Friday 1st October,200411691العددالجمعة 17 ,شعبان 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "مقـالات"

هكذا نريد أن نُعلِّم ونتعلَّم هكذا نريد أن نُعلِّم ونتعلَّم
د. محمد الأحمد الرشيد (*)

أولاً: لا شك أنّ الظروف التي تمر بنا ونمرّ بها ظروف حرجة صعبة، فالفتن مُستيقظة، والأخطار متربّصة، ولا بد من استشعار ذلك بشكل واضح، ووضعه في دائرة الضوء وبؤرة الوعي، ولا بد - بعد الاعتماد على الله سبحانه، وصدق اللجوء إليه - من العمل الحثيث على درء الفتن، ونسيان الخلافات، وتآلف القلوب، والتعاون، والتآزر لتحقيق معنى (الجسد الواحد).
إنّ العواصف شديدة، والرياح عاتية، وما لم نأخذ بأسباب الوقاية التي ذكرت بعضها فقد نجرّ الويلات على بلدنا، وهذا منتهى آمال الأعداء والخصوم، الذين يسهل عليهم اختراقنا من هذه الثغرة، لا قدّر الله.
ثانيا: نحن متفقون - بحمد الله - على أصولنا، وثوابتنا، ومصادر تلقّينا: فنحن مجتمع عربي مسلم، مؤمن بالله ورسوله، كتابنا القرآن، وهَدْينا السُّنة، قِبلتنا واحدة، ووطننا واحد، هذه جوامع قوية، وأسس متينة كفيلة بلمّ أي جَمْعٍ، ورَأب كل صَدْع بإذن الله.
ثالثاً: الاختلافات التي بيننا طبيعية، وبجب ألا تفرقنا، فهي: إما أمور فرعية، أو مسائل ثانوية، أو قضايا قابلة للاجتهاد، اختلفت فيها آراء الأئمة، على امتداد عُمر الأمة وحكمتنا في التعامل معها قول الشاعر:
اختلاف الرأي لا
يفسدُ للودّ قضيّة
رابعاً: في مجال (التربية والتعليم)، الذي هو ميدان عملنا وتحركنا، العامل الأول في نجاحنا، وتحقيق أكبر أهدافنا هو: (المعلّم) وأهمُّ عامل لنجاح المعلم وتألُّقه هو أن يكون لديه (موقف إيجابي) في نظرته للحياة أولاً، ولعمله ووظيفته ورسالته ثانياً.
خامساً: من أهم ما يساعد على (إيجاد) أو (بناء) هذا (الموقف الإيجابي) وجود قائد تربوي حكيم، يتمتع بخبرة طيبة في مجال عمله، و(المدير) هو القائد التربوي، والأخ الكبير والمشرف المقيم، فلنحسنْ اختيار المدير، وليكن معيارنا في الاختيار هو الكفاية والإخلاص، والاقتدار، ولنهملْ ما عدا ذلك من الاعتبارات التي لا تنفع، وقد تضرّ ! كانتماءات قبلية أو توجهات فكرية، أو مظاهر شكلية، وليكن شعارنا ما قالته ابنة شعيب عليه السلام عن سيدنا موسى عليه الصلاة والسلام: {يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ}.
سادساً: الطلاب والطالبات، أبناؤنا وبناتُنا، أمانة في أعناقنا، يجب علينا أن نُحسن تعليمهم، وأن نُحسن تربيتهم، ومن أهمِّ ما يجب أن نحرص عليه: أن نجعلهم يتشربون حبّ دينهم، وقيمه العظيمة، وتطبيق تعاليمه في واقع حياتهم بطرق عملية مفيدة، وأن نغرس في نفوسهم حبَّ الوطن، وصدق الانتماء إليه، والحرص على مصلحته، والغيرة عليه، وأن نعلِّمهم كذلك (فنَّ الحياة)، ليعيشوا سُعداء، منتجين، متفوقين، متفائلين، متعاونين، متحابين.
سابعاً: مدارسنا هي (بيوت التربية والتعليم)، والإنسان يهتم بتحسن بيته وتجميله، لذا فعلينا أن نجعل المدرسة (بيئة) جذابة، مفرحة، تتعلّق بها قلوب الطلاب والطالبات، وكل واحد عليه جزءٌ من هذه المسؤولية.
ثامناً: كما تظهر الأعشاب الضارّة بين الأشجار المثمرة، ظهر بيننا بعض (الأفراد) المنحرفين المفسدين، يخدعون أو ينخدعون بسراب يحسبونه علماً وما هو إلا زيغ وضلال. لا مجال في مدارسنا، ولا في مؤسساتنا المختلفة لأمثال هؤلاء، ولا نسمح لأحد أن ينبس بكلمة توحي بموافقتهم أو التعاطف معهم، ولا حتى أن يغمض عنهم عينه.
تاسعاً: إن الجريمة قبل وقوعها تكون فكرة شريرة في ذهن صاحبها، لذا فمن واجبنا تحصين العقول ضدّ هذه الجراثيم، ومحاربتها واجتثاثها حال ظهورها.
عاشراً: لا نسمح لأحد أن يفرض علينا رأيه واجتهاده، نحن نؤمن بلزوم طاعة ولي الأمر؛ فإذا وجّه - مثلاً - بالنشيد الوطني والوقوف حين إنشاده، أو بوضع صورٍ معينة، أو بتحية العَلَم الذي يحمل كلمة التوحيد، امتثلنا أمره، ولا نريد تشويشاً، وشَغْباً. نحن لا نجبر أحداً أن يصنع في بيته ما لا يريد، ولكنا لا نسمح له أن يفرض علينا في مدارسنا ومؤسساتنا ما يريد ! إن الذي لا يحترم رأي الآخرين، ويرى أن الصواب حكر عليه أو على شيخه هو غالٍ متطرف لا نريده أن يكون بين صفوفنا.
أحد عشر: نريد (معلّمين) لا (مُفتين)، شتان شتَانَ بين المعلم والمفتي، وهناك من العلماء والمؤهلين للفتيا طائفة صالحة معروفة يُرجع إليها، ويُصدر عن علمها، وقد جاءنا توجيه مؤكّد من ولي الأمر بعدم التسامح مع من يرفع نفسه فوق قدرها، فيشوش الأذهان بالتحريم والتحليل، أو بالتفسيق والتبديع، أو بالتضليل والتكفير، ويشغل الناس، ويضيع أوقاتهم، ويوغر صدور بعضهم على بعض بتضخيم مسائل صغيرة، أو بالانتصار لرأي معيّن، وإلغاء ما يخالفه كمن يقع في خطأ التعميم - مثلاً - فيحرّم القنوات الفضائية جملةً، أو تختلط في ذهنه الأولويات، فيساوي بين إهمال سنّة وإهمال فريضة، أو يظن المظهر دليلاً على المخبر، فمن وقع في مخالفة شكلية حكم على قلبه ونيته، ومن أخذ بسنّة من سنن الهُدى حكم له بالهُدى!!
لكننا - في الوقت ذاته - نؤكد أن تمسكنا بهذا الدين هو السبيل الوحيد لعزنا في الدنيا وفي الآخرة على حدٍ سواء، فبالقدر الذي نرفض به الغلو والتطرف نرفض الانحلال، والتسيّب، وندعو إلى الوسطية والاعتدال، والوسطية ليست لزوم المنتصف بين الطريقتين، بل هي الأخذ بتعاليم الدين، واتباع الحنيفية السمحة من غير تشديد وتعسير وتنفير.
نريد معلماً مبتسماً لا مقطباً، مبشراً لا منفراً، ميسّراً لا معسراً، يدعو للناس بدلاً من أن يدعو عليهم، مهتدياً بالموقف النبوي الحكيم (اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون).
ثاني عشر: أرجو أن يكون الجميع متفقين على أن النشاط خارج الصف هو جزء مهم من العملية التربوية، وليس ترفاً، لكن هذا النشاط محكوم بضوابط شرعية وتربوية وليس عملية سائبة، نريد من هذا النشاط أن يفتح المجال أمام إبداع أبنائنا وبناتنا، وأن ينمي شخصياتهم، وأن يعلمهم حب الحياة، ويغرس في نفوسهم بذرة العطاء حتى اللحظة الأخيرة، متمثلين بحديث الفسيلة الذي رواه الإمام أحمد رحمه الله، ومعناه: إذا قامت القيامة على أحدكم، وبيده فسيلة فليزرعها.
أما أن يكون النشاط - كما حدث في بعض الأماكن - مجالاً للتخويف، وتعليم الطلاب الصغار كيفية تغسيل الموتى ووضعهم في قبورهم، فهذا بُعْدٌ عن الحكمة، ووضعٌ للشيء في غير موضعه.
ثالث عشر: إننا نعطي الصلاحية ونحاسب على مقدارها، لا عذر لأحد في عدم بذل وسعه، واستنفاد جهده: لا مدير مدرسة، ولا مدير تعليم، ولا سواهما. لا نقبل أن يقعد المسؤول عن استفراغ طاقته وأن يعلق هذا التقصير على مشجب الوزارة. صحيح أن المرء لا يكلف ما لا يقدر عليه، ولكنه في الوقت ذاته يجب أن يحاسب على التقصير في القيام بما يقدر عليه، خذوا هذا العام الدراسي مثلاً: المعلم النشيط اليقظ بدأ التدريس من الساعة الأولى، متلافياً النقص - إن وُجد - بابتكار الأساليب التعليمية التي لا تحصر لإفادة التلاميذ، والمدير الذي توافرت لديه أشياء كثيرة، ولم يكتمل لديه كل شيء تراه يستفيد من الكثير الموجود ولا يتذمر من أجل القليل المفقود. أما الكسول فجالس ينتظر، لا يأخذ زمام المبادرة، مثل هذا المدير يجب ألا يكون في صفوفنا لأن بعض الناس يحكمون على التعليم من خلاله هو وأمثاله، وهذا على حساب المجدين المبدعين، وهم الغالبية العظمى، الذين لا يذكرون، ولا تذكر مناقبهم وإنجازاتهم.
رابع عشر: وأخيراً، إن منسوبي التربية والتعليم جميعاً هم أبناء أسرة واحدة، يسعى بذمتهم أدناهم، واتهام التعليم بأنه منهار ومحترق، بتكبير بعض زوايا القصور، وإهمال الإنجازات التي أعان الله الجميع على تحقيقها، هو زور وبهتان يؤذي أشد الأذى، ويقلق المجتمع على أبنائه وبناته، لذا فمن واجب الجميع أن يدافعوا بحق عن كيانهم الذي ينتمون إليه وأن يعرّفوا المجتمع بالجوانب الإيجابية التي تمّ إنجازها مع إعطاء جوانب القصور حجمها الطبيعي، دون إفراط ولا تفريط، ليطمئن الناس أن التعليم في أيد أمينة إن شاء الله.

* وزير التربية والتعليم


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved