لم يكتفوا بإراقة دمائنا وقتل الأطفال والنساء بنيران أسلحتهم ورصاصهم الطائش في فلسطين المجاهدة الصامدة، ولم يكتفوا بقتلنا أفراداً وجماعات يومياً بلا هوادة أو رحمة بأيديهم وأسلحتهم في العراق الصابر المحتسب.. لم يكتفوا بمحاربتنا معنوياً وإذلالنا في المحافل الدولية بالاعتراض على كل القرارات الأممية التي تصدر لصالحنا.. لم يكتفوا باتهامنا في أغلى ما نملكه.. ديننا وعقيدتنا والتشكيك في ما يتصل بذاتنا وعلومنا وتقاليدنا وكل ما يصدر منا.. لم يكتفوا بوصمنا جميعاً بالإرهاب بلا استثناء وإشاعة هذه السمعة علينا وعلى ديننا في كل الدنيا.
لم يكتف الأمريكيون بإذلال نسائنا في سجن أبو غريب والنيل من الشرف الرفيع.. شرف العربية المسلمة الذي لوثوه بنجاساتهم حتى ضج العالم كله من فحشهم.. لم يكتف الأمريكيون بذلك بل هم الآن يسترقون نساء العراق ويأسرونهن في سجن جديد للنخاسة والخنا والفسوق.. ها هم الآن يستثيرون أرخص الشهوات في قنواتهم الفضائية بنساء عراقيات أسيرات الحاجة والقهر والألم يرقصن شبه عاريات.
وفي الوقت الذي يُسلب فيه العراق أرضاً ويهان شعباً وتسيل دماء كل الأعمار من أبنائه رجالاً ونساء وشيوخاً وأطفالاً يقدم العراق في كل ساعة بل في كل دقيقة مواطناً بحساب عدد ضحايا الغارات الأمريكية الذين يزيدون على عدد ساعات اليوم الواحد.. لا توجد اليوم بقعة على أرض العراق لم تسل عليها دماء عراقي أو عراقية، وتهطل معها بحار من الدموع، ولو جمع الأمريكان دموع شعب العراق منذ دخلوه إلى اليوم لأضافوا بها نهراً ثالثاً أكبر حجماً من دجلة والفرات.
في هذا الوقت تظهر الأسيرات العراقيات يغنين ويرقصن في فضائيات موجهة للخلاص مما تبقى من نخوة في النفس العربية المنكسرة.
وقد أثار هذا تساؤل الكثير من الذين لم يفقدهم منظر هذه الأجساد الجميلة التي تتلوى كالأفاعي على شاشات الفضائيات المقدرة على التفكير والتساؤل: هل يرقصن فرحاً بتحرير العراق؟ ألم يكن لواحدة منهن بيت انهدم على أهله أو أخ سقط مضرجاً بدمائه أو أخت انتهك عرضها في (أبو غريب) أو أب سجن بغير ذنب؟!
الحقيقة التي يعرفها العالم أنه لا يوجد بيت عراقي واحد في عهد الطاغية لم يفقد رجلاً واحداً على الأقل، ولكن الآن فقد كل بيت عراقي في عهد الأمريكان رجالاً ونساء.. لا توجد عيون عراقية لم تنزف دمعاً ولا يوجد قلب عراقي لم يختزن حزناً.. فهل قلوب هؤلاء الراقصات العراقيات خالية من كل هذه الأحزان؟!
لو تأمل المعجبون اللاهثون في عيون صاحبات الأجساد التي تتلوى كالأفاعي في أغنية (البرتقالة) الشهيرة لوجدوا حزناً مقيماً يطل عليهم ولكن الذين ينظرون لا يبصرون، ولو دخلوا قلوبهن لوجدوها تذرف إلى الداخل دموعاً وتروي مآسي تنزف دماً ولكن الذين ينظرون لا يشعرون.
لقد نجح الأمريكان في اختراقنا من فوق هذا الحائط القصير، والدخول علينا من نقطة ضعفنا..
ولأن الشعب العراقي والأمة العربية لم تقبلهم بصفتهم دعاة حرية وحضارة لما جاءوا لفرضها علينا بقوة السلاح ها هم الآن يتخذون من بنات العراق من يغنين ويرقصن ويقدمن لنا الوجه الحقيقي لحريتهم وحضارتهم من خلال تلوي أجسادهن الأسيرة.. نعم يغنون لنا ويرقصون بأصوات وأجساد عراقية أملاً في أن ننسى ما يفعلون في العراق المجاهد الصابر.
لقد فشلوا في الانتصار على أرض العراق فهل سينجحون في الانتصار علينا على شاشات الفضائيات؟! لم تستطع أسلحتهم النارية أن تكسر إرادة المقاومة على ساحات القتال فهل سيكسر سلاحهم الإعلامي إرادة المقاومة داخل بيوتنا وفي عمق دفاعاتنا الأخلاقية؟!
محطة:
لا تحسبوا أن رقصي بينكم طرب
فالطير يرقص مذبوحاً من الألم |
|