طفح الكيل بعدد من الضباط الإسرائيليين وبلغ تذمرهم غاية عظمى بسبب الفظائع التي يرتكبها جيشهم ضد الفلسطينيين، وتحدث هؤلاء الضباط في لهجة تبدو غريبة على الإسرائيليين قائلين: إن (عمليات الجيش مثيرة للقلق (وأن) المضايقات تستهدف المدنيين الأبرياء)، وأن تدمير المنازل يعد بمثابة (عقاب جماعي غير أخلاقي).
هذا في الوقت الذي يرى فيه رئيس الوزراء الإسرائيلي أرييل شارون ضرورة إنزال المزيد من الضربات بالفلسطينيين وخصوصاً وهو يقف على مشارف مرحلة الانسحاب من غزة، التي يريد لها شارون أن تكون مرحلة للزهو، تظهره كرجل سلام تمكن من تدمير المقاومة الفلسطينية، بينما العكس هو الصحيح، فالخروج من غزة قد يصح مقارنته بشيء واحد فقط هو الخروج المخزي لإسرائيل من لبنان، تحت ضربات المقاومة، والآن ها هي المقاومة الفلسطينية تتصاعد ضد عسكر شارون وتجبره على اتخاذ خطوة الانسحاب بعد فترة ترسخت فيها القناعات الإسرائيلية بأن تكلفة الاحتفاظ بغزة باتت أكثر من مكلفة.
العسكر الذين يظهرون تبرمهم في صفوف قوات الاحتلال لا يشكلون ظاهرة جديدة، فهناك حالة مستمرة في هذا الجيش لا تفتأ تبرز إلى السطح بين الحين والآخر، معربة عن رفضها للوحشية والإمعان في مضايقة الفلسطينيين بما في ذلك الأطفال والمسنون والنساء، فالعصا الإسرائيلية الغليظة تهوى على رؤوس الجميع.
إن صحوة الضمير لهؤلاء الضباط، وهم من كبار الضباط في سلاح الجو الإسرائيلي، تعبّر عن حالة استياء عامة خصوصاً وسط الضباط الأقل رتبة وصولاً إلى الجنود الذين يتعين عليهم تنفيذ كل ذلك الركام من (العمليات القذرة) ومواجهة غضب الفلسطينيين وردود فعلهم التي قد تكون موجعة في أحيان كثيرة، فضلاً عن حالة السخط التي تجتاح مختلف أنحاء العالم من الوحشية الإسرائيلية.
ورغم هذه الشهادة التي تدين بطريقة مباشرة السلطة الإسرائيلية فإن هناك في العالم من هو مستعد لمساندة حكومة إرهابية ينبذها حتى كبار قادتها، وللآسف فإن هذا التأييد يأتي من دولة مثل الولايات المتحدة الأمريكية التي تعد نفسها راعية الديموقراطية والمدافع الأول عن حقوق الإنسان، بل إنها تحرص على إنزال العقوبات بمن ينتهك حقوق الإنسان من أقطار العالم باستثناء إسرائيل التي تتمتع بوضعية خاصة رغم أن عملها اليومي والأساسي يقوم على (مرَّغت) حقوق الإنسان بالأرض صباح مساء.
|