كان الملتقى الأول للمثقفين الذي عقد بمدينة الرياض بمركز الملك فهد الثقافي بمبادرة من وزارة الثقافة والإعلام من 11- 13 من هذا الشهر تظاهرة ثقافية جديدة على مجتمعنا الذي طالما توجس وتحفظ على لقاءات المثقفين أو اعتبرها ترفا فائضا عن حاجات الثقافة الجادة. وقد شكل اللقاء أرضية مشتركة جمعت عدداً من المثقفين من شتى مناطق المملكة وان بدا التمثيل غير شامل لجميع المنتمين الى الفضاء الثقافي فإن الأمل يحدونا بأن يكون هذا الملتقى مجرد بداية أولى لمزيد من اللقاءات الثقافية التي تجمعنا على حب الوطن وعلى التفكير والعمل بما ينهض بواقعنا الثقافي خاصة فيما لو وضعت تلك التوصيات التي يبدو أنها اشتقت من اشواق المثقفين التي مثلتها أوراق العمل والمداخلات موضع التنفيذ. هذا وان كان لابد من ذكر التحفظ الذي شارك الرأي والشعور به معظم حضور ذلك الملتقى نتيجة لعدم تخصيص جلسة خاصة للتصويت على التوصيات كما جرت العادة في الملتقيات المعنية بالرأي ومشاركة حضورها ومتابعيها.
ولمزيد من تمثيل آراء المثقفين نساءً ورجالاً بما فيهم المثقفون الشباب حتى لا نكون الشباب الوحيد على الأرض فإنني اقدم هنا عينة من آراء المثقفين التي شكلت (العينة) البحثية لعدد ثلاثين مثقفاً من المبحوثين الذين توجهنا إليهم في الجزء التطبيقي من ورقة العمل المقدمة للملتقى بعنوان (حقوق المثقف وواجباته ودوره في العلاقة بين الثقافة والتنمية).
وفيما يلي أنقل عينة من آراء المثقفين في نقطتين محددتين:
النقطة الأولى: تتمثل فيما جاء على لسان المثقفين ليعبر عن صور من واقع تجربتهم المعاشة تمثل بعضا من واقع المشهد الثقافي بمجتمعنا السعودي.
النقطة الثانية: تمثل رؤية المثقفين للواجبات والحقوق وتطلعاتهم في اللقاء الأول للمثقفين.
صور من مشهد الواقع الثقافي
لمجتمعنا السعودي
(1) يمرض الكاتب فلا يجد له أقرباؤه وأهله إلا توسل المسئولين بعلاج أو دواء أو كفن ورغم الأريحية المشهودة لولاة الأمر وللمهتمين بالشأن الثقافي كما كان يشهد لسمو الأمير فيصل بن فهد « رحمه الله» رئيس رعاية الشباب فإن ذلك لا يمنع من تقنين ضمانات صحية لهذه الفئة التي يشكل عملها الثقافي بحد ذاته خطورة كافية على حياتها وصحتها.
(2) يوقف عن الكتابة فلا يجد غير الرقيب خصماً وحكماً لتحديد الجريرة التي أدت إلى إيقافه.
(3) يتعلم المواربة في الكتابة والمداورة لئلا تفضحه صبابات الحرف. هذا إذا لم يتعلم الخلط المتعمد أو بالعدوى بين الولاء الوطني وبين التزلف والوصولية والمبالغة في الإطراء مع الإغضاء عن كل ما يستوجب النقد.
(4) يصب ضوء عينيه في عتمة الحبر ويموت منسيا ليحظى إن كان محظوظاً بتكريم بعد موته.
(5) يبحث اساتذة الجامعات وطلابها عن كتاب لكاتب محلي مما ينشر في الخارج ومما قد يوجد في مكتبات الجامعة ما يماثله لكتاب عرب فلا يجدونه وان وجد فهناك محاذير قراءته وتحليله لمجرد أنه منتج محلي.
(6) ليس للشباب لولا ماصارت تتيحه فسحة الإنترنت إلى حد ما من مجال لإصدار مجلة فكرية أو ادبية جادة او تجريبية. فهذا الباب يكاد يكون موصودا بعدم القدرة على التمويل من ناحية وبمحددات تعجيزية لفسحة النشر. ولا نعفي الشباب من الكسل أو الاعتبار بخيبة من سبقوهم أو الاكتفاء من الأفكار بأحلام الصحو دون استعداد للمغامرة والتحدي خارج بياض الورقة.
(7) هاجس التسفيه وما يتعداه من أحكام أو تهم جائرة تتعدد دوافعها ماعدا ان تشتمل على الدافع المعرفي أو الابداعي مما قد يطلق على هذا المثقف أو ذاك وليس على عمله وحسب مع المصيبة في الحالتين. ومع الإقرار بتمتع معظم الفئات المثقفة ليبرالية او تقليدية او سواها وأيا كانت مشاربهم المعرفية أو أطيافهم الثقافية والسياسية بقدر كبير من التعصب كل لموقفه الذي لا يتسع صدره لغير طروحاته مع الأسف فإن المصيبة تكون أعظم عندما يصل هذا العمى الثقافي إلى حدود الاستقواء بمختلف السلطات الاجتماعية والسياسية والدينية والذي يصل أحياناً الى حد التكفير لا سمح الله.
(8) ليس للكاتب - الكاتبة ضمانات حقوقية واضحة في التعبير، في الاختلاف فتعم حالة من الالتباس بين المسموح والمحظور لا تشكل لائحة المطبوعات التي لا يعرف بوجودها اصلا إلا قلة من المنشغلين بالمجال الثقافي توضيحا كافيا لها مع ما يشكله من خطورة لزيادة حالة التذبذب عدم وجود ضمانات محددة تكفل حرية التعبير كما تكفل حق الاختلاف.
(9) استضافة محدودة وفعالية أكثر محدودية لمعظم المبدعين والمفكرين العرب والأجانب. فتقتصر دعوتهم الثقافية لبلادنا أو إلى مواسمنا الثقافية على زيارات تشريفية ليس إلا وكأننا نريدهم فقط أن يختبروا كرمنا العربي في مد الموائد ومعاينة بعض مظاهر بنيتنا الاساسية (الفنادق والشوارع والمباني في المدن الرئيسة) بدون تفاعل او احتكاك مع طروحاتهم الفكرية او الإبداعية ودون أن نشغلهم إلا فيما ندر بتقديم محاضرة أو لقاء عام حول اعمالهم. مثال دعوة عدد من المثقفين العرب. الجابري/ حليم بركات/ بول فندي وسواهم.
(10) المشاركة في فعاليات الداخل للمثقف المحلي تكاد تقتصر على أسماء كرست لمثل هذه المناسبات. وفي الغالب داخل شبكة معينة من العلاقات الاجتماعية التي قد يكون آخر ما تحسب حسابه إبداعية المبدع المدعو وأول حساباتها صوته الخفيض وانسجامه مع الخطاب السائد.
(11) مسارعة بعض المثقفين من ندرة المنابر وفرص الاحتكاك بالجمهور أو حبا في الظهور او طمعاً في ان يكون المنبر فرصة للوصول وتسليع الذات الى القبول بتقديم ندوة أو محاضرة أو ورقة عمل أو المشاركة في حوار في مواضيع قد لا تمت بصلة لتخصصاتهم المعرفية او لاهتماماتهم الثقافية في ظل أمية ثقافية من قبل المنظمين لمثل هذه النشاطات احيانا او لعوامل العلاقات العامة والمحسوبية التي تتدخل في اختيار هذا المثقف او ذاك للظهور على المنبر. وغالباً ما تأتي مثل هذه الانتقائية غير الثقافية على حساب الموضوع وعلى حساب الجمهور المتابع وعلى حساب المثقف المعني الذي غالبا ايضا لا يجيد الدخول أو يأبى التورط في مثل هذه الشبكة من محسوبيات العلاقات العامة في العمل الثقافي.
(12) عدم تشكيل لجان للعمل الثقافي أيا كانت المؤسسة التي تتبناه من المثقفين أنفسهم بل من موظفين إداريين ممن لا يمتلكون في الغالب الدراية بالساحة الثقافية ومثقفيها اصلاً. وعدم توسيع نطاق استشارة المثقفين انفسهم بمختلف مشاربهم ورؤاهم في مثل هذه الأمور أو اقتصار مشاركتهم على فئة دون أخرى.
(13) ضعف وتشتت قنوات الاتصال بين المثقفين بعضهم البعض وخاصة المثقفات (وإن كان لذلك في حالة النساء عوامل محدودية الحركة)، ضعف فرص التبادل الثقافي فيما بين المثقفين لقراءة إنتاج بعضهم البعض قبل النشر مما يحفل به تاريخ علاقة المثقفين فيما بينهم في عدد من التجارب الثقافية العالمية. فإذا كانت النميمة والتنافس والتشاحن ملح بعض علاقات المثقفين في عدد من المجتمعات الأخرى مع وجود روح عالية من التآزر المهني الضمني والسافر فإن علاقة المثقفين ببعضهم البعض في مجتمعنا لا تسمح إلا فيما ندر بتطوير مثل هذه العلاقة من الود اللدود وفي حدود القليل المتاح من سلم اولويات علاقتنا الاجتماعية وفي مناخ تقوقعنا او علاقتنا المتقطعة مع بعضنا البعض والتي غالباً ما يغلب فيها الطابع الاجتماعي والمجاملات طابع العلاقات الثقافية الشغوفة بالهاجس المعرفي والابداعي دهشته وتحدياته.
(14) ضعف قنوات التحاور بين الفئات الثقافية المختلفة في الطروحات باستثناء المبادرة المباركة الاخيرة بدعم سمو ولي العهد الأمير عبد الله بن عبد العزيز وموافقة خادم الحرمين الشريفين في إقامة مركز للحوار الوطني وعقد عدد من المؤتمرات الحوارية المتتالية بين القوى الاجتماعية المختلفة حول عدد من القضايا الاجتماعية الملحة.
(15) العزلة بين البنى الثقافية والمعرفية بعضها البعض فنادرا ما نسمع عن استضافة أديب أو مفكر أو شاعر في مدرسة او جامعة.
اما النقطة الثانية فتطرح ما جاء من آراء المثقفين من المبحوثين في رؤيتهم لواجبات وحقوق المثقف وبعض مقترحات الهيكلة المؤسسية للعمل الثقافي وقد اشتملت على التالي:
1- وضع مدونة مكتوبة ومقرة من قبل صاحب القرار تقنن حقوق المثقف وواجباته. على ان يكون لها ضماناتها القانونية والشرعية المكفولة رسميا من قبل النظام السياسي لدى جهات الاختصاص. وتشمل ما يلي:
الواجبات:
- واجب الولاء لله ولرسوله.
- واجب الولاء للوطن.
- واجب الولاء لولاة الأمر وللدولة.
- واجب الوفاء بالتزامات المواطنة من الخدمة العسكرية إن استوجب النظام إلى أداء امانة الخدمة المدنية كل في محيط عمله والمحيط الوطني العام.
- واجب الحفاظ على الحق العام والخاص تجاه جميع المواطنين نساء ورجالا وتجاه مؤسسات الدولة والمجتمع.
- واجب المثقف من حملة القلم تحري الحقيقة، الالتزام بالموضوعية وكلمة الحق.
- النقد البناء الذي لا يتعرض بالتجريح أو التعريض.
- عدم التزلف بالقلم.
- عدم المتاجرة بالمواقف.
- الحفاظ على شرف الكلمة.
- الالتزام بميثاق شرف في علاقة المثقفين ببعضهم البعض ومن مختلف المشارب الثقافية.
الحقوق
- حق التمتع بجميع امتيازات المواطنة الكريمة وتشمل حق الأمن في الوطن والنفس والرزق والأهل والفكر، حق المشاركة في الحياة الاجتماعية والسياسية العامة.
- تكوين رأي مستقل.
- التعبير بالرأي.
- الحصول على منابر متعددة للتعبير عن الرأي.
- ايصال الرأي إلى صاحب القرار.
- الحوار مع من هم في مواقع المسؤولية.
- عدم الإيقاف الأدبي والمنع عن الكتابة إلا ببينة واضحة وبحكم قضائي.
- عدم التوقيف إلا بتهمة موجبة مع توفير ضمانات حقوقية الدفاع والاستئناف والنقض أمام القضاء.
- ألا يكون التجميد أو الإيقاف عن العمل أو قطع الرزق وسيلة تأديبية بل الخضوع للتحقيق وللمراجعة القضائية بضمانات دفاعية.
- المقاضاة في السرقات الأدبية.
- المقاضاة في استغلال الأعمال الفكرية والأدبية للمثقف.
- المقاضاة في القذف والشكاوى الكيدية.
- وضع قوانين محددة لحماية الحقوق الفكرية والإبداعية وحقوق الطباعة والنشر والتوزيع.
- تشكيل الهيئات الثقافية والروابط الأدبية الأهلية بشقيها الثقافي والمهني والانضمام إلى عضوية فعالة للهيئات الثقافية الرسمية مع الاحتفاظ بحق الاستقلالية في الرأي والموقف عنها.
- نشر الإنتاج الفكري والأدبي في المجالات المعرفية المختلفة للثقافة بدون شرط الحصول على إجازة من الجهات الرسمية.
- الحصول على المعلومة.
- الحصول على المصادر الثقافية المقروءة والمسموعة والمشاهدة بدون رقابة.
- الانتماء إلى اي مؤسسات ثقافية أو أدبية عربية أو عالمية من الهيئات المستقلة.
- المشاركة في الفعاليات الثقافية من مهرجانات ومؤتمرات وتظاهرات ثقافية بالداخل والخارج.
- ايجاد قنوات ثقافية تنسيقية بيننا وبين أطر العمل الثقافي في مجلس التعاون ومع الدول العربية والمجتمع العالمي.
- تقنين حد أدنى للأجر أو المكافأة مقابل العمل الثقافي سواء في قطاع المؤسسات الرسمية او الأهلية العاملة بالداخل.
- تقنين عقود للعمل أو التعاون الثقافي مع المؤسسات الصحفية أو اي من مؤسسات الإنتاج الثقافي.
- الحصول على خدمات صحية ملزمة للجهات الرسمية بمعالجة المثقف وذويه المقربين بتكلفة رمزية أو بدون تكلفة حسب الحالة مع توفير تأمين صحي ميسر وتحديداً لأولئك الذين ليس لديهم أي جهات رسمية تتكفل بأمنهم الصحي.
- الحصول على سكن كريم بأجر رمزي ينتهي بالتمليك وخاصة ان عدداً من مثقفي المجال الإبداعي والأدبي لا ينتمون إلى وظائف ثابتة.
- الحصول على تفرغ للإنتاج الثقافي ومنه في المجالين الفكري والأدبي بدعم من قبل الهيئات الثقافية الرسمية والأهلية بما فيها الجامعات، المكتبات مع الاحتفاظ بحرية واستقلالية العمل.
- حق المقاضاة لأي جهة كانت في حالة التعرض لموقف أو مظلمة تستدعي ذلك.
مقترحات عامة لتفعيل العلاقة
بين الثقافة والتنمية:
ذكرنا اعلاه بعضا من الرؤى في واجبات المثقف وحقوقه مما نرى أهمية وضع مدونة او وثيقة مكتوبة ببنودها وبسواها من الواجبات والحقوق المعبرة عن الحاجات الاجتماعية والثقافية والسياسية للمثقف السعودي وفيما يلي نقدم بعض الاقتراحات التي نرى لابد من وضع استراتيجية وخطة عملية بها لتوسع وتعلي من سقف الفضاء العام للثقافة مع ربطها بالتنمية:
- قيام مؤسسات ثقافية تعتمد البنى والآليات الديموقراطية في الهيكلة وفي حقوق الترشيح والانتخاب والانتماء لها على أسس من المساواة بين المواطنين من النساء والرجال والأجيال الثقافية المختلفة وبمشاربها المعرفية واطيافها السياسية المتعددة.
- الدعم المادي والأدبي رسميا وتشجيع الدعم والاستثمار الأهلي في مجال النشر الداخلي مع ضمان وتوسيع إمكانية التوزيع في الداخل والخارج. إيجاد ما يسمى بالطبعات الشعبية التي تتاح بأسعار رسمية.
- توفير قاعدة للمعلومات في الشأن الثقافي والعام.
- توفير مكتبات عامة مزودة بالقديم التراثي والجديد المعاصر من الكتب والمطبوعات والدوريات في هيئتها الورقية والإلكترونية وتوفير الأفلام والوسائل السمعية والبصرية الأخرى للمعرفة.
- إقامة مشاريع تكريمية للأدباء والمثقفين الكبار من ذوي المساهمات الثقافية والوطنية.
- فسح المجال ودعم المؤسسات الرسمية والاهلية الثقافية والافراد القادرين من المواطنين لإقامة جوائز تشجيعية للمثقفين الشباب خاصة يكون من ضمنها طبع وتوزيع بواكير الأعمال الثقافية الأدبية المبدعة.
- تسهيل ودعم إصدار المطبوعات والدوريات الثقافية الجادة وخاصة بمبادرة الشباب.
- تعميم النشاطات والمشاريع الثقافية الرسمية والأهلية في الأطراف البعيدة والقريبة وعدم قصرها على المدن أو على الأحياء الميسورة منها.
- فتح المجال لحضور فعال لمثقفي ومثقفات الخارج العربي والعالمي في انشطتنا ومناسبتنا الثقافية مع توسيع نطاقها وعدم قصره على مناسبة معرجان الجنادرية الوطني بل جعلها جذوة لمشاعل اخرى.
- عدم تضييق الفضاء الإلكتروني وعدم إقفال المواقع الثقافية.
- تخفيض اسعار الاشتراك في الشبكة الإلكترونية وتطوير خدماتها.
- رفع سقف الحرية وتوفير الضمانات الديموقراطية والقانونية والشرعية للمجتمع ككل ولعموم المواطنين يشكل احد أهم الأوليات لتنمية ثقافية قادرة على حماية ثقافتنا ووحدتنا الوطنية بعد الله.
- إشاعة ثقافة التسامح وعدم ترجيح كفة اي توجه ثقافي على آخر لا في المؤازرة المعنوية ولا المادية بل اتساع صدر المجتمع لجميع الآراء وتساويهم في الواجبات والحقوق.
|