تعني المسئولية باختصار تحمل الإنسان لنتائج أعماله ويتعتبر كل من المسئولية والوظيفة أمرين متلازمين فالوظيفة توجد لتحقيق أهداف وواجبات والمسئولية التزام مشتق من الوظيفة.
وهذه المعاني للمسئولية تتفق مع ما أوردته الشريعة الإسلامية عنها فقد اتصفت المسئولية في الإسلام من خلال الوعيد بالمحاسبة على ما يرتكبه الإنسان من سلوك وأفعال سلبية {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاء فَعَلَيْهَا} وقول الرسول صلى الله عليه وسلم (ما من عبد استرعاه الله رعية فلم يحطها بنصيحة لم يجد رائحة الجنة).
وباستثناء ما أوردته الشريعة الإسلامية حول المسئولية منذ ما يزيد على (14) قرناً فإن المسئولية الإدارية تعتبر من المبادئ الحديثة، ففي القانون الروماني وبعده القانون اليوناني لا يوجد أي أثر للمسئولية لعدم مطالبة الإمبراطور في العهد الروماني بأي حق من الحقوق ولأنه ينظر إلى مسئولية الحاكم في العهد اليوناني أنها مسئولية دينية تحاسبه عليها الآلهة المزعومة أما في عهد عرب الجاهلية فإن رئيس القبيلة يحاسب أفراد قبيلته ولكن ليس لهم حق في أن يحاسبوه. وأما في العصر الحديث فقد بدأت مسئولية الإدارة في الولايات المتحدة الأمريكية سنة 1855م وذلك بقبول (الكونجرس) دعاوي الأشخاص ضد الحكومة وصدور قانون بإنشاء محكمة الادعاءات للنظر في قضايا مسئولية الإدارة عن عدم تنفيذ العقود كما صدر سنة 1946م قانون اتحادي ينظم قضايا المسئولية عن الضرر الذي يسببه الموظفون أثناء أدائهم لوظائفهم، وفي بريطانيا صدر سنة 1947م قانون يقضي بمسئولية الإدارة عن أعمالها بما في ذلك أخطاء الموظفين حيث يحق لمن أصابه ضرر إقامة الدعوى ضد الإدارة.
وللمسئولية الإدارية معنيان هما:
- المسئولية الموضوعية وتعني محاسبة الموظف في حالة ارتكابه مخالفة مالية أو إدارية كما أن المسئولية الإدارية قد تقع على الجهة الإدارية في حالة ارتكابها خطأ مرفقيا.
- المسئولية الشخصية أو الذاتية وتتعلق بيقظة الضمير والولاء والانتماء تجاه الفعاليات المتصلة بعمل الموظف والمسئولية الإدارية تنضوي تحت المسئولية التقصيرية وذلك لكونها مسئولية عن أعمال الغير وهم الموظفون، كما أنها تعد في بعض الأحيان من المسئولية التعاقدية لكون العقود الإدارية تشكل جزءاً من عمل الإدارة فبالنسبة لمسئولية الإدارة هناك ثلاثة أنواع منها وهي:
- المسئولية على أساس الخطأ، عندما تتسبب الإدارة في الأضرار بالآخرين بامتناعها عن أداء الواجب أو إهمالها في أدائه، كمنع أو إلغاء ترخيص مسموح به نظامياً، وكإهمال صيانة الطرق وعدم تأمين سلامة السير عليها، كما تقع المسئولية على أساس الضرر عندما يتعرض أحد الأشخاص للإصابة بفعل سلبي، كمن يصاب في مختبر كيماوي أو بسبب سقوطه في إحدى الحفر أو يصاب بخسارة مالية بسبب إهمال الإدارة وقد تكون المسئولية تلازما بين الخطأ والضرر حيث يعتبر الخطأ شخصياً إذا وقع من الموظف خارج نطاق الوظيفة أو أثناء ممارسة عملها ولكن بسبب الموظف عندما يتعمد مخالفة الأنظمة والإجراءات ويمكن ان يكون الخطأ إدارياً إذا كانت الإدارة قد قصرت في واجبها.
- المسئولية بدون خطأ، حيث تم توسيع مفهوم مسئولية الإدارة عن طريق نظرية الإثراء بدون سبب ونظرية المخاطر بالشروط التالية:
أ - وجود ضرر محقق ومحسوس وليس احتمالياً مثل قيام إحدى البلديات بإنشاء جسور أو ممرات تضر بأصحاب المنازل أو المحلات التجارية.
ب - عدم قيام المتضرر بالتسبب في الضرر الذي لحق به فإذا ثبت أن الجهة الأمنية قد أنذرت الناس من الدخول في مناطق خطرة وأقدم البعض على الدخول فيها انتفت مسئولية الإدارة.
ج - ألا يكون المتضرر قد توقع حدوث الضرر الذي حدث له كمعرفته بأن المكان الذي تعرض للضرر فيه يعتبر منطقة عسكرية خطرة.
د - زيادة المخاطر عما يحصل للأفراد مثل أن تلاحق قوات الأمن أحد المجرمين في أحد المنازل فليس للجيران حق المطالبة بالتعويض عن مضايقة الشرطة وذلك لأن الفوائد من هذا التصرف تزيد على الأضرار الناجمة عنه.
هـ - كون الضرر المدعى به قد حصل في إطار تنفيذ مصلحة عامة مثل قيام البلدية بتحسين شارع مما سبب ضرراً في المنازل الواقعة عليه.
و - عدم وجود قوة قاهرة كتضرر المساكن وأصحابها بالمياه والأمطار.
وإذا كان المتضرر من تصرف الإدارة أحد موظفيها فإنه يشترط لتعويضه أن يكون الضرر قد حصل بسبب العمل.
وفي بلادنا حظيت المسئولية الإدارية باهتمام واضح ويتبين ذلك مما يلي:
- في سنة 1344هـ تضمن بيان الملك عبدالعزيز رحمه الله الموجه لأهالي مكة المكرمة عدم استمرار الموظف الذي يقيم الناس عليه الحجة لعدم صلاحيته على رأس عمله.
- ورد في نظام المأمورين الصادر سنة 1350هـ ونظام الموظفين لسنة 1364هـ ونظام الموظفين لسنة 1377هـ العديد من القواعد المتعلقة بالتحقيق ومحاكمة ومعاقبة الموظفين المقصرين.
- صدر في سنة 1380هـ نظام خاص بمحاكمة الوزراء عند تقصيرهم في أعمالهم أو ارتكابهم مخالفات.
- صدر في سنة 1391هـ نظام متكامل خاص بتأديب الموظفين كما أنشئت هيئة الرقابة والتحقيق وهيئة تأديب الموظفين من أجل تطبيق ذلك النظام.
- في سنة 1402هـ أنيطت صلاحية تأديب الموظفين لديوان المظالم عندما دمجت هيئة التأديب في الديوان مع بقاء هيئة الرقابة والتحقيق على وضعها كجهة ادعاء في هذا المجال.
|