقت في جذورها أن الحياة إنما هي بسمات حتى القهقهة.. وسطحيات لا تعرف العمق..!
لقد جادت علي رسائلكم بشيء كنت أبحث عنه منذ أمد ولمَّا أجده.. ألا وهو (الصهوة) التي أمتطيها.. ويمتطيها معي أناس يشعرون بوجودي.. ويشاركونني مشاعري.. وعندها أستطيع أن أنغم على (مزاميري) كلمة لجبران قالها ذات مرة: إن النفس الإنسانية تجد راحة بانضمامها إلى نفس أخرى تماثلها بالشعور.. وتشاركها بالإحساس.. مثلما يستأنس الغريب بالغريب في أرض بعيدة عن وطنهما..والحب الذي تغسله العيون بدموعها يظل طاهراً وجميلاً وخالداً).
اطمئنوا فحروفي لم تنتحر وإن كانت تعانيه.. وزوارقي لم تتكسر وإن كانت تلاظيه.. لقد بقي (زمام) من هذا وذاك ينبض في قلوب الأحبة.. ويحور في (جداول) قلوبها عطاءً مهترئاً لكنه صادق.. وفيضاً قليلاً لكنه جار..!
|