يُثنى عليك من لم توليه جميلا
لأنك بالثناء به جدير |
فقد الأخيار مؤلم لنفوس محبيهم وعارفيهم، فلقد فاجأتنا بعض الصحف المحلية بنبأ وفاة رجل من خيرة رجال الدولة، ومن الرجال المخلصين لهذا الوطن، إنه الشيخ الفاضل سليمان بن عبدالعزيز الشعيبي الذي انتقل إلى رحمة الله ونحن محزونون على فراقه.. وقد صُلي عليه عقب صلاة عصر يوم السبت 4-8-1425هـ في جامع الملك خالد بأم الحمام بمدينة الرياض، وقد اكتظ المسجد بالمصلين رجالاً ونساء داعين المولى بأن يحسن وفادته ويسكنه عالي الجنان، ثم تبعه خلق كثير إلى مقبرة الدرعية حيث استقر جثمانه الطاهر هناك بعيداً عن أسرته ومحبيه إلى جنة الخلد بمشيئة الله ورحمته، وقد استوفى حقه من أيام الدنيا، حيث عبر الهنيدة بخمس سنوات حميدة أيامه ولياليه، طوى هذا العمر المديد عزيزاً مكرماً في مجتمعه ولدى ملوك هذه البلاد، حيث قضى شطراً كبيراً من شباب وزهرة عمره مشرفاً عاماً على كثير من مزارع الملك عبدالعزيز بحي الباطن في الرياض: بالمحطة، والخديمي، وأم خشيم، ونخيل ولي العهد، لما يتمتع به من أمانة ودراية بشئون الفلاحة والزراعة.
وقد طبع على السماحة والكرم، ولين الجانب، والتلذذ بالبذل وبالإحسان إلى مستحقيه، فهو لا يمل وجه الضيف، وكل الأخيار له أحباب:
حبيب إلى الزوار غشيان بيته
جميل المحيا، شب وهو كريم |
وكان الملك عبدالعزيز يفرح ويسر، ويشكره حينما يعلم أنه يبذل بيد سخية لمن يؤمه في تلك المزارع والنخيل من ذوي الحاجات والمساكين، وكان الشيخ سليمان يساعد الجيران والمحتاجين بأخشاب الأثل وجريد النخل، ويأمر بنقل ذلك لهم لإقامة مساكنهم ودورهم، قبل وجود الأسمنت والحديد، بل إنه عند مواسم نضج الثمار والحصاد، وجذ النخيل يتفقد أحوال الأيتام والأرامل ومستوري الحال فيمدهم بالكثير من الأرزاق سنوياً بأمر ورضا جلالة الملك عبدالعزيز الذي يقول دائماً: رعيتنا في أعناقنا - رحمهما الله جميعاً - وكانت نخيل ومزارع الملك عبدالعزيز، بل جميع نخيل الأمراء في تلك العقود الماضية وقبل وجود الوظائف الحكومية بمنزلة وزارة العمل والعمال حالياً.. حيث إن تلك النخيل الرحبة تستقبل، وتحتضن مئات أصحاب العمل والحرف الذين يفدون إلى الرياض من أماكن بعيدة متعددة طلباً للحصول على تأمين لقمة العيش، وما تحتاجه أسرهم من متطلبات الحياة آنذاك.. فالقادم من تلك الديار أول ما يدور بخلده الاتجاه صوب الشعيبي - رحمه الله - عله يجد عملاً لديه لعلمه أنه يستوعب العمل الكثير من العمال وأصحاب الحرف المتنوعة.. ويُحسن التعامل مع العاملين، وإعطائهم أجورهم فور الانتهاء من أعمالهم، فما أشبه أولئك بأفواج الطيور المهاجرة التي تختار الهبوط والوقوع على أعالي الشجر وارفة الظل، فأحب الناس إلى الله عزّ وجلّ أكثرهم تحبباً ونفعاً إلى الناس، وقال عليه الصلاة والسلام: (إذا أحب الله عبداً حببه إلى الناس).
وقال الشاعر:
وجه عليه من الحياء سكينة
ومحبة تجري مع الأنفاس
وإذا أحب الله يوماً عبده
ألقى عليه محبة في الناس |
ومما يؤثر عنه كثيراً أنه- رحمه الله-، كان يجوب تلك المزارع ليلاً، ويجد أحياناً بعض الأشخاص الذين تلجئهم الحاجات إلى أخذ شيء خفية من تلك المزارع ليلاً كالأعلاف لمواشيهم ودوابهم، أو قطع بعض القنوان من النخيل لسد جوع أطفالهم وعوائلهم فيمر مُسلماً عليه خشية من إزعاجه، بل يحمل عليه ما يجده معه ويقول له: (اهرب لا يشوفك الشعيبي) حفاظاً على ماء وجه ذلك الرجل المتخفي، ورفقاً بحاله، فما أجمل هذا التعامل الفريد مع مثل أولئك الذين ألزمتهم ظروف المعيشة لعمل ما ذكر، فكلما يمر ذكر الشيخ سليمان الشعيبي على الاسماع يتذكرون هذه المواقف الكريمة، ونرجو من المولى أن تشفع هذه المواقف النبيلة، وهذا العمل الطيب لأبي صالح، ويكون من الآمنين يوم يلقى ربه، وقد لقيه غفر الله له وأسكنه فسيح جناته وألهم ذريته وذويه ومحبيه الصبر والسلوان.
إنما المرء حديث بعده
فكن حديثاً حسناً لمن وعى |
(إنا لله وإنا إليه راجعون).
|