الحياة شلال متدفق ونهر جارٍ، بدأ تدفقه مع بدء الحياة على هذه الأرض، ولا يعلم إلا الله متى يجف هذا النهر ويتوقف. والحياة موكب مستمر تتغير الرموز فيه من وقت لآخر، فيسقط أناس ويعلو آخرون، تولد كائنات وتفنى أخرى. ولكن سير هذا الموكب فيه ثوابت ومتغيرات. الثوابت لا تتغير بتغير الزمان والمكان، فحاجات الإنسان البيولوجية لم تتغير منذ آدم إلى اليوم فهو بحاجة إلى الغذاء والكساء والمأوى والحب والعطف إلى آخر قائمة الاحتياجات الإنسانية، وتركيبته الجسدية لم تتغير، فلم يصبح له عين أو يد أو رجل أو أذن ثالثة، ولم تزل تلك الأعضاء تقوم بوظائفها منذ أن خُلقت. والذي تغير ويتغير من وقت لآخر هي طرق إشباع تلك الاحتياجات وطرق استغلال وتوظيف تلك الأعضاء. ولهذا تتغير الأولويات من وقت لآخر على مستوى الفرد وعلى مستوى الجماعة وعلى مستوى الشعوب والمجتمعات. في هذا الموكب هناك موضوعات اجتماعية واقتصادية ونفسية وإدارية وأدبية تثار من وقت لآخر، وتعترض الحياة مشكلات تتعلق بهذه الموضوعات، ونحن جميعا نسير في موكب الحياة هذا ويعترضنا ما يعترض السائرين فيه في مشارق الأرض ومغاربها. وموكب الحياة منذ أن خلق الله آدم عليه السلام إلى يومنا هذا وهو منطلق في مجراه لا يتوقف لموت عظيم أو حقير، ولا لموت صغير أو كبير. وهذا الموكب مليء بالصور والأحداث، مليء بالأفراح والأتراح، مليء بالتغيرات والتجديدات، يسير الناس فيه بين خوف من الفشل، وبين أمل في النجاح. ولقد قلت في هذا المعنى:
سافرت في موكب الزمان
وزاديَ الخوف والأماني
سافرت والناس في رحيلٍ
بين الأهازيج والأغاني
وبين حزنٍ يليه حزنٌ
تعجز عن وصفه المعاني
والوقت عند الجهول شيء
ساعاته تشبه الثواني
سافرت عبر الزمان لكن
ما غادرت رحلتي مكاني |
إننا بحاجة إلى وقفات تأمل من وقت لآخر، نحاسب فيها أنفسنا، ونراجع فيها مسيرتنا، ونقوّم إنجازاتنا، ونتلمس جوانب الضعف فينا - وهي كثيرة - ونحاول إصلاح ما يمكن إصلاحه، وتلافي ما يمكن تلافيه.
إن وقفات التأمل تلك ضرورية لمحاسبة الذات ونقدها وتقويم أدائها. وقد ينسى الكثير منا نفسه في زحمة الحياة، وسرعة إيقاعها، فيظل يلهث ويلهث، ويجري خلف الأوهام والسراب. ولو أعطى نفسه شيئا من الوقت لوقفة تأمل ومراجعة لربما وفر على نفسه كثيرا من الجهد والوقت.
( * ) عضو هيئة تدريس
|