يحاط الإنسان - في وقتنا الحالي - بالكثير من الضغوط النفسية التي قد تكون نتيجة عوامل خارجية ، ممثلة بالبيئة المحيطة أو نتيجة عوامل داخلية تتعلق بالتركيبة الداخلية للفرد نفسه ، ومن ثم فقد يصاب الإنسان باهتزاز يؤثر على شخصيته وتصرفاته وعلاقاته وتعامله مع الآخرين ، والفرد منا مثلما يصاب بمرض عضوي فإنه قد يصاب بمرض نفسي ، وبالإمكان التعرف على إذا ما كان هذا الفرد مصاباً بمرض نفسي أم لا ؟ وذلك عندما نلاحظ عليه نقيض ما يُعرف بالصحة النفسية والتي تعتبر حسب قول معظم العلماء والأطباء النفسيين - حالة دائمة نسبياً ، يكون فيها الفرد متوافقاً نفسياً وشخصياً وانفعالياً واجتماعياً ، أي متوافقاً مع نفسه ومع بيئته - ويشعر فيها بالسعادة مع نفسه ومع الآخرين ، ويكون قادرا على تحقيق ذاته واستغلال قدراته وإمكاناته إلى أقصى حد ممكن ، ويكون قادراً على مواجهة مطالب الحياة وتكون شخصيته متكاملة سوية ويكون سلوكه عادياً بحيث يعيش في أمن وسلام نفسي ، ولكن الأمر الذي قد يزيد من تعقد حالة المريض النفسي هو جهل من حوله - وبخاصة الأسرة - في كيفية التعامل مع حالته ، الأمر الذي يستلزم إيضاح دور المحيطين بالمريض النفسي تجاهه ، حتى يمر بأزمته دون عراقيل تتسبب في تأخر حالته العلاجية.
أولاً : تعريف المرض النفسي وأسبابه :
ينبغي على المحيطين بالمريض النفسي أن يتعرفوا على ماهية المرض النفسي وأسباب حدوثه - بصفة عامة - وذلك يساعدهم بشكل أو بآخر في كيفية التعامل مع مريضهم النفسي التعامل الأمثل ، وقد تعددت تعاريف المرض النفسي ، وعلى الرغم من ذلك فإن هذه التعاريف تكاد تكون متفقة - اللهم إلا في بعض الأمور البسيطة - ومن أهم هذه التعاريف للمرض النفسي ما يلي :
فقد عرف الدكتور حامد زهران المرض النفسي بأنه اضطراب وظيفي في الشخصية ، نفسي المنشأ ، يبدو في صورة أعراض نفسية وجسمية مختلفة ، ويؤثر في سلوك الشخص فيعوق توافقه النفسي ويعوقه عن ممارسة حياته السوية في المجتمع الذي يعيش فيه.
كما عرفت جمعية الطب النفسي الأمريكي الأمراض النفسية بأنها عبارة عن مجموعة الانحرافات التي لا تنجم عن علة عضوية وتلف في تركيب المخ ، بل هي اضطرابات وظيفية ومزاجية في الشخصية ، وترجع إلى الخبرات المؤلمة أو الصدمات الانفعالية أو اضطرابات في علاقات الفرد مع الوسط الاجتماعي الذي يعيش فيه ويتفاعل معه ، ويرتبط بماضي حياة الفرد وخاصة طفولته المبكرة.
أما الضغوط النفسية فيعرفها البعض بأنها العوامل الخارجية والداخلية الضاغطة على الفرد ككل أو على أي عضو فيه ، الأمر الذي يؤدي إلى الشعور بالتوتر أو الاختلال في تكامل شخصيته ، وعندما تزداد شدة هذه الضغوط فإن ذلك قد يفقد الفرد قدرته على التوازن ويغير نمط سلوكه.
إذا تفهم المحيطون ماهية المرض النفسي من خلال هذه التعريفات ، فإن ذلك من شأنه أن يسهل عليهم فهم حالة المريض النفسي عندهم وكيفية التعامل معها ، ومن الأمور التي تساعد في ذلك أيضاً التعرف على أسباب الأمراض النفسية بصفة عامة والتي يمكن إيجازها في الآتي :
الأسباب الحيوية
* الوراثة : حيث يتلخص أثر العامل الوراثي في أنه يزود الفرد باستعداد قد تظهره البيئة أو تعوقه عن الظهور ، والذي يورث ليس المرض ، بل استعداد يهيئ للمرض في ظروف معينة.
* الاضطرابات الفسيولوجية (العضوية).
* العوامل العضوية مثل : الأمراض ، التسمم ، الإصابات ، بعض العاهات والعيوب والتشوهات الجسمية.
* أسباب حيوية أخرى مثل : السن ، الجنس ، الإجهاد في العمل ، التعرض لدرجات الحرارة العالية.
الأسباب النفسية
وتشمل : - الصراع. - الإحباط. - الحرمان. - العادات غير الصحية. - الضغوط النفسية ومتاعب الحياة. - التحرر النفسي والشعوب بالذنب. - الإصابة السابقة بالمرض النفسي.
الأسباب البيئية وتشمل
- البيئة الاجتماعية : حيث ان الفرد إذا فشل في مواجهة ضغوطها ، وزاد التناقض فيما بينها ، فإنه في هذه الحالة قد يكون عرضة للإصابة بالمرض النفسي.
- اضطرابات التنشئة الاجتماعية والتي تتمثل في الاضطرابات الأسرية ، وسوء التوافق المدرسي ، وسوء التوافق في المجتمع.
هذه صورة سريعة وموجزة عن أسباب الأمراض النفسية بصفة عامة ، بحيث تستطيع الأسرة عن طريقها معرفة السبب التقريبي لمريضهم النفسي.
ثانياً : دور الأب مع المريض النفسي : تنحصر واجبات الآباء نحو أبنائهم - بصفة عامة - في ثلاث مهمات هي :
1) المراقبة : وتعني السهر على عادات الأطفال في أقوالهم وأفعالهم وتوجيههم الوجهة الصحيحة.
2) الإصلاح : وهو ينصب على مقاومة النزعات الأنانية.
3) الصرامة : وهي الحزم في معاملتهم ، لأن اللين مفسد لهم ، والحزم يتطلب العدالة في معاملة الأبناء دون تفضيل فيما بينهم.
وهذه الواجبات من شأنها أن تساهم في نشأة الأبناء نشأة سوية تبعدهم عن مخاطر وتهديد الأمراض النفسية لهم ، ولكن شريطة ألا يسرف الآباء في تنفيذ هذه الواجبات ، لأن الإسراف قد يأتي بنتيجة عكسية.
أما إذا كان لدى الأب مريض نفسي فإنه ينبغي أن يعامله خاصة ، يراعي فيها توجيهات الطبيب شريطة أن تكون هذه المعاملة - أو تتم - بشكل لا يجعل المريض يشعر وكأنه شخص مختلف عن أقرانه ، حيث ان الأسلوب المثالي في التربية الإسلامية يعتمد على التوسط والاعتدال في معاملة الطفل وتحاشي القسوة الزائدة والتدليل الزائد ، وكذلك تحاشي التذبذب بين الشدة واللين ، والتوسط في إشباع حاجات الطفل - الجسمية والنفسية والمعنوية - بحيث لا يعاني من الحرمان ولا يتعود على الإفراط في الإشباع ، وبحيث يتعود على قدر من الفشل والإحباط ، وذلك لأن الحياة لا تعطيه بعد ذلك كل ما يريد.
وفي حالة إذا كان هذا المريض النفسي قد تطورت حالته واضطرت أسرته إلى إدخاله المستشفى ، فهنا يقع عليها عبء آخر في التعامل معه داخل المستشفى ، وهذا ما سوف نتناوله بعد قليل - إن شاء الله -.
ثالثاً : دور الأم مع المريض النفسي : يقع على الأم عبء كبير تجاه طفلها - خاصة إذا كان مريضاً نفسياً - ذلك أن للأمومة استعداداً بيولوجياً ونفسياً خاصاً ، ويتحدد ذلك وفقاً لشكل وجوهر العطاء الذي تمنحه الأم للأبناء والذي يعتمد أساساً على العطف والحنان والحب والرعاية ، كما أن توتر الأبناء النفسي يرجع إلى طبيعة الأم ومدى العطاء الذي تقدمه للأطفال ، وتظهر معظم الدراسات أن العديد من المشكلات المعاصرة في المجتمعات الأجنبية من أسبابها قصور في دور الأم ووظيفتها الاجتماعية والبيولوجية.
كما أن التجارب أثبتت أن ضم الأم لوليدها يحدث نوعاً من الذبذبات إلى الطفل وأنواعا مختلفة من الموجات ، يكون لها آثارها في تشكيل سلوكيات الطفل واتزانه النفسي.
رابعاً : دور الأسرة - بشكل عام - تجاه المريض النفسي :
إن الأسرة هنا لا تقتصر على الأبوين فقط ولكنها تشمل - بدون مبالغة - جميع المحيطين بالمريض النفسي ، وعلى ذلك يمكن حصر دور الأسرة ممثلة بدرجة أكبر في الوالدين ، وبدرجة أقل في باقي المحيطين بالمريض النفسي في الآتي :
1) دورها تجاه المواقف الضاغطة :
يلعب أولياء الأمور دوراً أساسياً ومهماً في التخفيف من حدة التوترات الداخلية الناتجة من المواقف الضاغطة تتمثل في :
- توفير الإحساس بالأمان والاطمئنان والاعتماد على النفس.
- الحزم والعدالة والوضوح والتعقل في مناقشة القضايا والأحداث العامة.
- منح الأطفال الفرصة للتعبير عن مشاعرهم ومنحهم الثقة في التفكير.
- تشجيعهم على اتخاذ القرار.
- تعليمهم مهارات الاتصال مع الآخرين.
- توخي الحذر من بعض الضغوط عند الشهرة.
- منح الأطفال فرصة اللعب والمرح وتحمل المسؤولية وإبراز السلطة.
2) دورها بالتعاون مع المدرسة :
ينادي الكثير من أطباء وعلماء النفس بضرورة تحقيق التعاون المتكامل بين الأسرة والمدرسة ، لأن الطفل يرتبط بعلاقة معهما وهو حلقة الوصل بينهما ، ومن أوجه التعاون بين البيت والمدرسة ما يتمثل في :
- التضافر في حل ما قد يواجه التلميذ من صعوبات أثناء التعلم وتهيئة الجو المناسب للطالب.
- التفاهم بين البيت والمدرسة عند اتخاذ أي أسلوب للثواب أو العقاب ، وذلك حتى يكون متمثلاً أمام الطالب لوقت طويل فتحقق الهدف منه.
3) دورها بالتعاون مع المستشفى :
يعتبر دخول المريض النفسي للمستشفى من المراحل المهمة في حالة المريض ، التي قد تزيد من جزع الأسرة وارتباكها ولكن ينصح الأطباء النفسيون بضرورة تعاون الأسرة مع المستشفى ، حتى يتم التعجيل بالشفاء والخروج بأفضل النتائج ، لذا ينبغي على الأسرة اتباع هذه التعليمات :
- ألا تحزن الأسرة ولا تفكر في وصمة عار للمريض ، ولا تتبرم من سلوكه ، ولا تشك في حاجته إلى رعاية طبية.
- التأكيد للمريض أن الجميع يفهم مرضه ويحبه ولم يتغير حبهم له.
- عدم التخلي عن المريض مهما كان الأمل ضعيفاً في شفائه.
- أن تكون زيارة الأسرة للمريض بالقدر الذي يقرره الطبيب.
- ألا تغضب الأسرة إذا رفض المريض مقابلتها ، فقد يكون هروبه من بيئته السابقة جزءاً من مرضه.
- ألا يتكلم أي فرد من الأسرة عن المريض ، أو يظهر تأثره نحوه في وجوده ، لانه مهما تكن حالته فمن المحتمل أن يكون حساساً لما يدور حوله ، كما كان قبل المرض.
- ألا يتناقش معه أحد في مرضه ، ولا يعلق على مظهره الصحي.
- لا يكن أحد عاطفيا معه ، ولا يعده بالخروج من المستشفى بعد فترة وجيزة لأن ذلك قد يزيد الموقف تعقيداً للمريض وللمستشفى.
- لابد وان تكتب له الأسرة خطابات كثيرة عن الحوادث العارضة ، الأمر الذي يجعله متصلاً بالحياة الجارية التي انفصل عنها مؤقتاً.
- على الأسرة أن تتأكد من أنه ينال الرعاية الكافية بالقدر الذي تسمح به حالته ، كما أن الملابس التي ترسلها الأسرة للمريض تعتبر رمزاً على مدى ثقتها في شفائه.
وهناك العديد من النصائح التي يمكن تقديمها للأسرة في مجال التعاون بين الأسرة والمستشفى بما يعود بالفائدة على المريض وحالته النفسية.
خامساً : الحلول والعلاج :
وأخيراً يمكن القول ان المريض النفسي هو فرد من الأسرة لا ينبغي التخلي عنه ومساعدته قدر الإمكان لتخطي الأزمة التي يمر بها ، ومساعدة المريض النفسي هي عملية مهمة يشترك فيها عدد من الأطراف مثل الأسرة والمدرسة والمستشفى ، ويمكن القول أيضاً ان دور كل من هذه الأطراف يعتبر مكملاً لباقي الأطراف ، فالمريض النفسي يحتاج إلى الحب ، والدفء الانفعالي والثقة بالنفس ، والتشجيع للنمو والاستقلال.
كما ينبغي على الأسرة ألا تتهاون في عرض المريض النفسي على الطبيب لإنقاذ الموقف قبل أن تصل حالته إلى وضع أخطر يصعب علاجه فيما بعد ، أو يأخذ وقتاً أطول.
(*) أخصائي اجتماعي بمجمع الأمل للصحة للصحة النفسية - بالرياض
|