Wednesday 29th September,200411689العددالاربعاء 15 ,شعبان 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "زمان الجزيرة"

20 - 2 - 1392هـ الموافق 4 - 4 - 1972م العدد (385) 20 - 2 - 1392هـ الموافق 4 - 4 - 1972م العدد (385)
أول ممرضة في الإسلام

لما هاجر الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المدينة كان في استقباله أهل يثرب شيوخاً وشباباً ونساء وصبياناً وكان من بين المستقبلين الفتاة الشابة (كعيبة بنت سعد الاسلمية) التي ستكون موضوعنا، ولم يلبث الرسول أن استقر في المدينة وكون الجيوش والسرايا وأخذت تقطع على المشركين الطرق وتتعرض لتجارتهم. وتطورت الأحداث والحوادث بين المسلمين والمشركين.. وعلا صوت الرسول صلى الله عليه وسلم يدعو إلى الجهاد امتثالاً لأمر الله تعالى وعلا صوت الأنصار معلنين انقيادهم لذلك ولو خاض بهم برك (الغماد) وخرج الرسول بين أنصاره ومهاجريه.
وسألت كعيبة نفسها وهي تراقب الجموع الغفيرة متجهة إلى بدر ترى هل كتب الجهاد على الرجال فقط دون النساء، ورأت كعيبة الباسلة أن للجهاد أنواعاً متعددة غير السيف وخرجت وراء الجيش المحمدي (حفنة) من النساء يحملن الماء للمجاهدين وفيهن كعيبة وما هي إلا لحظات حتى لمعت السيوف وانهلت السهام، وأمام الأحداث بدا لكعيبة دورها الذي أحبته وارتاحت لقدومه.. دور المواساة والتطبيب وتضميد الجراح وأخذت تنتقل بين الصفوف تسعف المصاب وتضمد الجريح وتخفف الآلام، لتشعرهم أن هناك عينا ساهرة تراقبهم وقلباً حنوناً يعطف عليهم.. حتى كتب الله النصر للمسلمين في (بدر) وعاد المنتصرون إلى مدينتهم وعادت معهم كعيبة قريرة العين مطمئنة الفؤاد بما هداها الله إلى الطريق المستقيم.. وأنار الله بصيرة كعيبة وشاء لها أن تعرف أسرار مهنة التمريض والتطبيب البدائي حتى ذاع صيتها في جميع أرجاء المدينة حتى صارت مقصد الراغبين والراغبات في العلاج وأمام هذا النجاح الكبير الذي حققته كعيبة في مهنة التمريض شعرت أن واجبها الإسلامي يفرض عليها أن تخرج بعلمها الذي حذقته، ومن أجل هذا أنشأت كعيبة أول (عيادة) للتمريض جعلت مقرها مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهكذا كانت كعيبة أول ملاك رحيم يحوم بالحنان والعطف حتى صارت مقصد المرضى..
وشهدت كعيبة موقعة (أحد) إلى جانب أخت لها تسمى (أم عمارة) التي جاهدت بالسيف عن الرسول صلى الله عليه وسلم فسجلت تلك المرأة خلوداً ومقاماً رفيعاً للمرأة وعادت كعيبة من (أحد) لتجد أمامها مزيداً من العمل فاتسعت العيادة وكبر مقام صاحبتها، وزحفت الأحزاب إلى المدينة وأسرع المسلمون في حفر الخندق حول المدينة وطبيعي أن يكون مقام كعيبة الباسلة من بين صفوف المحاربين ودارت المعركة واحتمى وطيسها وغدر (بني قريظة) بعهدهم وخالفوا الأحزاب وتفاهموا معهم على فتح حصونهم ليدخلوها إلى المدينة وكان حليف بني قريظة (سعد بن معاذ) فأسرع إليهم يحذرهم مغبة الغدر وأخذوا يسخرون منه، ورجع إلى مكانه في الخندق واستمرت الحرب وزاد وطيسها وتبادل الفريقان رمي السهام وفجأة دوت صرخة رهيبة وصاح المسلمون.. لقد أصيب سعد بن معاذ وأسرعت كعيبة إلى سعد وكشفت عن جرحه.. سهم ريش بأعلى الصدر ودماء كثيرة تنزف منه، وأخذت كعيبة تعالج جرح المؤمن الباسل الذي يلهث في ضيق ويدعو في إيمان لا خوفاً من الموت وإنما ليدحر بني قريظة، وألهم الله الحق لكعيبة المؤمنة، ما تصنع بجرح سعد وراحت بحذق ترعاه لتوقف نزف الدماء ولم تمد يدها إلى السهم المستقر في الصدر المؤمن بل تركته حيث كان ليكون شبه سد طبيعي لوقف الدماء الغزيرة، وبقيت كعيبة إلى جانب سعد تواسيه وتشجعه ووجد سعد في راحته إيمان ورعاية كعيبة فأسلم أمره إلى الله وجرحه إلى كعيبة، وأرسل الله رياحاً شديدة وجنوداً لم يروها وأخذت الطبيعة تحارب مع المسلمين ولم تلبث أن ولت الأدبار، وأفاق سعد من غشيته على تكبير المسلمين فابتسم في راحة ورضى ونظر إلى كعيبة كمن يوصيها بالجرح. ولما ذهب المسلمون إلى إجلاء بني قريظة أبى سعد إلا أن يكون بجيش المسلمين وكعيبة بجانبه تمرضه وترعاه. ولما كتب الله النصر للمسلمين رفع سعد وجهه إلى الله شاكراً لأنه أبقاه حتى دحر اليهود الخونة، ثم انفجر جرحه القديم فانتقل إلى الرفيق الأعلى قرير العين. ولما قسم الرسول صلى الله عليه وسلم الفيء إلى المجاهدين أخذت كعيبة سهماً وهي راضية وزادت ثقتها في نفسها وتضاعف إيمانها وبني جنسها على الجهاد وبأن الدين القيم لا يفرق بين العاملين والعاملات..؟

عبدالعزيز الفراج- الزلفي


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved