تتناول الصحافة المحلية العديد من الموضوعات الاجتماعية والتربوية والصحية والاقتصادية والثقافية وغيرها، وتركز وقت المناسبات (أو وقت ما يسمى بالذروة) على أبرز الأحداث القائمة، ويتحفنا الكثيرون جداً من أصحاب المقالات الثرية بفكرهم النير المتعمق، وبُعد نظرهم، وواقعية طرحهم ومنهجيتهم العلمية وموضوعيتهم وإنصافهم وتحريهم الدقة فيما يرون أو يكتبون، ايمانا منهم بأمانة الكلمة وأخلاقيات المهنة، وتجسيدا عمليا لثقافة الحوار ولغته، وأدب الكلام.. وهذه الشريحة الكبيرة من الناس تُسهم بفكرها وعقلها وقلمها في بناء المجتمع، وتوظف مساحة الحرية وتستثمرها في عمليات التطوير والتحديث التي يحتاجها مجتمعنا في منظومة النهضة التنموية الشاملة للمملكة، بعيدا عن التشهير والتجريح (المتعمد وغير المتعمد)، وبمنأى عن الإثارة التنافسية المؤذية بين المؤسسات الصحفية والإعلامية.
ولا شك أن حرية الكلمة المنضبطة والمسؤولة مطلب حضاري وإصلاحي يعين على بناء المجتمع وتشييد مؤسساته المدنية، ويقنن العلاقات بين أفراده.. وما أحوجنا للطرح الإعلامي المنصف والموضوعي المتسم بالنقد البنّاء والهادف وفي حدود المسؤولية والمحاسبة، كي تحمى الاعراض من أن تلوكها او تسلقها بعض الالسنة.
وخلال الاسبوعين الماضيين، وبمناسبة بدء العام الدراسي الجديد، شمر بعض الصحفيين عن سواعدهم وبتركيز مكثف ليصوروا لنا حال المدارس ونقص بعض المعلمين والمعلمات وتأخر وصول بعض الكتب الدراسية وغيرها في مدارس محدودة خارج ما مجموعه حوالي (27000) مدرسة، وبصورة بولغ في عرضها وتُفنن بإخراجها.. وأقل ما يقال عنها أنها ضبابية اللون، ومع التسليم بألا أحد يدعي الكمال؛ فالكمال لله وحده، وأن أي عمل بشري سيكون عرضة للنقص والقصور، إلا أنه - ورغم وجود حالات نقص محدودة هنا وهناك - فإن من المؤكد أن الغالبية العظمى من المدارس مستقرة، وبدأت عملها التعليمي والتربوي من أول ساعة دوام من يوم السبت 26-7-1425هـ، وأن كثيرا من الممارسين والمسؤولين في إدارات التربية والتعليم يدركون مبالغة بعض المقالات في تصوير واقع المدارس، حيث إن التوقعات تشير الى ان اجمالي المدارس التي جاء فيها بعض النقص لا يتجاوز ما نسبته 5%، وللعلم فإنه لأول مرة تُعتمد مبالغ مالية لإعادة تأهيل عدد من المدارس الحكومية القديمة، وهذا التأهيل غير الصيانة، ويستدعي بناء وترميماً وإضافة وتعديلاً، وفي بعض الحالات لم تكن مدة الصيف كافية لإنهاء المهمة، وبجانب ما ذكر فهناك أسباب أخرى خارجة عن سيطرة وزارة التربية والتعليم مما يرتبط بوزارات أخرى ويحتاج لموافقتها المسبقة على أي إجراء تود الوزارة اتخاذه، مع ما لوحظ في بعض هذه التعليقات الصحفية من تعميم للأحكام على من يعمل ومن لا يعمل من دون استثناء، وتهويل لصغائر الهفوات، وتضخيم للأخطاء البسيطة، وتجاهل للإيجابيات الكثيرة المتحققة، بل وضعف في تحري دقة المعلومة المنشورة للناس، وربما تطور الأمر للاعتقاد بأن بعض الآراء تستغل بعض المواقف الشخصية للتشفي، واستخدام الهالة الإعلامية لتفسير الأمور بما لا تحتمل، وكأن مجتمعنا البشري معصوم من الخطأ فيما عدا مجتمع التربية والتعليم!!.
إن ما يجب أن يدركه المجتمع هو أن توافر المعلمين والمعلمات لا يتم إلا في ظل توافر وظائف محدثة وشاغرة، وأن وزارة التربية والتعليم في ظل التطور الذي تشهده في الكم والكيف، والنمو السكاني المذهل، وسعة الرقعة الجغرافية للمملكة وتناثر القرى والهجر، وجعل رياض الأطفال جزءا من السلم التعليمي العام، وإقرار مادة اللغة الإنجليزية والحاسب الآلي في المرحلة الابتدائية وطبيعة الخطة الدراسية لكل مادة (وهذه لايفهمها إلا التربويون) ووجود وظائف تعليمية خارج الفصل كمدير المدرسة ووكيلها والمشرف التربوي والمرشد الطلابي ومحضر المختبر وغير ذلك من برامج تطوير التعليم، تستدعي إحداث الوظائف اللازمة وتفهم تلك المتطلبات الضرورية وتسديدها وإدراك استحالة أن يكون بمقدور وزارة التربية إسناد (24) حصة أسبوعيا لكل معلم بسبب المدارس النائية والمباني المدرسية المستأجرة وطبيعة الخطة الدراسية لبعض المواد.
إن لدى وزارة التربية والتعليم من المهمات الشيء الكثير، وهي تسعى بكل جد للتغلب عليها، فالمباني المدرسية المستأجرة وقلة الأراضي داخل المدن الكبيرة ووجود عشرات الآلاف من المعلمين والمعلمات على وظائف أقل مما يستحقونها ويكفلها لهم النظام، وشح الوظائف المحدثة مقابل النمو السكاني الكبير في ظل إلزامية التعليم وتزايد الطلب عليه ومتطلبات التطوير والتحديث المستمر ومواكبة مستجدات العصر وغيرها.. تستدعي أن يقف المجتمع بما فيه الصحافة مع مؤسسات التعليم والأسرة التربوية. وشهادة حق، فإن المنصفين وهم كثيرون جدا- بحمد الله- يدركون ما تحقق من إنجازات كثيرة ومتميزة على المستوى الكمي والكيفي بفضل الله أولا ثم بدعم ورعاية القيادة ثانيا، والمجال هنا غير مواتٍ لسرد ما تحقق، مع أن عمليات التطوير والإصلاح التربوي لا تظهر آثارها قبل مرور عقد من الزمن وفقا لمنظمة اليونسكو للتربية والثقافة والعلوم.
إنه لأمر لازم أن نُحسن الظن بنصف مليون من التربويين والتربويات العاملين بالتعليم، وجُلّهم- إن لم يكن كلهم- من الآباء والأمهات، وأن نثق بقدراتهم وأمانتهم وانتمائهم لرسالتهم وولائهم لدينهم وقيادتهم ووطنهم، وأن نقف مع مؤسساتنا التعليمية داعمين ومباركين ومؤيدين، وأن نسدي للأسرة التربوية النصيحة من غير تجريح ولا تشهير ولا تشكيك، وأن نحترم حقوقهم علينا وألا نخذلهم، وأن نثمن جهودهم، وأن ننشر الإيجابيات الكثيرة ونقدرها لأن الحسنات تُذهب السيئات، وفي مثل هذا فليعمل العاملون.
|