والباب الثالث من هذا الدليل، وهو: مهارات الإرشاد الأسري الهاتفي (103-174) يتكون من ستة أبحاث، تعرّض فيها المشاركون والمشاركات، إلى مهارات وفنّيات المكالمة الهاتفية، فالدكتور حمّاد الحمادي قد جعل مهارات عديدة مطلوبة في هذا العمل، وتحدث عن كل نوع هي (105-113): مهارة الحضور، ومهارة الملاحظة، ومهارة الاستماع، ومهارة التركيز، ومهارة توجيه الأسئلة، ومهارة إعادة التوضيح والتّصور، ومهارة تقديم النّصح والتعليمات، ومهارة المواجهة، ومهارة تزويد المسترشدين بالموارد.. وبعد توضيحه لكل واحدة من هذه المهارات، قال: هناك بعض الأمور التي يجب على المرشد الماهر الإلتزام بها:
- عدم إعطاء الأرقام الخاصة بك للمسترشدين مهما كانت الحالة.
- لا تفش أسرار المتصلين إلا للمصلحة والضرورة القصوى.
- لا تستعجل في تقديم النصائح والمقترحات خاصة النصح بالطلاق.
- اضبط عواطفك وكن متعاطفاً لا عاطفاً على المسترشد.
- المسترشد في حالة ضعف فلا تحاول استغلاله.
- لا تعطر وعوداً لا تستطيع الوفاء بها.
- لا تبادر بالاتصال إلا إذا كان نظام العمل يسمح بذلك.
- لا تتبسط في الحديث، ولا تكن رسمياً أكثر من اللازم.
وفي خاتمة بحثه نبّه إلى أمر مهم جداً: وهو أن هاتف الاستشارات الأسرية، لا يقوم مقام العلاج النفسي أو الاجتماعي المباشر الكامل، ولكن من واقع المحاور أثبتت فاعليته في المجال والأدوار الانشائية والوقائية لأفراد المجتمع، فقد تم التعامل مع حالات كانت مقبلة على الطلاق، ولكن بعد استشارات عبر الهاتف ساعدت على تغيير طريقة تعامل الزوجين لبعضهما بعضاً، وقضي على مشكلات عديدة.
والدكتورة نادية بنت سراج محمد جان، عندما ناقشت مهارات المقابلة الهاتفية في الإرشاد الأسري: نراها تعرض موضوعها هذا بطريقة عملية، حيث يتجاوب المسترشد مع المرشد وبالعكس، ففي سمات المرشد الناجح: بعد الحديث عن التعاطف الوجداني بحيث تكون قدرة المرشد، بأن يضع نفسه مكان المسترشد ليرى الأمور من وجهة نظره، وتضع مثالين للممارسة الجيدة وغير الجيدة.. فتقول في المثال على الممارسة غير الجيدة: المسترشد: زوجي لا يعطيني المال، ولذلك أسرق من محفظته.
المرشدة: كيف تخونين الأمانة، ألا تعلمين أن السرقة حرام؟
وهذا مثالها الثاني على الممارسة الجيدة:
جواب المرشدة: كيف تشعرين وأنت تقومين بالسرقة؟ أو ماذا تعتقدين أن تكون ردة فعل زوجك لو كشف أمرك؟
ثم تجيب الدكتورة نادية على الحالتين قائلة: إن الاستجابة الأولى غير جيدة، لأنها قد تستثير غضب المسترشدة فتجعلها تدافع عن خطتها، وتحاول تبريره، وقد تصرّ عليه: فنقول مثلاًَ: هو اضطرني لذلك، أنا أسرق لأني محتاجة، لو جربت الحاجة لما لمتني على فعلي. أما الاستجابتان الأخيرتان فهما جيدتان: لأنهما تدفعان المسترشدة للتفكير في مشاعرها أثناء ارتكابها السرقة، وتستدرجها المرشدة لتشعرها بالخوف والشعور بالذنب والقلق من الافتضاح، وفقد ثقة زوجها. (134-135).
- وللدكتورة نادية بنت سراج مناقشة أخرى عن فنيات المكالمة الهاتفيّة، حيث ترى أن نجاح العملية الإرشادية يتأثر إلى حد كبير، بمدى كفاءة المرشد في استخدام الفنيات الإرشادية المناسبة، التي تسهم في تنمية شخصية المسترشد وتترك أثراً فعالاً في تعديل سلوكه نحو الأفضل، وتبسط موضوعها بالأمثلة عند طرح الأسئلة، لأن ذلك أجدى في إعطاء الإيجابية عند المسترشد، بحيث يتم اختيار الوقت المناسب لطرح الأسئلة، وعدم مقاطعة المتحدث. فتورد مثالاً على الممارسة الخاطئة هو: المسترشد: انا بحاجة إلى اهتمام زوجتي بي كرجل، وأن أراها في أحسن صورة؟.
المرشد مقاطعاً: تعني أن زوجتك لا تعطيك حقوقك كزوج؟ ثم توضح الدكتورة ما يجب فتقول: كان على المرشد أن يتأنى حتى يفرغ المسترشد من كلامه ثم يتوضح منه، إذا احتاج إلى توضيح أكثر، لا أن يقفز إلى استنتاجات قد تكون خاطئة.
ومن طريقة عرضها وبالأمثلة ترى أن الأسئلة غير المباشرة أجدى وانفع من الأسئلة المباشرة، التي قد توقع المسترشد أو المسترشدة في حرج، كما ترى أن المرشد عليه أن يستجيب لأسئلة المسترشد وأن يشعره باهتمامه بها، حتى يخفف عنه ويعطيه إيجابية في الإندماج والقناعة من الحلّ المطروح عليه. (ص 155-167).
- أما الباب الرابع: فهو مهم في الحياة الزوجية، لأنه يتعرض للخصائص النفسية والاجتماعية للمسترشدين، وقد تحدث فيه 6 من أصحاب الألقاب العلمية الكبيرة ثلاثة رجال وثلاث نساء، وقد ربطوا ما يعنونه بالأمثلة الواقعية، لتكون أدعى للفهم، وإدراك موضع الجودة من الضعف، فالدكتورة عائشة الشهراني حديثها في ستة محاور هي: 1- تعريف الضغوط.
2- العومل الضاغطة والمسببة للصراعات والألم النفسي 3- الخصائص النفسية للمسترشد الذي يعاني من اضطرابات عدم التكيف.
4- تعريف اضطرابات عدم التكيف.
5- استراتيجيات نفسية خاطئة مرضية يستخدمها المسترشد للتغلب على مشكلاته.
6- الخصائص النفسية لبعض الشخصيات المضطربة والتي تطلب الإرشاد.
وحول هذا البند السادس انقسمت عندها الشخصية إلى 13 نوعاً، والمسترشدون هؤلاء يعانون من علل واضطرابات في شخصياتهم تسبب الكثير من المشكلات الأسرية، وزيادة الضغوط تؤثر سلباً في هذه الشخصيات ثم بعد عرضها لهذه الشخصيات مع النماذج توجه الكلام للمرشد فتقول له: أنت في حاجة الى معرفة شخصية المسترشد، لتفهم مشاعره وسلوكه، وقيمه ورغباته لتساعده على تخطي أزمات حياته.. لذا فإن المرشد او المرشدة في حاجة لتأمل العوامل المؤثرة في تكوين شخصية المسترشد الداخلية، وفي حاجة لتلمس حقيقة دوافعه الداخلية، ومدى تأثيرها على سلوكه وتفكيره، وفي حاجة الى معرفة قدرته على تحمل الضغوط (200- 207).
- والدكتور عمر المفدى يرى: أن القلق من الخصائص التي تتعلق بالخبرة الجديدة، وحتى يمكن معالجة الحالة، أوضح أن الزواج يقترن بالتشوق والفرح، إلا أن الوضع النفسي للشاب والشابة حديثي الزواج يجمع مزيجاً من الفرح والقلق.
فالشاب قلق على نجاحه في الحياة الزوجية، ليس فيما يتعلق بمدى صواب قراره في الزواج، أو نجاحه في ادارة الحياة الزوجية فحسب، بل كذلك فيما يتعلق برجولته ونجاحه فيها، وبين ذلك بمثال حينما قال: في احدى الحالات مر على الزوج أكثر من اسبوعين، لا يستطيع المعاشرة الزوجية، رغم تعاون زوجته، وتأكيد الفحص الطبي أنه سليم، وقد أرشده الإخصائي النفسي إلى تجاهل التفكير في الموضوع، وستظهر الرغبة والقدرة بصورة تلقائية عندما يتحرر من القلق، وقد حدث ذلك بالفعل خلال أيام، واستمرت المعاشرة بعدها بصورة تلقائية طبيعية.
أما الفتاة فإن قلقها يتمثل في مدى نجاحها كربة بيت، وفي قلق الانفصال عن أسرتها، فضلاً عن خوفها من بداية المعاشرة وما قد يكون لديها من تصورات حولها. كما أن الإلتزامات المالية مما يقلق حديثي الزواج مما يجب مراعاته (للحديث صلة).
صرامة ابن طولون:
ذكر الشيخ حمد الحقيل في كتابه صيد القلم: أن فقيراً بجوار أحمد بن طولون في مصر القاهرة، كان له امرأة وبنت، وكانا يغزلان الصوف لتجهيز البنت، وأن البنت لا تفارق البيت، وما نظرت إلى السوق قطّ ولا خرجت فسألت ابويها أن تخرج معهما إلى السوق، فواعداها بذلك، فلما قصدا بيع الغزل، خرجت معهما إلى السوق، فمروا بباب الأمير المسمى: بالفيل، وتمادى الأب والأم وتركاها، ولم يشعرا بوقوفها، فبقيت البنت حائرة، لا تدري أين تذهب، وكانت ذات جمال عظيم.
فخرج الفيل فلما رآها، افتتن بها فأمسكها، ودخل بها ثم أمر الجواري أن يغسلنها وينظفنها، ويلبسنها أحسن الملبوس، ويطيبنها بأنواع الطيب، ويحلّينها له، ثم دخل بها وأزال بكارتها، هذا وأبواها قد حزنا عليها، وما زالا يطوفان عليها جميع الأماكن، فلم يقعا لها على خبر فلم يزالا يبكيان، فلما جن الليل في احدى الليالي، وإذا بشخص يطرق الباب فخرج ابوها وفتح الباب، فقال الرجل لأبيها، إن الأمير المسمّى بالفيل، أخذ ابنتك وأزال بكارتها، فلما سمع ذلك كاد يجنّ، وكان لابن طولون مؤذن، قد عاهده على أنه إذا حدثت فاحشة بأن يؤذن في غير وقت، ليحضره ويفهم منه الواقعة، وكان المؤذن بينه وبين ابي البنت صداقة، فجاء اليه واخبره بخبره، فصعق وأذن.
فسمعه ابن طولون فأرسل خلفه، فأخبره بالقصة، فاستدعى ابوي البنت، وخبأهما في خزانة، وكان وقت يجيء الفيل للخدمة، فلما دخل على عادته، قال له: نهنئك بالعروس الجديدة، فقال: أنى لي عروس جديدة، قال: أتنكر؟! وهذا ابو الجارية وأمها، فلما رآها نكس رأسه خجلاً من الأمراء الحاضرين، فقال ابن طولون: ارفع رأسك ثم قال لابيها: اتزوج ابنتك مملوكي هذا، على صداق الف دينار مقدمة، وخمسمائة مؤجلة؟ فقال: نعم فأمر بإحضار شاهدين، وعقد العقد بينهما، ووضعوا خطوطهم ثم انصراف الشهود، وامر السياف بضرب عنق الفيل، فرماه بين يديه وقطع رأسه، وقال ابن طولون: هكذا نفعل بمن يتجرأ على حرمات الله.
ثم قال ابن طولون لابي الفتاة: ابنتك ورثت زوجها، وقد مكنتها من تركته، فامضوا مع السلامة، فانصرفوا شاكرين لإنصافه، داعين له على فعله الجميل، فانظر إلى هذا العدل العظيم، ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.(11-112).
|