في أكتوبر القادم سوف تنطلق فعاليات معرض فرانكفورت الدولي للكتاب، وهذا العام سيكون في المعرض محور خاص بالثقافة العربية، وقد جُنِّدت لهذا المحور العديد من الاجتماعات التي دعت إليها جامعة الدول العربية، وقد ضمَّت تلك الاجتماعات وفوداً من كافة الدول العربية، أولاً لتأمين تكاليف المشاركة التي سوف تسدَّد بنسبة ما تدفعه أو تخصصه كل دولة من الحصة التي تدفعها سنوياً للجامعة العربية لتسيير أمورها، وقد أحجمت أو تمنَّعت بعض الدول عن تسديد حصتها، إما لأنها فقيرة وتريد مَن يسدد نيابة عنها، وإما لأنها غنية وقادرة وتريد أن تربط ما تقدمه باليد اليمنى بما تأخذه لها ولأبناء بلدها باليد اليسرى. وكانت المملكة من أوائل الدول التي سدَّدت حصتها في هذه المشاركة، ولا ندري هل اشترطت شيئاً نظير دفع هذه الحصة أم لا، مثل أن يكون الوفد السعودي كبيراً، أو يكون لمنجزات المملكة في المجالات الثقافية دور في هذه المشاركة.. وكان واضحاً أن بعض الدول في المغرب والمشرق العربيين كانت قادرة ولم تدفع شيئاً من المال ليكون صوت العرب واحداً ولو في المجال الثقافي، وكانت تهدف من وراء هذا التمنع عن الدفع أن تكون بفلوسها ذات مكانة منفردة أو وحيدة، مع أنها لسوء حظنا وحظها ليس لديها ما تقدمه للثقافة إلا موروثها الشعبي، وهو كثير ومتنوع، لو كانوا خططوا لجمعه وتسجيله وفقاً لأحدث طرق حفظ وتسجيل وتدوين المورث الشعبي، لكن التغريد خارج السرب سمة عربية!
ولم تكتفِ المملكة العربية السعودية بدفع حصتها كاملة، بل ربما دفعت عن بعض الدول العربية الفقيرة؛ لتضمن تكامل الصوت العربي في هذا المحفل الثقافي المهم. المملكة لم تكتفِ بذلك، بل ستقوم العديد من الجهات الثقافية بالاشتراك منفردة في هذا المعرض؛ مثل مكتبة الملك عبد العزيز، وجمعية الناشرين السعوديين، وبعض دور النشر المحلية التي اعتادت التواجد هناك منذ سنوات. ويبقى الآن أن نقف عند بعض المحاور المهمة التي ستتوج هذه المشاركة العربية؛ فقد جرى اجتماع في جامعة الدول العربية، حضره وزير الثقافة المصري، ورئيس الهيئة العامة للكتاب المنبثقة عن وزارة الثقافة المصرية، وفي ذلك الاجتماع أعلنت القائمة التي ضمَّت خليطاً من المفكرين والأدباء والمثقفين والعلماء العرب؛ لإلقاء المحاضرات والمشاركة في الندوات، وقد لاقت هذه القائمة من المثقفين في الدول العربية انتقادات حادة أبرزها جاء من مصر، مقر الجامعة العربية؛ لأن تلك الاختيارات خلت من بعض الوجوه التي يرون أنها مهمة. أما نحن في المملكة فلم نرفع كمثقفين صوتاً لتجاهل مَن كتبوا الأسماء السعودية التي ستشارك في المعرض للعديد من الكتاب والأدباء بما يشبه العمد، بل إن هناك العديد من الأسماء أصبحت لحسن حظها وسوء حظنا وكأنها ماركة مسجلة، نجدها في كل احتفالية أو ندوة أو مؤتر تشارك فيه المملكة في الخارج، وإلا فلماذا يتم تجاهل العديد من كتاب القصة القصيرة البارزين، والعديد من الشعراء الذين شكلوا بصمة في الحركة الأدبية في المملكة، والعديد من النقاد، هل لأن هؤلاء لا يبدون أو لا يسعون لأن يكونوا في أساتذة العلاقات العامة، أم لأن إنتاجهم كما يرى مَن وضع قائمة الوفد السعودي لا يرقى إلى مستوى معرض فرانكفورت، أم لأنهم -كما يقولون- لا يتقنون اللغة الألمانية والإنجليزية؟ وهي كلها حجج مردود عليها؛ لأن العديد من الأسماء العربية -وبالذات من المبدعين- لا يتقنون أو يعرفون لغة غير اللغة العربية، ومع ذلك فإن أسماءهم مدرجة في قوائم المشاركة، ويبقى السؤال: ما هي الطريقة التي اتبعت وتتبع دائماً في وضع أسماء مَن يمثلون الأدب أو الثقافة في المملكة؟ على الأقل حتى نلقم هواة الثرثرة من مثقفي المقاهي حجراً لكي لا يتجاسروا ويأكلون في لحم مَن يتكلمون ويرشحون نيابة عنهم.
فاكس 014533173
|