Wednesday 29th September,200411689العددالاربعاء 15 ,شعبان 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "الرأي"

ولماذا نحتفل باليوم الوطني؟ ولماذا نحتفل باليوم الوطني؟
د. يوسف بن أحمد الرميح / أستاذ علم الإجرام المشارك
وكيل كلية العلوم العربية والاجتماعية بجامعة القصيم
رئيس مركز الشيخ ابن سعدي للدراسات والبحوث

لقد اخترت ان أكتب بعد ان يهدأ الإعلام من الاحتفالية باليوم الوطني لسبب بسيط وهو أن الزخم الإعلامي في هذا اليوم ممتاز ولكن ما أردت كتابته هو موضوع آخر عن اليوم الوطني.. السؤال المهم كيف أثر بنا توحيد المملكة فعلياً من منطلق الإنسان العادي البسيط ابن الشارع الذي همّه الأول قوت يومه، هل فعلاً ذاق مذاق اليوم الوطني وعرف قيمته؟
في البداية يجب أن نعترف أن الملك المؤسس -رحمه الله- قد وحد واستعاد ملك أجداده فلم يكن غريباً عن المنطقة أو غير معروف بها. عندما نرجع للوراء تاريخياً نجد ان الجزيرة العربية كانت مشتتة منذ العصر العباسي ولم يكن لأحد سلطة عليها بسبب كبر مساحتها وقحولة أرضها وقلة مائها وزراعتها. لذا كانت أشبه بالمهملة.. وعندما قام البطل عبد العزيز كانت هناك عدة دول كبيرة تسيطر على أجزاء من الجزيرة العربية كالأجزاء الشرقية والغربية والجنوبية. أما في نجد فكانت السلطة ترجع لقيادات كثيرة جداً كل مدينة أو قرية لها قيادتها المستقلة وتعمل تحالفات مع من ترى وتحارب من ترى.. بمعنى آخر كانت الجزيرة العربية يسيطر عليها أكثر من 30 سلطة مختلفة. وهذا يدفع ثمنه المواطن العادي لأن تكلفة جيوش ومقاتلي هذه السلطات تؤخذ من المواطن الذي تفرض عليه الأتوات والضرائب ويجب عليه دفعها لحماية منطقته.. والمناطق كانت في حروب مشتعلة دائماً وصديق اليوم هو عدو الغد وهكذا. وعندما يخرج المواطن العادي من بلده لبلد آخر يجب أن يدبر أمور حمايته الشخصية سواء بالمال أو الرجال أو السلاح أو جميعها حتى يصل لمقصده سالماً.. وحتى المدن نفسها لم تكن تسلم من العدوان ولذلك كان لكل مدينة سور محكم يمنع الدخول إليها في أوقات محددة وعندما تفكر في بعض الرحلات الكبيرة مثل الحج يهرب من عينيك النوم كم من الأموال والأنفس ستصرف في مقابل الحماية للقافلة.
كان جدي رحمه الله عندما (يسافر) من عنيزة لبريدة لبيع بعض المحاصيل يقول لي أنه كان لا (يسافر) بدون السلاح المعد للاحتياط والمسافة هي بحدود 30كم فقط.
إذاً هنا نعرف واحدة من مآثر الملك المؤسس- رحمه الله- والتي تمس المواطن العادي البسيط وهي الأمن فلقد أصبح المواطن لا يخاف على نفسه من القتل أو السرقة أو الخطف وهذه نعمة كبيرة جداً بل هي أكبر النعم على الإنسان ولذلك قدمها رب العالمين على الشرك بالله عندما قال تعالى عن إبراهيم عليه السلام {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَامَ} (35) سورة إبراهيم. إذاً الأمن هو أكبر النعم ولكن للأسف الشديد كما قال الفاروق عمر رضي الله عنه (تنقض عرى الإسلام عروة عروة إذا جاء للإسلام من لم يعرف الجاهلية). فكثير من شبابنا أخذ الأمن كحق مكتسب بدون تفكير عن ثمنه، والذي أزهق فيه الأرواح الكثيرة، لذا فالأمن قد أصبح أرخض موجود وأعز مفقود.. وبعض شبابنا اليوم لا يقدر للأمن قيمته ونشاهد هذا الشباب يتهور ويدمر ويفجر والسؤال لماذا؟ هل هذه الفئة المنحرفة الفاسدة تريد بنا الرجوع للأيام الخوالي قبل عهد المؤسس عندما كنا في خوف وهلع وعدم استقرار.. وهؤلاء الشباب المنحرفون فكرياً وسلوكياً لا يهمهم ماذا ستصبح عليه الأمور ولم يحسبوها حق الحسبة ولو أنهم عاشوا في انفلات أمني لعرفوا قيمة الأمن والتي مازالت تدفع بالدماء.
هدف استراتيجي آخر من أهداف المؤسس التي ينبغي أن نتذكرها هي استراتيجيته -رحمه الله- في البعد عن المهاترات السياسية فنجد دولتنا - حماها الله - ومنذ قيامها وحتى اليوم وهي أبعد ما تكون عن المهاترات السياسية وأضرب لذلك أمثلة: المواطن العادي في بلد مجاور هو العراق كان في مثل حياة المواطن السعودي من رفه العيش ورغده حتى أتته قيادة سياسية تهوي المهاترات ودخلت بهذا المواطن البسيط عدة حروب كان من نتائجها ان قتل من هذا الوطن العزيز علينا جميعا أكثر من مليون شاب لهم مليون أسرة تبكيهم، فأظن أنه لا توجد أسرة في العراق الشقيق لم تفجع بأحد ابنائها بسبب هذه المهاترات المجنونة وغير المحسوبة وخسر العراق أكثر من 1000 مليار دولار كخسائر مباشرة للحروب دفعها المواطن البسيط من قوت يومه والذي كان في تصوري يأمل أن تصرف هذه الأموال لإنشاء مستشفيات ومدارس ومساجد وجامعات وأمور أخرى تحسن المستوى المعيشي للمواطن البسيط والسؤال البديهي وماذا بعد؟ حتى هذا اليوم يدفع المواطن البسيط في العراق الشقيقة كل يوم ثمن وقيمة تهور قيادته ومهاتراتها السياسية غير المحسوبة.
مثال آخر في بلد شقيق آخر هو ليبيا حيث إن قائده مولع بالمهاترات السياسية حتى يومنا هذا وتسبب في تفجير عدة طائرات منها (ألبان أم) في اسكتلندا والفرنسية في النيجر وتفجير أماكن في عدة مدن منها تفجير برلين الشهير ثم في النهاية يدفع من خزينة الدولة أكثر من عشرة مليارات دولار لأسر إحدى الطائرتين ومثلها لأسرة الطائرة الثانية ومبالغ أخرى لأسر قتلى برلين وهكذا.. ففي سنة واحدة صرف من ميزانية ذلك البلد المولع قائده بالمهاترات السياسية أكثر من 20 مليار دولار (لتصفية حسابات) دفعت من جيب المواطن العادي البسيط، فهذه الأموال كان الأجدر بها ان تصرف لتمويل مشاريع تنموية في تلك البلاد تخدم المواطن وتسعده وتدفعه للتقدم في مصاف الدول الأخرى لا أن تدفع كغرامات لأمريكا وبريطانيا وفرنسا وغيرها كثير. وغير هذين البلدين كثير ترزح تحت حروب أهلية طاحنة أمثال الصومال وأفغانستان وغيرهما.
وقد يقول سقيم عقل وفكر إن سبب هذه التنمية في المملكة هو النفط وهذه فكرة ساذجة جداً حيث ان البلدان التي تحدثت عنها مثل العراق وليبيا وغيرهما هي من أكبر بلدان العالم ثروات نفطية ولكن للأسف لا تصل للمواطن البسيط لأن عائدات النفط تذهب لمهاترات فاسدة غير محسوبة العواقب أو لأسباب لا تصل للمواطن البسيط لأن عائدات النفط تذهب لمهاترات فاسدة غير محسوبة العواق أو لأسباب وعوامل أخرى كثيرة بعيدة كل البعد عن مصلحة الوطن والمواطن.
إذاً عندما نتفكر في انفلات الأمن في الجزيرة قبل توحيدها وعندما نتفكر في بعد بلدنا رعاها الله عن المهاترات السياسية والمشاكل الإقليمية نحمد الله ان قوت يومنا لا يذهب يميناً أو يساراً بل قوتنا لنا وحدنا.
ونشاهد اليوم ان بلداناً أخرى فيها الكثير من الخيرات مثل الماء والزراعة وغيرها من مقومات الحياة مثلا بلاد البنغال والتي فيها أكثر من 100 نهر وبلاد عربية مجاورة يأتون ليعملوا عندنا وهذه من أكبر نعم الله علينا وهذه النعمة توجب لنا الشكر لله ثم لقيادتنا.
ومن هذا المنطلق أرى أن الاهتمام باليوم الوطني وبالملك المؤسس رحمه الله يجب ان يأخذ بعداً آخر غير البعد الاحتفالي مع ضرورة وجود هذا البعد وهذا البعد الآخر أن يكون هذا اليوم منطلقاً لزيادة جرعات الولاء لهذا الوطن الذي أعطانا الكثير وأن يكون المواطن هو عين الدولة التي ترى فيه وأذنها التي تسمع بها وعندما نرى أو نسمع عن هذه الفئة الضالة- التي همها كما اتضح هو إفساد تنميتنا وتقدمنا- فيجب علينا إبلاغ الجهات الأمنية لإيقافهم ومنعهم من ظلمهم لأنفسهم ولدولتهم. هذه الفئة الضالة الفاسدة التي تريد منا قسراً أن نكون دولة ومجتمعاً على غرار أفغانستان وغيرها، ولا أصدق هنا من حديث رسول الله عندما قال: (الشر ما حاك في نفسك وكرهت أن يطلع عليه الناس). فلو كان ما لديهم من بضاعة مسوغة وطيبة لأعلنوها على الملا ولكن عملهم مثل الخفافيش في الظلام فهدفهم هو أفساد هذه التنمية الشاملة التي نعيشها والأمن الذي نعيشه.. وإلا فمن برر لهم قتل الأبرياء من المسلمين والمعاهدين وإفساد الممتلكات العامة والخاصة من المسؤول عن هذا الفساد؟
هذا اليوم العظيم.. اليوم الوطني يجب ان يكون دافعاً لنا جميعاً للتلاحم مع قيادتنا في وجه هذه الطغمة الفاسدة المنحرفة فكرياً وسلوكياً حتى نعيش في ظل هذه التنمية, ولو أصبح لهذه الفئة قوة - لا قدر الله - فهذا معناه الوحيد ان المواطن سوف يخسر هذه التنمية فللحق ان كل مواطن قد ذاق وعرف قيمة التنمية.. ألا تذهب للمستوصف والمستشفى مجاناً ويصرف عليك مبالغ باهظة للعلاج بدون ما تدفع شيئاً، كذلك ألا يتعلم ابناؤك في المدارس مجاناً وحتى الكتب ونقل للبنات مجاناً، وللأسف الكثيرمنا لا يحسب قيمة هذه الخدمات وحتى طلاب الجامعات يصرف لهم إعانات وهذه نادرة في عالمنا اليوم والاتصالات والكهرباء والماء في كل منزل. والطرق الحديثة تخترق الصحراء من جميع جهاتها لخدمة المواطن والمقيم، والمعاهد الخاصة بالمتخلفين عقلياً والمعاقين في كل مدينة وقرية لخدمة هذه الفئة الضعيفة لخدمتهم وإعانتهم على الحياة وخدمتهم من الباب إلى الباب مجاناً.
وهذه أمثلة فقط لبعض مظاهر التنمية في بلادنا الطاهرة.
لا اقول أننا وصلنا إلى حد الكمال في التنمية ولكن نحن نسير في الطريق الصحيح وهناك الكثير من المشاريع الخيرة التي تأتي تباعاً وكل يوم يعلن عن مشروع خير جديد لخدمة ابناء هذا الوطن العزيز. وهذه طبيعة الحياة أنها تأخذ وقتاً في النمو، ألم تر الى الطفل انه يعيش سنوات بدون ان يستطيع الاعتماد على نفسه حتى في غذائه.. فنحن والحمد لله سائرون على الطريق الصحيح.. وهذه المشروعات الخيرة تصب كلها على ابن الشارع المواطن البسيط لتسهل عليه أمور معيشته وتجعل من يومه أفضل من أمسه وغده إن شاء الله أفضل من يومه.. كل هذا حصل بفضل الله تعالى ثم بجهود الملك المؤسس رحمه الله وطيب ثراه الذي وحد هذه القارة على كلمة التوحيد ورفع كلمة الله الواحد الأحد وخدمة ابن هذا الوطن ليكون الرافد الرئيس للتنمية في وطن الخير. هنا كلمة تعجبني قالها أحد القادة العظماء عندما قال: (لا تقول ماذا فعل وطنك لك ولكن قل ماذا فعلت أنت لوطنك).
وهذا كله يدعونا ان نقف مع قادتنا وولاة أمرنا ضد هذه الفئة الباغية الفاسدة لمنعهم من الظلم والفساد والانحراف حتى نعيش ونستمتع بإنجازات وطننا الغالي. حفظ الله وطني وطن المحبة والخير والإحسان بقيادة الوالد خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين وسمو النائب الثاني وحكومتهم الرشيدة وحفظ الله الجميع بحفظه وكل عام ووطني بخير وعزة ومنعة وحصن قوي لكل مواطن محب لهير دينه ووطنه. والحمد لله أولاً وآخراً.


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved