* الملتقى - عبدالله هزاع العتيبي:
بحضور صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل ومعالي وزير الثقافة والإعلام الدكتور فؤاد الفارسي اختتمت مساء أمس الاثنين فعاليات الملتقى الأول للمثقفين السعوديين بمحاضرة لمعالي وزير العمل الدكتور غازي القصيبي (تحت عنوان) التنمية الثقافية: والذي استبدله الدكتور غازي بعنوان آخر وهو (ثقافة الثقافة) وإليكم بعض ما جاء في المحاضرة:
أردت لهذا الحديث أن يكون حديث مكاشفة ومصارحة وكان هذا قراراً عانيت معه، قبل أن أصل إليه، وللمعاناة سبب: لا توجد مكاشفة لا تحرج المكاشف أو المكاشف، ولا توجد مصارحة لا تجرح المصارح أو المصارح، في المكاشفة والمصارحة شيء من الألم، وهذا الألم في تصوري، هو الذي يبقي المكاشفة، وما يتفرع عنها من مفاهيم كالشفافية والمساءلة، أحلاماً كثيراً ما تستعصي على التحقيق.
أريد أن أصارحكم، بادئ ذي بدء، أني أصبت بكثير من الخوف عندما قرأت اسم الموضوع الذي طُلب مني أن أتحدث عنه: (التنمية الثقافية ودور المثقف فيها). والحق أقول لكم إني لا أعرف، على وجه التحديد، المقصود بالتنمية الثقافية، وأوشك أن أقول إني لم أعد أعرف، على وجه التحديد، المقصود بالتنمية عموماً وإجمالاً، على أن هذا الخطب يهون عند الخطب الآخر: دور المثقف، ينتابني كثير من الحيرة وشيء من القلق كلما دار الحديث عن (دور المثقف) في هذا الشأن أو ذاك.. أما الحيرة فمصدرها أني لا أعرف نموذجاً واحداً لمثقف بمواصفات إنسانية راقية، وأهداف مجتمعية عالية، ونزاهة شخصية ضافية بحيث يمكنني أن أقول (وجدته!.. هذا هو المثقف! وهذا هو دوره!). المثقفون الذين أعرفهم، والذين أعرف عنهم، ينتمون إلى نماذج عديدة، منها نموذج يسرّك أن يكون له دور في شؤون مجتمعك، ومنها نموذج تودّ لو نفيته من مجتمعك نفياً.. بين المثقفين تجد الصادق والكاذب، الجبان والشجاع، ذا المبدأ والانتهازي، إلى نهاية القائمة من الصفات، وهي صفات نجدها بين كل أصناف البشر، بدءًا بعباقرة التاريخ وانتهاءً بالأميين وأشباه الأميين.
يبادرني السؤال، الآن، قبل أن أواجهه: كيف الوصول إلى مجتمع يحتفي بثقافة الثقافة؟ سبق أن قلت، ولا أمل التكرار، أني على طرح الأسئلة أقدر مني على تقديم الأجوبة.
وأضيف أن الأجوبة التي تطرح حلولاً سهلة نظرياً مقبولة منطقياً، تجيء بحلول تتطاير مع أول هبة هواء ساخن من عالم الواقع.
من الحلول السهلة الشائعة تحميل الدولة المسؤولية عن كل شيء بما في ذلك الثقافة.
لقد كنت، وأصارحكم أني لا أزال، لا أعلق الكثير من الآمال على وجود مؤسسة حكومية تعنى بالثقافة. هذا لا يعني أني أعتقد أن وجود هذه المؤسسة، في حد ذاته، ظاهرة سلبية بقدر ما يعني أني أعرف الحدود التي لا يمكن لمؤسسة حكومية، حتى لو كانت مسؤولة عن الثقافة، تجاوزها.
لقد قامت الأجهزة المعنية بالثقافة في عالمنا العربي بجهود لا تنكر ولكنها قامت في الوقت نفسه، وفي الدول الانقلابية على وجه الخصوص، بتكريس عبادة الشخص وفكر الشخص، وعبادة الدولة، وفكر الدولة، حتى أصبحت منجزاتها الأخرى بمثابة سكر حلو براق يخفي تحته كعكة مرة المذاق محشوة بالسموم القاتلة وهذا الانحراف، بالمناسبة، سلمنا منه إلى حد كبير في بلادنا هذه في الماضي، ونرجو أن نسلم منه في المستقبل، ومن هنا فإنني أتردد ألف مرة أن أجعل الثقافة مسؤولية جهاز يتصرف فيه تصرف المالك في ملكه، جهاز يتعامل مع الثقافة كما تتعامل وزارة النقل مع السكك الحديدية، ووزارة الكهرباء مع محطات التوليد، أوشك أن أقول، ولا أود أن أقول، إن أي جهاز حكومي مسؤول عن الثقافة يؤدي واجبه كاملاً غير منقوص، ويستحق شكر اليوم والغد، إذا هو نجح في فتح الآفاق أمام الثقافة ولم يتحول إلى عقبة كؤود تنتصب في الطريق وتسد الآفاق.
اسمحوا لي، إذن، أن أنهي حديثي إليكم بحلم أود أن تشاركوني فيه: لنحلم معاً بمجتمعات تؤمن بثقافة الحرية التي تقود، بحتمية لا مناص منها، إلى ثقافة الثقافة، تحدثت قبل قليل، عن ثقافة الثقافة في أوج الحضارة الإسلامية العربية، وأقول هنا أني لا أتوقع، ولم أتوقع ذلك الهامش الذي أعطته الحضارة الإسلامية المزدهرة لمثقفيها، والذي أنتج لنا ضمن ما أنتج من روائع الجاحظ وأبو الفرج الأصفهاني وابن حزم وابن القيم وابن الجوزي وجلال الدين السيوطي، بالإضافة إلى نخبة من شعراء فقهاء مبدعين، جمعت من أشعارهم مجموعة صغيرة لا يزال الرقيب يتسلى بقراءاتها، ولا يفسح لها الطريق.
لتوصيات
بعد ذلك قرأ أمين عام الهيئة الاستشارية للثقافة الأستاذ محمد رضا نصر الله البيان الختامي والتوصيات للملتقى الأولى للمثقفين السعوديين وقد بدأ بشكر جريدة (الجزيرة) والإشادة بها ثم تحدَّث عن التوصيات قائلاً:
لقد صدرت على هذا الملتقى التوصيات الآتية:
1- يؤكد المجتمعون على اعتبار أوراق العمل المقدمة للملتقى والنقاشات والمداولات البناءة التي دارت في جلساته والتوصيات التي انتهى إليها أساساً لوضع الإستراتيجية الوطنية للثقافة في المملكة.
2- الاهتمام بالثقافة بوصفها أساساً لتحصين الأمة والنهوض بها.
3- الاستعجال في الترخيص لجمعية الكتاب والأدباء السعوديين.
4- ضمان حرية التعبير المسؤولة للأدباء والمثقفين والفنانين.
5- وضع خطة طويلة الأجل لإنشاء مراكز ثقافية شاملة.
6- تحديث الأنظمة واللوائح والتنظيمات المتعلقة بالمؤسسات الثقافية المختلفة كالأندية الأدبية وغيرها.
7- إعادة هيكلة المؤسسات الثقافية القائمة كالأندية الأدبية والجمعية العربية السعودية للثقافة والفنون.
8- رصد مخصصات كافية في الميزانية للإنفاق على كافة الأنشطة الثقافية.
9- تأكيد مشاركة المرأة الثقافية في داخل المملكة وخارجها وفق مبادئ وقيم مجتمعنا الإسلامي.
10- الحاجة إلى إحداث مؤسسات ثقافية جديدة.
11- إنشاء صندوق تعاوني لرعاية المثقفين والمبدعين تسهم فيه الدولة.
12- الاهتمام بزيادة عدد المكتبات العامة.
13- تشجيع المؤلفين والناشرين مادياً ومعنوياً.
14- حث وتشجيع المؤسسات الأهلية والبنوك والموسرين من رجال الأعمال على تبني المشروعات الثقافية الخاصة.
15- إعادة العمل بتقديم جائزة الدولة وتوسيع مجالاتها.
16- تتولى وزارة الثقافة والإعلام إنتاج برامج مناسبة للطفل تبث من وسائل الإعلام المختلفة.
17- إنشاء مراكز ثقافية وفنية للأطفال.
18- إقامة معارض للكتاب.
19- تتولى وزارة الثقافة والإعلام تنظيم ومتابعة الإنتاج والعرض المسرحي.
20- تبني واحتضان المواهب الفنية الشابة في مجال المسرح والفن التشكيلي.
21- تشجيع الموهوبين بتخصيص جوائز للإبداع الفني.
22- إقامة هذا الملتقى دورياً مع مراعاة توسيع دائرة المشاركة فيه وتنقله بين مدن المملكة.
|