كانت لي عدة رحلات إلى جمهورية كازاخستان، كتبت عنها في هذه الجريدة، في العدد 11040 بتاريخ 16- 10-1423هـ والعدد 11355 بتاريخ 5-9-1424هـ والعدد 11405 المؤرخ 26-10- 1424هـ والعدد 11414 في 6-11- 1424هـ والعدد 11416 بتاريخ 8- 11-1424هـ، فلا داعي لإعادة ما قلت هناك، رغم أن بعض القراء لم ير تلك الحلقات، ومَن رآها نسي ما فيها، باستثناء ذوي الذاكرة الحديدية (ما شاء الله).
في هذه الرحلة (الرابعة) زادت أسعار التذاكر لطيران (استانا) 800 درهم إماراتي من دبي إلى ألماتي ذهاباً وإياباً، وفي مطار ألماتي العاصمة القديمة لكازاخستان وجدت المبنى الجديد قد انتهى، وتم استخدامه بدل المبنى القديم الذي كنت أعرفه، وهو مطار حديث جيد، به أربعة ممرات تقف عندها الطائرات، وعليه بعض الملاحظات أو الملحوظات التي لا داعي لذكرها هنا، كان الوقت صيفاً، والجو متقلباً بين صحو وممطر، ودفء وبرد، والجبال المحيطة بالمدينة من الجنوب تكسوها الثلوج، وتغطي بقيتها الأشجار الخضراء المنوعة، والأنهار تنحدر من الجبال متجهة للبحيرات، وما كنت وجدته في رحلاتي السابقة وهو (الماء والخضرة والجو الحسن) وجدته هذه المرة (لم أجد غيره) سوى الكرم ودماثة الخلق من جميع موظفي سفارة المملكة.
الضيافة ثلاثة أشهر
وقيل لي إن الحكومة زادت الضيافة العربية من ثلاثة أيام إلى ثلاثة أشهر فصدّقت الكلام، وبقيت قريباً منها، ولم أشأ مخالفة الحكومة وعصيانها، إلا أني اغتنمت فرصة الراحة النفسية والفراغ والخضرة والماء (والجو) الحسن فقمت بتصحيح الطبعة الرابعة من (ديوان السامري والهجيني)، كما قمت بتصحيح فهارس بقايا مكتبتي ومكتبة قيس التي طبعها ابني قيس- وفقه الله- بالحاسوب (الكمبيوتر) تمهيداً لبيعها للاستفادة من مكانها وثمنها، لأنها (مضيّقة البقعة شاربة النقعة)، ما عدا بعض الكتب القديمة والنادرة (ومعظمها صور)، في بعض الموضوعات، ككتب عن المملكة والجزيرة العربية والملك عبدالعزيز والدعوة السلفية، كمكتبة منزلية، مراجع وغيرها، وقد يستفيد منها بعض الباحثين والباحثات لوجود كتب ذات طبعات قديمة قد لا يجدونها في مكتبات أخرى لأني جمعتها من عدة دول، ومن سراديب الكتب القديمة يوم كانت الهواية جامحة ونشيطة، واذكر أني كنت أدخل تلك السراديب والمستودعات المغبرة، فأتلثم (أتلطم) وألبس لباساً على ملابسي وأبدأ في نبش تلك، مع أنوار ضعيفة، وهواء غير نقي، وغبار متراكم على الكتب، فأنسى نفسي، وأحياناً يطلبون مني الخروج، لانهم سيقفلون المحل، ولكني أخرج بصيد ثمين من الكتب القديمة والنادرة، كمؤلفات قديمة لمؤلفين من المملكة، لم تعد موجودة لديهم، وليست محفوظة في أي دائرة في المملكة كما أجد رحلات للحجاز قديمة لحجاج من مصر والمغرب وتونس والشام وغيرها،
جرائد ومجلات قديمة من أنحاء العالم
كما وجدت بحكم الهواية نفسها مئات الجرائد والمجلات القديمة والنادرة والطريفة صدرت في الدول العربية والإسلامية، بل وفي أمريكا وفرنسا وغيرها، باللغة العربية، وكنت وضعت قوائم لتلك الجرائد والمجلات لعرضها أمام القراء ولكن الظروف لم تسمح بذلك ولم أجد اهتماماً وتجاوباً، فاضطررت لبيعها.
كتب نادرة وقديمة
عودٌ على موضوع الكتب القديمة والنادرة التي عثرت عليها، فقد وجدت كتباً طبعت في مالطة وسنغافورة وفرنسا وأمريكا وقازان والاستانة وغيرها مما لم أعد اتذكره.
في ألماتي
تحدثت عن كازاخستان وألماتي في مقالاتي السابقة بما يكفي - في رأيي - إلا أني علمت الآن ان الغاز يأتي للبيوت عبر أنابيب، فلا ترى براميل الغاز كما هو الحال عندنا، والحفر التي كانت في الشارع القريب من الفندق والمتفرع من شارع (الفارابي) تم ردمها، وكنت أشرت إليها في رحلاتي السابقة، (والردم لم يأتِ نتيجة لكتابتي طبعاً)، ورأيت الفِرَق (جمع فرقة) تجوب الشوارع وتردم الحفر، وسمعت أن الثلج الذي ينزل شتاءً يؤثر على الأسفلت، وهذا شاهدته وسمعت عنه في مدينة موسكو حيث يعانون هناك من نفس المشكلة.
إلى أستانا
زرت مدينة أستانا العاصمة الجديدة للدولة وهي في شمال البلاد (ألماتي في جنوبها) بينهما أكثر من ساعة بالطائرة، وهي مدينة حديثة، بها نهضة عمرانية نشطة، وشوارع واسعة ومبانٍ جميلة، يتوسطها نهر، وهي في أرض منبسطة لا جبال فيها ولهذا تكثر فيها الرياح التي تزعج سكانها وزائريها، ويشتد البرد فيها شتاءً، وبعض السكان هنا يفضلون ألماتي على أستانا.
السفارات في أستانا
وبدأت السفارات في الانتقال أو الاستعداد للانتقال من ألماتي إلى أستانا، فقد افتتحت السفارة الروسية هناك، كما بدأت السفارة الأمريكية في البناء، وبعض السفارات حجزت أمكنة لها، وتحيط بالعاصمة الجديدة بعض المستنقعات التي قد ترسل البعوض لها.
رحلة جميلة
تكرم الأستاذ علي بن محمد الحمدان سفير المملكة هنا فدعانا لرحلة إلى أحد الأنهار خارج ألماتي، وقلت (دعانا) بصيغة الجمع لأن الدعوة موجهة لضيفيه إبراهيم أبو بكر وبدر بن خريف ولي، فاستمتعنا برحلة جميلة لا تنسى، وصدنا السمك من أحواض كبيرة وضعت هناك كما وضعت (سنارات) الصيد لمن يريد استخدامها بأجر زهيد، وقد سبحت في النهر رغم برودته ولكني شعرت بعده بنشاط عجيب.
سبايبا (أي شكراً)
(سبايبا) باللغة الروسية تعني (شكراً) وجوابها: (باجالوصطا) وقلت للأستاذين أبوبكر وابن خريف لما قدما إلى هنا إني أصبحت بلبلاً في اللغتين الروسية والكازاخية، ولكنه بلبل لا يغرد أي لا يعرف كيف يغرد، رغم حرصه على ذلك، قلت لهما إذا أردتم أن تقولوا (عفوا) بالروسية فتذكروا قول المصريين (ماجا الاصطا) أي لم يحضر السائق أو غيره، وهي شبيهة نطقاً ب(باجا لوصطا).
أقول سبايبا، ورحمت، وثانكز، ومرسي، وتشكّر، وقراسياس، وغيرها، لأبي فارس، على صبره على مكثي الطويل، وإزعاجي له بطلباتي المتكررة، وهذا ليس غريباً عليه، فقد سمعت الثناء عليه في أماكن كثيرة، من زواره وزملائه وضيوفه وأصدقائه والوفود، في الدول التي عمل بها وغيرها، رغم أن شهادتي فيه مجروحة (كما يقولون).
أضواء على دواوين الشعر العامي القديمة
إضافة إلى تصحيح وتنقيح الطبعة الرابعة من كتابي (ديوان السامري والهجيني) وتصحيح فهارس بقايا مكتبتي ومكتبة قيس، في فترة نظام الضيافة العربية الجديد (3 أشهر) فقد اغتنمت الفرصة، وبدأت في إعداد الكتاب المذكور في العنوان أعلاه، وهو عبارة عن استعراض كتب الأدب الشعبي ودواوين الشعر العامي القديمة، التي كان لديّ منها الشيء الكثير، حوالي 400 عنوان.
وكان الشيخ محمد بن ناصر العبودي، الرحالة والمحقق والباحث المعروف، قد أشار عليّ بتأليف هذا الكتاب، وذكر أني أولى من يقوم بذلك بحكم اهتمامي بتلك الكتب واطلاعي على معظمها، واقتنائي لأكثرها، وقد شكرته على ثقته بي وكتبت مقدمة للكتاب، وبدأت باستعراض تلك الكتب والدواوين، ولكني ما كدت أبدأ حتى شغلت عنه بمكتبة قيس وبأشياء أخرى، ولما التقيت الشيخ العبودي ذكرني بالكتاب، وأعاد عليّ الاقتراح، ووعدته خيراً، ثم شغلت عنه مرة أخرى سنة أو سنتين.
فلما جاءت هذه الفرصة أقصد فرصة (الضيافة العربية الجديدة) استعنت بالله وتوكلت عليه (وكنت دائما أستعين به وأتوكل عليه) وبدأت في إعداد الكتاب، وكانت معي فهارس مكتبتي ومكتبة قيس فنقلت أسماء الكتب والدواوين كلها، كل واحدٍ في ورقة، وقد بلغت أكثر من ثلاثمائة كتاب وديوان، وعند عودتي للرياض سأضيف بعض المعلومات عن تلك الكتب والدواوين من الكتب نفسها، ومن بعض قصاصات الصحف التي أحتفظ بها وهي تتعلق ببعض تلك الدواوين من نقدٍ أو ملحوظات أو إضافات كما حدث لديوان سليمان بن شريم، أما الكتب التي تم بيعها ولم احتفظ بنسخ أو صور منها فساكتفي بما في الفهرس من معلومات عنها، وسأضيف بعض الكتب لم تسجل في الفهرس.
الوفد التجاري
أثناء وجودي في ألماتي جاء وفد تجاري من المملكة من مجلس الغرف التجارية الصناعية بالمملكة مكوّن من حوالي 40 شخصاً معظمهم من رجال الأعمال في المملكة، بعضهم أعرفهم من قبل، كالأساتذة عبدالرحمن الجريسي، صالح الفهاد، محمد اليحيا، ومحمد العوهلي وبعضهم أعرفهم من قبل ولكني لم أقابلهم كالأستاذ فهد العبيكان صاحب مكتبة وشركة العبيكان، وبعضهم تعرفت عليهم هنا كالأساتذة، عبدالرحمن الزامل، وعبدالرحمن الربيعة من ثادق المجاورة لقريتي البير وسعيد البدوي من جدة وباسم الحبشي منسق الوفد.
(*) ألماتي- كازاخستان |