دفعت الانتفاضة برئيس الوزراء الإسرائيلي إلى مراجعة حساباته في غزة ليقرر في نهاية المطاف ان الانسحاب من هذه البقعة الساخنة التي تدفع بتحديات لا قِبل لإسرائيل بمواجهتها هو أفضل من دفع تكاليف باهظة تطال الأنفس والإمكانات.. ومع ذلك يأتي من يقول إن الانتفاضة هي ممارسة عبثية لا طائل من ورائها.. ومن هؤلاء وزير الخارجية الأمريكي الذي يستفاد من كلامه أنه ينبغي الإقلاع عن هذا الفعل المقاوم..
وتجيز الولايات المتحدة لنفسها تحديد خيارات الشعوب بما في ذلك الخيارات المصيرية التي تتعلق بالاستقلال والانعتاق من الاحتلال، وهكذا جاءت (نصائح) الوزير الأمريكي كولن باول إلى الشعب الفلسطيني بوقف الانتفاضة التي دخلت عامها الخامس، بزعم أن الانتفاضة لم تحقق شيئاً للشعب الفلسطيني، فهي، حسب باول، لم تحقق الدولة الفلسطينية المنشودة..
وبدا باول وهو يقول ذلك وكأنه غريب على ملابسات الأوضاع في فلسطين، أو كأنه بعيدٌ عما يحدث وما تقوم به إسرائيل من عراقيل ومن حملات قمع ومن مجازر تجعل مجرد التفكير في السلام أمراً بعيد المنال..
وللأسف فإن كل هذه العراقيل للسلام تجري بمباركة أمريكية، فعندما تحدثت إسرائيل عن نيتها توسيع المستوطنات في الضفة الغربية قالت الولايات المتحدة مؤيدة الفرية الإسرائيلية بهذا الصدد ان الخطوة تأتي في إطار ما يسمى (النمو الطبيعي للمستوطنات) كما أن الولايات المتحدة تغض النظر عن السور الذي تبنيه إسرائيل في الضفة الغربية والذي يتلوى في أنحائها ملتهماً عشرات الكيلومترات من الأراضي التي يفترض أن تقام فيها الدولة الفلسطينية، غير أنه مع اكتمال هذا السور، ومع اكتمال التوسع في المستوطنات لن تتبقى هناك مساحة لكي تُقام عليها الدولة الفلسطينية التي تتأسف الولايات المتحدة ان الانتفاضة لم تستطع تحقيقها.. والأحرى، طالما كان الحديث عن دولة فلسطينية، أننا سنرى قطعة من الأرض قد تصلح لإقامة مجسم عليها للدولة الفلسطينية، أو متحف يتم فيه حشد أماني الشعب الفلسطيني في الدولة، والا كيف يمكن إقامة دولة في مساحات صغيرة ومجزأة تكتظ بالمستوطنات والأسوار وتخترقها الحواجز الأمنية لنرى في النهاية اننا أمام مسوخ مشوه لما يسمى بالدولة..
ومن الواضح أن الأماني الأمريكية، هي مع نموذج للدولة من هذا النوع، المهم أن يكون هناك مسخ مشوه فاقد الإرادة ويكون مفتقراً لكل مكونات الدولة ليحشر فيه هؤلاء الفلسطينيون الذين لايكفون عن المطالبة بدولتهم..
المطلوب إذن إنهاء هذا الإزعاج اليومي المتمثل في الانتفاضة بكل فعالياتها حتى تعيش إسرائيل المغتصبة للأرض في سلام..
مثل هذه التصريحات التي يدلي بها باول تعكس تباعداً كبيراً في المواقف وتحاول القفز على الحقائق، غير أن الولايات المتحدة اعتادت في الآونة الأخيرة انتهاج أسلوب عملي في سياستها الموسومة بالهيمنة تجاه المنطقة، ولم تعد هناك نصائح تصدرها، والأحرى أننا أمام أوامر مباشرة عندما نعتقد أننا نستمع إلى نصائح من واشنطن..
وهكذا فيمكن النظر إلى تصريحات باول بشأن وقف الانتفاضة انها أوامر إلى الشعب الفلسطيني للكف عن هذا الأسلوب..
|