لعل أشد المصائب وقعاً على النفس أن يفاجأ المرء بإصابة طفله اليافع بمرض -كالسكري- يلازمه طوال حياته وربما انتقص من سعادته، في مثل هذه الحالات تلجأ النفس البشرية إلى تحفظات وقائية (Defence mechanisms) تمتص بها جزءاً كبيراً من هول الصدمة.
في البداية ينكر المرء -في اللاوعي- حدوث الأمر ويرفضه (Denial)، يتمثل هذا في التنقل بين الأطباء والعيادات (Doctor shopping) من أجل بدائل أخرى، ومع تبين الحقيقة واستحكامها يتحول الإنكار إلى غضب يصبه على من حوله (Projection) وقد تهتز الثقة التي بينه وبين طبيبه إذا لم يفطن هذا إلى هذه الظاهرة ويتناولها بالحكمة والصبر، وربما أيضا تأثرت علاقة المرء بأسرته وزوجه.. وقد يلقي باللائمة على نفسه، ويتولد عنده الشعور بالذنب فيحيط طفله بحماية مفرطة يصعب معها متابعة حالته طبياً.
وكثيراً ما تسوء حالة الطفل في هذه الفترة من جراء هذه الانفعالات التي تتراوح مدتها وقوتها تبعاً لشخصية المرء وثقافته واتزانه النفسي وبمقدار السند الذي يلقاه ممن حوله خاصة طبيبه.
طفلان لم يبلغا الثالثة من العمر أحدهما كان أبواه يصران في كل مرة أعوده أن حالته عارضة ستزول ولم أره بعد خروجه من المستشفى، وأما الآخر فقد أخرجه والده من المستشفى الذي شخصت فيه حالة ابنه وأتى به إلى عيادتي مرة ثم أخذه الى البادية، مثالان قويان للانفعالات السابقة الذكر.
- هذه الانفعالات أكثر حدوثا وقوة في مرض السكر للأسباب التالية:
- العلم بأن مرض السكري أبدي لا شفاء منه.
- توقع المضاعفات الخطيرة، العاجلة منها والمتأخرة.
- التأثير اليومي في حياة الطفل وأسرته من فحص وحقن وتردد على المستشفيات.
- حرمان الطفل من ملذات تعتبر ضرورية ومهمة عند الأطفال.
- الاعتقاد الشائع بأن مرض السكري لا يصيب صغار السن، وهذا إعتقاد خاطئ لأن السكري كثير الحدوث عند الأطفال، وتشخيصه في صغار السن في ازدياد مضطرد ويحدث حتى عند حديثي الولادة .
وهناك أنواع من السكري الذي يصيب حديثي الولادة :
(أ) السكري المؤقت ومنه نوع يصيب الطفل في أسبوعه الأول ويزول تدريجياً على مدى أسابيع وأشهر قليلة، وهذا أكثر حدوثا عند الأطفال الذين لم يكتمل حجمهم عند الولادة.
وكذلك الأطفال المبتسرين (الخدج)، خصوصاً الذين تتم تغذيتهم بالوريد، وتظهر عليهم أعراض السكري لتأخر نضج غدة البنكرياس، هذان النوعان يتميزان بحساسية مفرطة للأنسولين فيجب توخي الحذر والدقة في جرعات الأنسولين.
(ب) السكري الدائم: ونبين أسباب هذا النوع:
1 - ضمور أو عدم تخلق (تكون) غدة البنكرياس
2 - إختلال في جينات الأنسولين حيث ينتج نوع غير فعال من الأنسولين.
3 - إختلال مستقبلات الأنسولين (receptors)، وهذه مواد عن طريق الإندماج معها يؤدي الأنسولين وظائفه، يتميز النوعان الأخيران بوجود معدلات عالية الأنسولين في الدم عكس ما هو الحال في السكري الشائع.
كل أنواع السكري أعراضها واحدة، يحدث ارتفاع في معدل سكر الجلوكوز في الدم وفي البول وينتج عن هذا إدرار البول بغزارة مما يتسبب في جفاف الجسم، ولعدم قدرة الجسم على استهلاك الجلوكوز لتوليد الطاقة يلجأ إلى المخزون من الدهن والبروتينات فيؤدي ذلك إلى نحول الجسم وتوقف نمو الطفل، وأيضاً تتراكم الأحماض بالدم والجسم وتؤثر في معظم الوظائف الحيوية، لكن تكاثر الأحماض في الدم نادر الحدوث في سكري حديثي الولادة، خاصة المؤقت، عند صغار الأطفال.
تزداد أهمية المحافظة على ضبط السكري، فكلما كان الطفل صغيراً زادت معدلات المضاعفات المؤقتة مثل الصدمة (فقدان الوعي)، وكلما أثر ذلك في نمو الطفل الجسماني وتطوره العقلي والوظيفي، وأيضاً زادت إحتمالات المضاعفات المؤجلة وحدثت في سن مبكرة
( * ) إستشاري الأطفال
وحديثي الولادة زمالة بريطانية في طب الأطفال |