* نيويورك - واس:
أكدت المملكة العربية السعودية أن التحولات الدولية المتسارعة وحجم التحديات التي يواجهها المجتمع الدولي تستوجب اليوم، أكثر من أي وقت مضى، إمعان النظر في أساليب عمل الأمم المتحدة، وفي تشكيل وعمل هياكلها القائمة بهدف تعزيز قدراتها لمنع وحل الصراعات والمحافظة على الأمن والسلم الدوليين.
وأعلن معالي مساعد وزير الخارجية الدكتور نزار بن عبيد مدني - في كلمة المملكة العربية السعودية، التي ألقاها أمس أمام الدورة التاسعة والخمسين للجمعية العامة للأمم المتحدة، التي بدأت أعمالها الأسبوع الماضي- تأييد المملكة للدعوة إلى إجراء إصلاحات تكفل توسيع مجلس الأمن بما يتناسب مع تحسين التمثيل الجغرافي واعتماد الشفافية في أعماله، وتأكيدها في الوقت نفسه ضرورة أن تقترن تلك الإصلاحات بتوافر الجدية والمصداقية والبُعد عن ازدواجية المعايير والالتزام بقرارات المجلس واحترامها.
وأوضح معاليه أن من الإصلاحات المهمة في ذلك المجال تقييد استعمال حق النقض، بحيث تتعهد الدول دائمة العضوية بعدم استخدام حق النقض فيما يتعلق بالقرارات والإجراءات التي يقصد بها تنفيذ القرارات المتفق عليها مسبقا، وكذلك العمل على تحقيق التوازن الأمثل بين الجمعية العامة ومجلس الأمن، وتعزيز دور المجلس الاقتصادي والاجتماعي، ودعم التنسيق بين صناديق الأمم المتحدة وبرامجها وأنشطتها.
وأكد تمسك المملكة العربية السعودية بالأمم المتحدة وبالنظام الدولي المتعدد الأطراف؛ لأن المجتمع الدولي أحوج ما يكون إلى التكاتف والتآزر من أجل وضع حلول عادلة للمشاكل العالمية المتفاقمة عبر احترام جاد لما استقر في وجدان البشرية من قيم وأعراف ومبادئ تعزز التعاون البنّاء وتحقق الأمن والسلام والازدهار لجميع الأمم.
وقال: إن الإنسانية ابتليت بتنامٍ خطير لظاهرة الإرهاب التي لا يختص بها مجتمع دون آخر؛ ولذلك فإننا في أمَسِّ الحاجة اليوم إلى تسخير كل جهد ممكن في سبيل تعزيز التعاون الدولي لمكافحة الإرهاب والمحرضين عليه والممولين له؛ لأن جماعات الإرهاب تعبر الحدود والمساحات وتتمدد عبر الأوطان والقارات.
واكد معاليه رفض المملكة العربية السعودية للارهاب بجميع اشكاله وادانتها لكل مظاهره وتعاونها مع المجتمع الدولي للقضاء عليه ودعمها التام لقرارات مجلس الامن الدولي ذات الصلة بالارهاب.
واشار الى اتخاذ المملكة العربية السعودية لجميع الخطوات اللازمة لسد أي ثغرة في انظمة جمع التبرعات للاعمال الخيرية التي قد تستغل لغير الاعمال المشروعة موضحا انها لذلك قامت بإنشاء هيئة اهلية كبيرة تتولى الاشراف والتنظيم لكل الاعمال الاغاثية والخيرية بهدف تنظيم عمل تلك الهيئات وعدم السماح لذوي النوايا والاهداف الشريرة باستخدام الهبات الانسانية لاعمال غير مشروعة.
وقال ان المملكة العربية السعودية كانت من اول الدول الموقعة على الاتفاقية العربية لمكافحة الارهاب واتفاقية مجلس التعاون لدول الخليج العربي لمكافحة الارهاب كما انها انضمت الى تسع معاهدات واتفاقيات دولية ضد الاعمال الارهابية.
واضاف انه من المهم في ذلك المجال الاشارة الى ان الاجراءات المختلفة التي اتخذتها المملكة العربية السعودية وسلطاتها المختصة وجدية سياساتها للقضاء على الارهاب ونجاح استراتيجيتها والاخذ بزمام المبادرة واستباق الاعمال الاجرامية للارهابيين قد حققت نجاحا كبيرا في مكافحة تلك الآفة الخطيرة وهو الامر الذي ادى بالمنظمات الدولية لتقدير تلك الجهود وتثمينها لفعاليتها في محاربة تلك الظاهرة.
واشار معاليه الى ان تلك الجرائم التي ترتكبها حفنة من المجرمين والمضللين لا يمكن ان تشكل مبررا لتجريم مجتمعات باكملها ولا ثقافات باسرها.
وقال بما ان الارهاب قد يضرب أي مدينة ويستهدف أي مصالح بغض النظر عن جنسية وديانة وانتماء الضحايا فإن التصدي له يعتبر مسئولية دولية مشتركة لابد من ان تحمل على محمل الجد والالتزام بها بمصداقية.
واعلن معاليه ان المملكة العربية السعودية قد عقدت العزم على استضافة مؤتمر دولي لمكافحة الارهاب في مدينة الرياض بتاريخ 25 ذو الحجة 1425هـ الموافق 5 فبراير 2005م انطلاقا من موقفها ضد الارهاب وما تبذله من جهود على الصعيد الوطني والاقليمي والدولي للقضاء عليه وكذلك لايمانها بأن الارهاب هو ظاهرة عالمية خطيرة يستوجب التصدى لها تعاون كافة الدول وضرورة تضامنها وتضافر جهودها في مواجهة تلك الظاهرة.
وأوضح أن ذلك المؤتمر يهدف لتبادل المعلومات والخبرات في مجال مكافحة الإرهاب والاستفادة من تجارب الدول وتعاونها في مكافحة هذه الظاهرة الخطيرة واستغلال مناسبة المؤتمر الهامة للاستفادة من الأساليب العلمية والعملية في مجال مكافحة الإرهاب وعلاقته بغسيل الأموال وتهريب المخدرات والأسلحة وكذلك دراسة الثقافة والفكر الإرهابي والتنظيمات الإرهابية وتشكيلاتها.
وأفاد أنه تم توجيه الدعوات الرسمية للدول التي تعرضت أو تتعرض للإرهاب وكذلك للمنظمات الدولية المعنية بذلك الأمر مؤكدا ترحيب المملكة العربية السعودية بمشاركة تلك الجهات وتطلعها إلى أن تشكل نتائج وتوصيات المؤتمر رافدا مهما ودعامة قوية للجهود الدولية المبذولة لمكافحة ظاهرة الإرهاب واجتثاثها من جذورها.
وتناول معاليه موضوع عملية السلام في الشرق الأوسط وقال إن الانتكاسة التي تشهدها حاليا وصعود موجة التطرف في المنطقة يعودان بشكل أساسي إلى انتهاج حكومة إسرائيل سياسات تتناقض تماما مع أسس ومبادىء العملية السلمية التي تقوم على مبادلة الأرض بالسلام وتطبيق قرارات الشرعية الدولية وخاصة القرارين 242 و 338 وتنفيذ خارطة الطريق ورؤية الإدارة الأمريكية بشأن إيجاد دولتين إسرائيلية وفلسطينية وقبول المبادرة العربية للسلام التي توفر الأمن والاستقرار لجميع شعوب المنطقة وتؤمن حلا دائما وعادلا وشاملا للصراع العربى الإسرائيلي.
وقال إن ذلك الأمر يحتم علينا جميعا بذل أقصى الجهود لتحريك عملية السلام والمضى بها إلى غايتها المنشودة خاصة بعد أن تراجعت تلك العملية وقوبلت بلا مبالاة وقلة اكتراث حتى في الجوانب الإنسانية التي كان من المنتظر أن تحرك ضمير المجتمع الدولي وتدفعه إلى الدفاع عن القيم الإنسانية المتعارف عليها.
وأوضح معالي مساعد وزير الخارجية أن السلام لا يمكن تحقيقه عبر إجراءات إسرائيلية أحادية الجانب تعمل على خلق حقائق جديدة على الأرض بهدف الحسم المسبق لمصير القضايا الحساسة التي تشملها مفاوضات التسوية النهائية.
واشار الى انه لا يمكن حل القضية الفلسطينية وانهاء الصراع العربي الاسرائيلي من خلال استعمال القوة المفرطة وقصف الطائرات وتوجيه الصواريخ واغتيال الكوادر الفلسطينية وتدمير البنية التحتية وسلب الممتلكات وانتهاك الحقوق وفرض العقوبات الجماعية. واضاف ان السلام يتحقق والامن يسود من خلال تنفيذ قرارات الشرعية الدولية واحترام القانون الدولي وتطبيق نصوصه والالتزام بمبادئ العدالة والمساواة.
وشدد على ان المملكة العربية السعودية تدين التصعيد المستمر ضد الشعب الفلسطيني واصرار حكومة اسرائيل على اقامة وتوسيع المستعمرات واستمرارها في بناء الجدار العازل الذي يضم اراضي فلسطينية واسعة في تحد غير مسبوق لقرار محكمة العدل الدولية الذي اقر بعدم شرعية ذلك الجدار وطالب اسرائيل بإزالته مبينا ان قرار الجمعية العامة الذي تبع قرار محكمة العدل الدولية جاء ليعبر عن تضامن المجتمع الدولي حيال ذلك الموضوع. وقال معاليه اذا كان هناك أي انسحاب اسرائيلي او تفكيك للمستوطنات فيجب ان يكون ذلك الانسحاب متوافقا مع متطلبات خارطة الطريق وان يتم بالتنسيق مع السلطة الفلسطينية وتحت اشراف اللجنة الرباعية بحيث يكون ذلك الانسحاب خطوة اولى على طريق الانسحاب الكامل والشامل من جميع الاراضي الفلسطينية المحتلة بما فيها القدس الشريف.
وقال ان المملكة العربية السعودية اذ تولي جل اهتمامها وعنايتها بالجهود الرامية الى ازالة اسلحة الدمار الشامل بكل انواعها عن منطقة الشرق الاوسط وجعلها منطقة خالية من هذه الاسلحة الفتاكة فانها تطالب المجتمع الدولي بعدم الكيل بمكيالين والكف عن اتباع المعايير المزدوجة وتحمل مسئولياته القانونية والاخلاقية بدفع حكومة اسرائيل الى التوقف عن تطوير برامجها النووية واخضاع منشآتها لرقابة الوكالة الدولية للطاقة الذرية. وأوضح معاليه فيما يتعلق بالعراق أن المملكة العربية السعودية تشعر بأسى بالغ وقلق شديد لتدهور الأوضاع الأمنية في بعض المناطق العراقية وما تشهده من صدامات وأعمال عنف وتفجير واختطاف مفجعة.
وقال إنه أمام ذلك الواقع الأليم فإن المملكة العربية السعودية لا يسعها سوى التوجه إلى الشعب العراقي الشقيق بكل أطيافه من أجل رص الصفوف والعمل يدا واحدة وتقديم كل عون ومساندة لجهود حكومته الانتقالية من أجل تكريس أمن وسلامة بلادهم والحفاظ على وحدته الوطنية واستقلاله لكي يستأنف العراق دوره الإيجابي والفاعل على الساحة الدولية.
وطالب الأمم المتحدة بالقيام بدور أكبر لمساعدة الحكومة العراقية على استكمال مراحل العملية السياسية بما في ذلك إجراء الانتخابات تمهيدا لانبثاق الحكومة الشرعية الدائمة والمضي قدما في جهود إعادة البناء والإعمار.
وأشار إلى أن المملكة العربية السعودية سبق وأن تقدمت ببعض الأفكار حول إرسال قوات إسلامية إلى العراق على أن تكون بموافقة الحكومة العراقية وتحت إشراف الأمم المتحدة وبحيث تكون بديلة للقوات المتعددة الجنسيات وليس إضافة لها إلا أن تلك الأفكار لم تجد طريقها إلى النور مع أن الأسس التي قامت عليها والمعطيات التي انطلق منها جديرة بالنظر والاعتبار.
وأوضح معاليه فيما يتعلق بالسودان الشقيق فإن المملكة العربية السعودية إذ تعرب عن بالغ تأثرها بالمأساة الإنسانية في دارفور فإنها تدعم مساعي حكومة السودان الشقيقة نحو إعادة الاستقرار في دارفور وتعاونها مع مختلف الجهات والمنظمات الإنسانية والإغاثية لمعالجة الأوضاع الإنسانية الناجمة عن تلك الأزمة.
واعرب معاليه عن الأمل في أن يتاح الوقت الكافي لجهود الحكومة السودانية والاتحاد الأفريقي في سبيل عودة الأمن في ذلك الإقليم وتأمين رفاه أبنائه.
واشار إلى ان المملكة العربية السعودية وتكريساً لمواقفها الانسانية تقوم حالياً بتسيير جسر جوي لنقل المعونات الإغاثية منها إلى إقليم دارفور مباشرة عبر طائرات الشحن السعودية وتشمل تلك المساعدات الغذاء والدواء والخيام والمولدات الكهربائية كما انه يوجد في اقليم دارفور فرق إغاثية سعودية قامت بإنشاء مراكز صحية في المخيمات والمستشفيات زودتها بالأطباء والأدوية وتجهيزات المختبرات الصحية إلى جانب حفر آبار المياه لتزويد المخيمات بالمياه الصالحة للشرب وكذلك بالكهرباء.
واوضح معاليه ان التنمية البشرية والازدهار الاقتصادي هما المفتاحان الرئيسيان نحو مستقبل أفضل للدول النامية. وقال إنه يمكن للدول المتقدمة والدول النامية أن تحققا معاً مكاسب عظيمة ببلوغ تلك الغاية.
واشار إلى ان المملكة العربية السعودية ساهمت في دفع عملية التنمية في البلدان النامية والبلدان الأقل نمواً واعتمدت ونفذت العديد من البرامج التنموية ومنحت مساعداتها لتلك البلدان لتمكينها من مواجهة مشاكل الفقر والتخلف من خلال مؤسساتها الوطنية والمؤسسات الدولية والاقليمية.
واضاف انه رغم تقدير المملكة للاهتمام الذى عبرت عنه مجموعة الثماني الصناعية في قمة سي ايلاند في الولايات المتحدة الأمريكية نحو مستقبل منطقة الشرق الأوسط ومساعدة دولها على النماء والتقدم الا اننا نرى ان مساعدة الدول النامية على القيام بإصلاحات سياسية واقتصادية لا يكون عبر سياسات الإملاءات الخارجية التي قد تربك وتعيق الجهود الاصلاحية القائمة بالفعل في تلك الدول والنابعة من احتياجاتها الفعلية وظروفها الخاصة وانما عن طريق التوجه نحو الالتزام بجدول محدد ومواقف واضحة تجاه تبني قواعد عادلة للتجارة الدولية والتعاون الاقتصادي الدولي.
وكذلك عن طريق انفتاح الأسواق وبخاصة أسواق الدول المتقدمة والتصدي للنزاعات الحمائية وإزالة الحواجز والضرائب والإعانات التمييزية التي تحد من قدرة الدول النامية على النفاذ لأسواق الدول المتقدمة بالإضافة إلى بذل المساعي اللازمة للتغلب على مشاكلها وصراعاتها السياسية المزمنة.
وقال إن مسيرة الإصلاح يجب أن تكون استجابة لاحتياجات ومتطلبات كل مجتمع بحد ذاته وليس عن طريق فرض أفكار وطروحات تملى من الخارج. وأكد أن المملكة العربية السعودية وانطلاقاً من موقع مسؤوليتها ودورها المؤثر في السوق البترولية العالمية سعت بصفة دائمة للوفاء بتعهداتها فيما يتعلق باستقرار الأسواق البترولية وذلك لضمان استمرار النمو الاقتصادي العالمي ولذلك فهي قامت في سبيل ذلك بزيادة طاقتها الإنتاجية لضمان توفر الإمدادات البترولية الكافية وللحد من ارتفاع أسعار البترول بشكل غير طبيعي كما بادرت إلى تأسيس منتدى الطاقة واستضافت أمانته العامة في الرياض ليكون منبراً لبحث اوجه وفرص التعاون والحوار بين الدول المستهلكة والمنتجة سواء الأعضاء في منظمة الأوبك أو خارجها والتي يجب ان تسعى لتكثيف التعاون فيما بينها في سبيل استقرار سلعة البترول الاستراتيجية وبالتالي ضمان استمرار النمو الاقتصادي العالمي.
وشدد معالي مساعد وزير الخارجية في ختام كلمته إلى انه بالنظر إلى ما يشهده المسرح الدولي من أحداث أمنية مفجعة وصراعات دامية فإن العالم اليوم هو أحوج ما يكون إلى تضافر الجهود الدولية والعمل الجاد من اجل تعميق مفاهيم الحوار ورفع مستوى التفاهم والتعارف والتواصل بين الأمم والحضارات وإشاعة ثقافة السلام بما يحقق احترام الإنسان لأخيه الإنسان ويرسخ مبادئ العدالة والتسامح والمساواة وينبذ العنف والظلم والتمييز العنصري مصداقاً لقول الله سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}
|