باختصار
يومنا الحاضر الغائب
نورة المسلم

بينما تحتفل سفارات بلادنا في الخارج بيوم الوطن نجد أن أكثرنا في الداخل المرتبط بالتقويم الهجري، يعبر من خلال هذه المناسبة سهوا حيث لا شعور وطني ظاهر بمثل هذا التاريخ كون توقيته يأتي في الثالث والعشرين من الشهر التاسع للسنة الميلادية!
لكن ما الذي يحرم أبناء الوطن من استقبال يومهم المجيد أو تمكين مشاعرهم من الاندماج مع تفاصيل هذا اليوم الذي توحدت به بلادهم، واستراق ساعات من أيام متشابهة ومليئة بالروتين كي يجددوا ولاء ويحيون انتماء يجب أن يكون جزءا من ثقافتهم وعلاقتهم بأرضهم؟
يأتي اليوم الوطني لأكثرنا وهو لا يسمع بعبوره أو حضوره إلا من بعض البرامج المسجلة التي يتفضل بها التلفزيون كأنها أداء واجب فقط، بينما تطن آذاننا بابتهاج الشعوب والأعراق في كل بقعة بأيام بلدانها وخصوصا مناسباتها الوطنية.
ترى ما الذي يعيقنا عن التعبير عن مثل هذه المشاعر، أو حتى غرسها في وجدان صغارنا حيث إنه لا يمكن لأي ثقافة اجتماعية أو وطنية أن تقصي مثل هذه المناسبة عن تواريخنا الخاصة التي يجب أن يكون يوم الوطن أحد أهم وثائقها؟
لقد تعزز لدينا شعور دفين وهو أن الارتباط بالأرض لا يمكن له أن ينفصل عن تفاصيل ملحة ودافئة، ولا بد أن تكون المشاركة فيها على كافة المستويات بدءا بالمؤسسات الرسمية وحتى هتافات صغارنا في مدارسهم، علينا أن نلقن أنفسنا معنى الالتحام بالأرض وتقديسها وأن أي شعور منافٍ آخر لعكسها إنما هو اعتداء على حق الحياة بأكمله.
كيف يمكن هذا؟ لا بد أن نعيد النظر في استقبال مثل هذه المناسبة المهمة والغالية وأن نكرمها بدلا من إيداعها في روزنامة التاريخ مناسبة معلبة.
كلنا نحب الوطن ولا نشك في ذلك، لكن كيف لنا أن نعبر عن هذه المشاعر وأن نجعلها ناطقة وحية ومدركة كأن نفسح المجال لمثل هذه العواطف التلقائية أن تنطلق من أدراجها إلى مشاعر فعلية وجادة أبسطها يقول إن حب الوطن من الإيمان، وأن وقتا كهذا تنطلق فيه شعارات كثيرة معظمها يشكل الوطن هاجسه وأرقه وقلقه كون بلادنا مرت عبر أزمات مختلفة على رأسها يبدو الإرهاب أحد أهم الترجمات لإقصاء شعور الوطنية والانتماء حيث إنه يستهدف الوطن وأمنه وقيمته على يد أبناء عاقين تجاهلوا هذه الأبجديات واعدموها تحت شعارات تختلف في أشكالها لكنها تلح في النهاية على مقولة واحدة كانت هي رد فعلنا الصريح، وهي علمونا كيف نعتاد على أهمية الوطن وقيمته وكل تفاصيله الجميلة بدءا بالحارة أو الحي إلى المدينة والمدرسة والجامعة والوظيفة والأسرة الصغيرة التي تبدأ نموها في أحضان أسرة أكبر هي الوطن.
فهل أعدنا تأسيس الانتماء حتى وإن كان على شكل احتفالية يوم يطلق فيه سراح مشاعرنا من قيد التحفظ والجمود إلى أن نشعر فعلا بيوم حاضر غائب هو حق من حقوق الطرفين؟