من وحي بوح بعض الأديبات والكاتبات السعوديات حول الملتقى الأول للمثقفين السعوديين

حقاً نظل نفتّش عن كل صوتٍ أدبي أنثوي أصيل يجسّد ملامح عطاء حواء.. ويرسم مشاركاتها الفكريّة الجادة وإسهاماتها الثقافية الفاعلة.. ومن ثم نحتفي بهذا الشجن الكتابي للنصف الآخر.وأنا أقرأ هذا البوح الأنثوي الساخن تحرّكت في داخلي تساؤلات جادة عن سر اختفاء كثيرٍ من المبدعات.. وانقطاع أقلام نسائية ذات حضور متوهج.. مضيت أرسم تفاصيل الدهشة عن دواعي هذا الانزواء.. الذي أصاب حوّاء.. فالقلم النسائي قد يعتريه الفتور ويناله السأم عبر ظهور طارئ وإطلالة مسكونة بالتوجس.. عكس الرجل الذي يحمل طول نفس وقدرة على الاستحواذ في الميدان الكتابي.. تُرى هل اختفت المبدعة خلف ستار الوظيفة التي صرفتها عن الكتابة أم انشغلت بمفردات الزوجية أم أن استبداد الرجل وهيمنته على بوابات العبور إلى مدن الكتابة جعل حواء في موقف غير قادر على المزاحمة.. فغدت واقفة تقتلع خطى الوجوم.. ترنو إلى أفق شاحب.
عذراً حواء.. من حقنا أن نتساءل عن سر هذا الذبول.. مضينا نستمطرك إبداعاً.. وعطاءً.. نفتّش عن حرارة حرفك الذي طالما سكن أعماقك.. ونبحث عن صهيل بوحك الشجي.. فأنتِ من كان يعبئ قوارير الأسئلة.. يبثّ الاخضرار في رحم اللغة.. وأنتِ من يفتح نهارات أخرى في سماء حبر ينبثق من ذاتك.
حواء.. عودي.. أقولها لكل قلم نسائي منقطع.. أو متذبذب الظهور.. عودي.. يا حاملة القلم.. وحامية القيم.. لتمارسي هذا الامتزاج الجميل مع طقوس الكتابة.. نعم الكتابة هذا الهاجس العذب المعبّأ بتفاصيل العبور.. الكتابة هذا الهمّ اليومي المكبّل بالارتحال.. والنزوح الماتع المحفوف بلغة التغلغل وبنهكة المغامرة.. الكتابة اشتباك مع الذات.. وهي لحظات اقتناص وامتصاص..ترى هي أين أقلام نسائية طموحة.. ومشاركات أنثوية جادة.. مضيت أنثر مفردات تساؤل عميق!! فالمجتمع يحتفي بكل نزفٍ أنثوي أصيل.. يريد أن تتجلى حواء ظهوراً كتابياً متشحاً بالقيم النبيلة.
يريد من حواء أن تشعل الأسطر تلوّن الأحرف بريشة الحضور.. وتحمل مؤونة الكتابة إلى ورق يفوح عبقاً.. ويشرق ألقاً.. لأن حواء لن تمارس العقوق مع أغصان البوح.. ولن ترمي اليراع.. وتلقى المتاع.. حوّاء ذات مشاعر سيّالة.. لن تجفّ في أودية الكتابة.. وهي لن تكتب شيكاً بدون رصيد في بنك البوح.. عذراً حواء.. من أجل الإحساس.. اكسري الأقواس.. أعني أقواس الحساسية الزائدة من هيمنة الرجل على الموقف الكتابي.. اطمئني حواء.. لن نمارس معك ملامح الاستفزاز.. كي تعودي.. لأنكِ ستذعنين ذات يومٍ.. لهواجس الكتابة.. وتحملين حقائب السفر.. إلى أراضٍ معشوشبة بالكلمة الطيبة.. فأنت خير من يرصد مواقف (النصف الآخر) ويعبّر عن قضاياها ويحكي تجاربها.
عفواً.. أيتها الكاتبة المنقطعة أعيدي استجماع مفردات بوحك.. وانسجي خيوط الإبداع.. أطلّي بحرفك في زمن العزوف عن الكتابة.. وكفكفي ملامح الوجع.. المترع بمشاعر الشجن.. لأن حواء مع الحرف نبض مسافر في فضاء ورق مسكون بالبياض.. عذراً.. حواء.. ازيلي مشاعر التوتر.. واكسري أسطوانة الصمت.. حتى لو وصفت قلمك بالانحسار.. واتهمت عطاءك بالانكسار.. لا تغضبي.. فما زلت أقف وقفة احترام وتقدير.. وأنصت لصهيل حرفك الشجي.. لأنني أجزم بأن حواء أكثر انتماءً وأشد إخلاصاً للحرف من الرجل.. وربما كنت محقاً.. أم حملني تعاطف الموقف الكتابي.. لا فرق.. غير أني أقول.. عفواً حواء.. لا تهجري ديار البوح.. أو تلوذي بالصمت.. فلم تزل مدادك حبلى بدوائر العطاء.. نعم.. لا تلجمي أفواه الأحرف.. يا ذات المشاعر.. وما زلت أتساءل لماذا أصبحت الكتابة مشروعاً كاسداً لدى كثيرات.. ولماذا تصاب حواء بالسّأم الكتابي سريعاً.. وتذوب حبيبات حماسها فوق صفيح ساخن؟ ومرحى لكل قلم نسائي يواصل الهطول.. ممارساً الانسكاب.. لا الانسحاب!