كعادة ولاة الأمر في بلادنا - حفظهم الله - منذ أن تأسس هذا الكيان الكبير على يد صقر الجزيرة الملك عبد العزيز - رحمه الله - كان صاحب السمو الملكي الأمير عبد الله بن عبد العزيز واضحاً وصريحاً في حديثه إلى المسؤولين عن التربية والتعليم حين تشرفوا باستقبال سموه لهم قبل أن يبدأ هذا العام الدراسي.
والصراحة والوضوح هما من السمات البارزة والمؤكدة لدى ولاة الأمر في المملكة من قبل أن نستمع إلى المسميات الحديثة التي طرأت على ساحة التعامل الإنساني مثل مسمى أو مصطلح (الشفافية)، فقد مُورست الشفافية وبرزفي سلوك قيادتنا منذ أن هيّأ الله لهذه البقعة المباركة من يوحد أرجاءها ويلم شتاتها، ويقيم منها صرحاً قوياً له كلمته ومكانته في مختلف المجالات.
والمملكة منذ تأسيسها، قد عرف عنها أنها لم تُغالط نفسها ولم تخالف مبادئها، ولم تخرج عن نهجها الشرعي القويم، وبذلك نالت كلمتها المصداقية عند غيرها، ووجدت من أبنائها كل سلوك يعبَّر عن الفخر والاعتزاز.
وقد جاءت كلمات صاحب السمو الملكي الأمير عبد الله بن عبد العزيز في هذا السياق من الصراحة والوضوح لتؤكد أن: (هذا وطن وقبل الوطن دين) موجهاً كلامه - حفظه الله - إلى المؤتمنين على أغلى ما في الوجود فلذات الأكباد، مؤكداً أن هذه أمانة (أمام ربكم عزَّ وجلَّ ثم أمام شعبكم وأمام دولتكم)، طالباً منهم غرس حب الوطن في: (أبنائكم التلاميذ).
وما أوجبه من طلب وما أحسنه من تأكيد وتوجيه!! وما أجدره أن يتحول إلى برنامج عمل تكثف له الجهود، وتحشد في سبيله الهمم، فالقضية لا تحتمل التأجيل على الرغم مما يبُذل فيها من جهود، لأن قضية الوطن ليس فيها (مزح) وليس فيها (لعب) فهي قضية (حياة أو موت).
وحب الوطن ليست كلمة تتردد بل هي سلوك يتعود عليه الإنسان ويتشربه منذ أن يحبو فوق أرضه، ويستظل بسمائه ويتربَّى وينمو من خيراته، ثم تأتي (المدرسة) لتعِّمق هذا السلوك، وتزيده غرساً وثباتاً، وتنمية في نفوس الأبناء. وكل ذلك يتم عبر المناهج الدراسية والمعلمين، وعن طريق كافة ما يُقدَّم داخل المدرسة من نشاط وتوجيه ورعاية صحية وطلابية، فالمدرسة هي المصنع الذي يتم فيه صياغة وصناعة شباب المستقبل المحبين لوطنهم والمخلصين له.
ولا تنعزل المدرسة في هذه المهمة عن المجتمع الذي تعيش فيه بل إنها مطالبة بأن تفتح أبوابها لتفسح المجال للعقول المستنيرة الواعية، ولمؤسسات المجتمع العاملة في الميدان لكي تتعاون معها في أداء رسالتها، حتى تكون مسؤولية إعداد المواطن الصالح مسؤولية مشتركة يقع عبؤها بالدرجة الأولى على (المدرسة) ويتشارك معها ذوو الصلة والعلاقة بتنمية حب الوطن في نفوس الأبناء.
أما أن تنغلق المدرسة على نفسها أو تكتفي بتحويل التربية الوطنية الى (كتاب مدرسي) أو (حصة نظرية) في الأسبوع، أو معلومات نظرية يجتازها الطالب عن طريق (الاختبار) في نهاية الفصل الدراسي، فهنا يُصبح غرس حب الوطن في نفوس الابناء قد وصل مفهومه إلى منعطف خطير يحتاج إلى وقفات للمراجعة والتصحيح والتقويم.
وما بالنا بعد ذلك إذا لم نُوفر للتلاميذ من المناهج ما يُنمي فيهم حب الوطن؟ ولم نوفر أمامهم ولهم المواقف داخل المدرسة التي تربطهم بوطنهم وتحببهم في كل سلوك يخدمون به الوطن ويسعون لرفعة شأنه.
وما بالنا إذا لم نجعل المدرسة بكافة عناصرها وإمكاناتها وعلى رأسهم (المعلمون) تعمل جاهدة لترسيخ مفهوم المواطنة الصالحة وتربية الأبناء على السلوك الصحيح في حبَّ الوطن؟
إن غرس حب الوطن لا يكون بعبارات تُنمق داخل كتاب مدرسي أو بمعلومات مكررة من مواد دراسية أخرى يملُّ التلميذ من تكرارها، ولا تكون بحفظ هذه المعلومات واسترجاعها عند الاختبارات، فالقضية تتصل بالتنشئة والرعاية وبالدور الفاعل للمدرسة داخل المجتمع، وبتحسين وضع المدرسة وانتقاء المعلمين المتميزين الذي يمثلون للتلاميذ قدوة في تعاملهم، وقدوة ونموذجاً في حبَّ الوطن والإخلاص له، ولعل هذا وغيره يدخل في صميم ما وجَّه به صاحب السمو الملكي الأمير عبد الله بن عبد العزيز في حديثه الصادر من القلب بوضوح وصراحة حين أكّد - حفظه الله - (هذه حياة أو موت، وهذا وطن وقبل الوطن دين ليس فيه لعب وليس فيه مزح).
فما السبيل إلى ترجمة تلك التوجيهات الى برامج عمل؟ إنَّ الإجابة عن ذلك نثق أنها يسيرة لدى وزارة التربية والتعليم، وأنها- ولله الحمد- تتوافر لديها الخبرات والإمكانات التي أصبحت مفخرة لكل مواطن يُطالع التقارير الصادرة عن الوزارة والتي تعد وثائق ناطقة بما تبذله الدولة من أجل النهوض بالتعليم.
فهل آن الأوان لنشد العزم ونكثف العمل ونرشِّد الجهود لتربية أبنائنا على حب هذا الوطن الذي ترسَّخ حبَّه في قلوب المسلمين في كافة أنحاء العالم؟
د. عبد الرحمن بن سليمان الدايل
وزارة الثقافة والإعلام |