Wednesday 29th September,200411689العددالاربعاء 15 ,شعبان 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "الرأي"

حديث الروح حديث الروح
في لقاء سمو ولي العهد الأمين مع علماء المسلمين
سلمان بن محمد العُمري

اللقاء الأخوي الذي جمع صاحب السمو الملكي الأمير عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود -ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء ورئيس الحرس الوطني- وسماحة مفتي عام المملكة العربية السعودية، ومعالي أمين عام رابطة العالم الإسلامي، وأصحاب المعالي والفضيلة أعضاء المجلس التأسيسي لرابطة العالم الإسلامي، كان حدثاً متميزاً يستلزم أن يكون نقطة انطلاق عملية لتصحيح المفاهيم المغلوطة عن الإسلام لدى أبنائه وأعدائه على حد سواء، فقد تحدث سموه في هذا اللقاء حديثاً ينبع من قلب المسلم الغيور على عقيدته، ودينه، لا سيما وهو يرى الطعنات التي يتلقاها العالم الإسلامي من أبنائه العاقين، ومن أعدائه المتسلطين.
وقد أكد سموه في هذا الحديث النابع من القلب الصادق المفعم بالإيمان على أن الإسلام أنزه وأطهر، وأرقى من الأعمال الإجرامية، وأن من قاموا بها شوهوا سمعة الإسلام، مبدياً أسفه على الفئة الضالة من أبناء الإسلام التي قامت بأعمال لا يقوم بها أي إنسان فيه إنسانية، وفيه أخلاق، وفيه عقيدة.
كما دعا سموه خلال هذا اللقاء العلماء إلى التفاهم مع المذاهب الإسلامية كلها، وإلى الحوار بين مذاهبها، مصارحاً إياهم بواجباتهم الدينية، والأخلاقية، والإنسانية، فقد أكد سموه أن على معشر العلماء واجبات نحو إخوانهم المسلمين، ونحو عقيدتهم الإسلامية التي ليست لفئة دون فئة بل هي للمسلمين أجمع، كما حملهم سموه - كما هي مسؤولية كل مسلم - مسؤولية إظهار صورة الإسلام الحقيقية، بعد أن شوهت من بعض أبنائها، وهي واجب على كل مسلم، فالإسلام الحقيقي وفاء، وإخلاص، ومبدأ، وإنسانية، وكرامة، وعزة، وهذه مبادئ الإسلام، وهذه أخلاق الإسلام.. كما حث سموه العلماء على الحوار والتفاهم بين المذاهب الإسلامية لما فيه مصلحة الإسلام والمسلمين.
ولقد أكد أصحاب المعالي والفضيلة في حديثهم مع سموه على أن الإسلام هو دين الرحمة، ودين المحبة، ودين التسامح، ودين الإخاء الإنساني، ودين منح الحقوق للإنسان.
وأتمنى أن يعقب هذا الاجتماع الكبير تفعيل من أصحاب الفضيلة العلماء، وفيهم عدد ممن يرأسون مجالس الافتاء في بلدانهم، وفيهم وزراء للأوقاف والشؤون الإسلامية، وفيهم من يرأس مؤسسات ومنظمات إسلامية كبيرة لها ثقلها في العالمين العربي والإسلامي، ولها اعترافها الدولي، وأتمنى لو قامت ببرامج في مختلف بلدان العالم الإسلامي تخصص لكافة فئات المجتمع، تبين سماحة الإسلام وعدالته، وإنسانيته، انطلاقاً من قوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ}.
كما أتمنى أن يفعّل في هذه البرامج دور المساجد، والمدارس، والجامعات في تنوير الشباب وإعدادهم الإعداد الجيد، البعيد عن الانحرافات الفكرية، وأن نجعل من القرآن الكريم والسنة النبوية طريقاً لهذا النهج، فقد أنزل الله سبحانه وتعالى القرآن الكريم وفيه هدى للناس، وشفاء لهم من الضلالات، وشفاء لما يتردد في الصدور من شبهات، ونحن لو أقمنا التربية القرآنية فسيكون لذلك أبلغ الأثر في رد الغلو بجميع أنواعه، شريطة أن يتكاتف المجتمع بكامله علماء ومعلمين.
وفي هذا العصر المتميز بتداخلاته، وإشكالاته، وتوسع علاقاته بين المسلمين وغيرهم، فإن هذا الأمر يفرض على العلماء أن يتعاونوا، وينسقوا جهودهم في نطاق عمل مؤسسي يتجاوز الفتاوى الشخصية، بالعمل من خلال دور الإفتاء في التعاون على إصدار الفتاوى التي تبين وتنظم هذه العلاقات، وحدودها، وإبراز الوجه الشرعي لتفاصيل العلاقات الدولية التي تربط المسلمين بغيرهم في مختلف التعاملات، وكذلك ضبط الفتوى، وضبط قواعد التعامل بين المسلمين وبين غيرهم بما يضمن التعايش السلمي الآمن، وفي الوقت نفسه يحفظ الهوية الإسلامية الفردية، والجماعية من الذوبان، وإبراز ما قدمه الإسلام من حفظ لحقوق الإنسان بوجه عام، وحقوق المرأة بوجه خاص فقد عانينا كثيراً من الاجتهادات الفردية الخاصة التي جنت على الإسلام والمسلمين الشيء الكثير.
كما تحدث سموه عن الحوار وأهميته، وهي مسؤولية خاصة للعلماء، فلابد من فتح باب للحوار الصريح يتبناه العلماء، وأن يكون الحوار كما أمر الله سبحانه وتعالى قائما على العدل، والإخلاص من جميع الأطراف، تتبين فيه الشفافية والمصارحة والمصداقية، حتى نصل بالأمة إلى مكانتها التي بينها الله سبحانه وتعالى: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ}، ولابد أن تتسع الصدور والقلوب للحوار الهادئ، والنقد الهادف، واستيعاب الآراء واحترامها.
إنني لا أحمل العلماء والقائمين على أمور الدعوة والشؤون الإسلامية المسؤولية بمفردهم، فنحن جميعاً مسؤولون مسؤولية شاملة كاملة، الصغير والكبير، الأستاذ والخطيب، الرجل والمرأة، يجب أن نقف صفاً واحداً ضد كل ما يمزق ديننا وأمننا ووطننا، من فكر وافد غريب، كما نقف صفاً واحداً ضد أي عدو متربص، فالفكر التخريبي لا يقل عداوة وشراسة عن العدو المدجج بالسلاح.
إننا ندفع ثمن جهل بعض الأبناء، وقساوة الأعداء، وتقصيرنا في حق أنفسنا، ومجتمعنا، وديننا، وها نحن نرى النتائج في الداخل والخارج، فلابد أن نقف وقفة واحدة للقضاء على الفكر التخريبي الوارد، وعلى أطماع العدو الراصد على حد سواء، لقد تعطلت أمور الدعوة، وضيق على مؤسساتها، وحرمت المجتمعات من نتاجها، وأريقت الدماء المستأمنة، وضيعت حقوق المسلمين، كل ذلك نتيجة لأفكار شاذة، وتصرفات حمقاء، وأعمال إجرامية، فالشباب إذا ابتعد عن العلم الصحيح، والعلماء الراسخين، ولم يتبين له رؤية واعية تتزاحم في فكره، خطرات نفسية، وأهواء شيطانية، تتقاذفه ذات اليمين وذات الشمال، فيختلط عنده الحق بالباطل.
وأتمنى وقد اجتمعت هذه الثلة الطيبة من مفكري العالم الإسلامي وعلمائه، أن يتعاونوا على البر والتقوى، وأن يتبنوا خططاً عملية تنطلق من كافة أنحاء العالم الإسلامي، من خلال قيام العلماء والدعاة بدورهم في التوعية والإرشاد، وتقوية المنهج الوسط، كما أن على وسائل الإعلام مسؤوليتها في دعم الخطاب الدعوي الوسطي الراشد.
ولابد أن يتحمل المفكرون، وأهل الثقافة في العالم الإسلامي جزءاً من هذه المسؤولية، فلابد أن يكونوا عوناً للعلماء، وأن يتكاتف الجميع، لابد من اجتناب الخلط بين الإسلام الحق، ومفاهيم التنطع والغلو، ولابد من التكاتف والتعاون حتى تصل الأمة بأبنائها إلى ساحة الأمن الفكري الوسط في المنهج والخطاب، فالأمور لا تعالج بالازدراء والتنقص والتهوين من الأحداث أو الأشخاص، كما لا تعالج بالتسفيه والهجوم المباشر من غير إظهار الحجة، والغوص في أعماق
المشكلة.


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved